2012-04-06 11:07:55

البابا يترأس قداس عشاء الرب في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران بروما مفتتحا الثلاثية الفصحية


ترأس البابا بندكتس السادس عشر عند الساعة الخامسة والنصف من عصر أمس الخميس قداس "عشاء الرب" في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران بروما وتخللتها رتبة "غسل الأرجل" تيمنا بالمسيح الذي غسل أرجل تلاميذه عشية آلامه وموته على الصليب. خلال هذا الاحتفال الديني المهيب الذي يطبع بداية الثلاثية الفصحية ألقى البابا عظة قال فيها:

الخميس المقدس ليس فقط اليوم الذي أنشأ فيه الرب سر الإفخارستيا لأنه يشمل أيضا ليل جبل الزيتون الحالك الذي خرج إليه يسوع مع تلاميذه وشعر بأنه تُرك لوحده وراح يصلي قبل خيانة يهوذا له واعتقاله وقبل أن ينكره القديس بطرس ويُسلم إلى الأحبار ومن ثم إلى بيلاطس البنطي. الليل هو الظلمة التي ترمز إلى انعدام الفهم والتعتيم على الحقيقة، إنه المكان الذي ينمو فيه الشر. الظلمة هي رمز الموت والضياع. دخل يسوع الليل ليتخطاه وليبزغ فجر يوم جديد في تاريخ البشرية، يوم الله. اختلى يسوع بنفسه ليصلي وليخاطب أباه السماوي. لقد سمع التلاميذ يسوع يتحدث عن "خروجه" إلى أورشليم. خروج شعب الله من مصر كان بمثابة تحريره من العبودية. لكن ما هو المعنى الذي سيكتسبه خروج يسوع إلى أورشليم؟

بعدها استولى النعاس على التلاميذ لكنهم على الرغم من ذلك راحوا يسمعون أجزاء من كلمات يسوع خلال صلاته ويراقبون تصرفاته. توجه يسوع إلى أبيه السماوي يخاطبه كما يخاطب طفل أباه، فقال له "أبّا" وهي عبارة تختلف عن عبارة "يا أبي" أو "يا أبت" ويستخدمها عادة الأطفال! فيسوع كان على الدوام في علاقة من الشراكة المستمرة مع الله، وقال مرة عن نفسه "من رآني رأى الآب". يسوع هو الآب. يقول لنا القديسان متى ومرقس في إنجيليهما إن يسوع "سقط على وجهه" (متى 26، 39) علامة لخضوعه لمشيئة الآب، فيما قال القديس لوقا إن يسوع صلى جاثيا على ركبتيه. وهذا ما فعله القديس أسطفانس خلال رجمه بالحجارة، والقديس بولس قبل استشهاده، كما يروي كتاب أعمال الرسل. هكذا عندما يصلي المسيحيون راكعين إنهم يدخلون في صلاة مع يسوع المسيح على جبل الزيتون. وإزاء تهديدات قوى الشر يواجه المصلي بهذه الطريقة العالم ويركع كابن أمام أبيه السماوي. وأمام مجد الله يركع المسيحيون ويقرون بألوهيته ويعبرون في الوقت نفسه عن ثقتهم بأنه هو سينتصر في نهاية المطاف.

اختبر يسوع ـ على جبل الزيتون ـ القلق إزاء سلطان الموت. وهذا هو الشعور الذي يختبره الإنسان، وكل كائن حي، أمام الموت. لكن يسوع رأى في ظلام الشر الكذب والخداع وكأس الألم الذي سيشرب منه. وكأنما انكب عليه شر العالم كله في تلك اللحظة. يسوع يراني أنا أيضا ويصلي من أجلي وأصبحت تلك اللحظة عنصرا أساسيا في مسيرة الخلاص. من خلال صلاته على جبل الزيتون حمل المسيح على كتفيه خطايا البشرية برمتها، حمل خطايانا، وقادنا جميعا نحو الآب السماوي.

في صلاته على جبل الزيتون قال يسوع :"أبا، يا أبت، إنك على كل شيء قدير، فاصرف عني هذه الكأس. ولكن لا ما أنا أشاء، بل ما أنتَ تشاء" (مرقس 14، 36). إن المشيئة الطبيعية لـ"يسوع الإنسان" شعرت بالخوف أمام ما ينتظره لذا طلب من الله أن يجنبه الآلام والموت. لكنه كابن وضع مشيئته الإنسانية بتصرف مشيئة الآب: "لا ما أنا أشاء، بل ما أنتَ تشاء". بهذه الطريقة قام بتحويل تصرف آدم، الذي ولد الخطيئة الأصلية. فآدم تصرف وفقا لمشيئته هو كإله، لا وفقا لمشيئة الله.

نعتقد أحيانا أننا نصبح أحرارا عندما نعمل وفقا لمشيئتنا ويظهر لنا الله كقوة مضادة لحريتنا. نفكر بأنه علينا أن نتحرر منه لنصبح أحرارا فعلا. عندما يقف الإنسان في وجه الله إنما يقف في وجه حقيقته. إننا نصبح أحرارا فقط عندما نعيش في حقيقتنا، وعندما نتحد مع الله. من خلال صلاته على جبل الزيتون قام يسوع بحل التناقض الخاطئ بين الطاعة والحرية وفتح لنا الدرب أمام الحقيقة. فلنرفع الصلاة إلى الرب ليساعدنا على أن نقول نعم لمشيئة الله، وليجعلنا هكذا أحرارا حقا. آمين.








All the contents on this site are copyrighted ©.