2012-02-11 17:04:32

الشراكة: علاقة جديدة من أجل تنمية أفريقيا


اتسمت العلاقة بين أفريقيا و الحكومات الغربية والمنظمات الدولية،  الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية باللامساواة والتهميش، وكانت أفريقا منذ الحقبة الاستعمارية "تتلقى الأوامر" من العواصم الغربية مقابل مساعدات ودعم مشروط للعديد من الأنظمة غير الشعبية. كانت بعض الشروط تمنح الأجانب إمكانية استغلال موارد القارة الطبيعية والتأثير على سياسات دولها، إلى جانب إلحاق الضرر بالنظام البيئي وتهديد قيم الثقافة الأفريقية.

أدرك مؤسسو الاتحاد الأفريقي تأثير هذه العلاقة على مستقبل القارة فقرروا تغييرها، وجاء في وثيقة "الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا": "أُدرجت  أفريقيا على مدار قرون في الاقتصاد العالمي باعتبارها في المقام الأول مصدر يد عاملة رخيصة ومواد أولية، وقاد هذا بالتالي إلى استنزاف الموارد الأفريقية بدلا من استخدامها من أجل تنمية القارة. وتظل أفريقيا أفقر القارات رغم كونها إحدى أكثر مناطق العالم ثراءً".

أُلحقت هذه الوثيقة ببرنامج الاتحاد الأفريقي عام 2001 باعتبارها نظرة بعيدة المدى وسياسة للإسراع من مسيرة التنمية، وذلك لكونها دعوة إلى علاقة جديدة قوامها التكافؤ. وقال مؤسسو الاتحاد في مقدمة الوثيقة: "إنها دعوة من أجل علاقة شراكة جديدة بين أفريقيا والمجتمع الدولي، وخاصة الدول الصناعية الكبرى، لتجاوز الهوة في التنمية التي ازدادت اتساعا خلال قرون من علاقة غير متكافئة".

ولكن ما هي علاقة الشراكة الجديدة هذه؟ إنها علاقة تقوم على الثقة والتكافؤ، الاحترام المتبادل وتقاسم المسؤوليات والمخاطر والموارد والمواهب من أجل تنمية كل بلد مفرد في القارة. فالشراكة أمر ضروري لتجنب استغلال أي بلد للآخر وتفادي التبعية، وفي المقام الأول للعمل المشترك لأن التنمية مسيرة مركبة تتطلب استثمارات لا يمكن لبلد مفرد توفيرها وحده.

ويظل مطروحا تساؤل هام حول إمكانية بلوغ مثل هذه الشراكة رغم تاريخ علاقات مناطق العالم الأخرى وخاصة الغرب بأفريقيا، ويأتي الرد على هذا التساؤل إيجابيا في حال تمتع الدول التي استغلت وهمشت أفريقا لعقود من الزمن برغبة في تغيير سياساتها وتصرفاتها. فقد كانت المساعدات المشروطة دائما الوسيلة لاستغلال الموارد الأفريقية، لكن أفريقيا ليست في حاجة إلى مساعدات مقيَّدة بل إلى التكنولوجيا والقدرة على معاملة مواردها والاستفادة من مواهبها لما فيه مصلحة شعبها. هذا هو المبدأ الذي تضعه القارة من أجل تنميتها ولعلاقات العمل مع الشركاء المستعدين لاحترام قيمها.

نجحت وثيقة "الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا" في إشراك قمة الثمان وقمة العشرين وبرنامج العمل الأوروبي في آسيا الوسطى، إلا أن أحداثا أخيرة أكدت استمرار بعض الدول في معاملة أفريقيا باعتبارها مستعمَرة أو شريكا صغيرا. وتكفي الإشارة إلى تهديد رئيس الوزراء البريطاني في نهاية العام الماضي بقطع المساعدات للدول الرافضة لتشريع العلاقات المثلية، والذي تلاه إعلان الرئيس الأمريكي استخدام بلاده المساعدات للضغط على الدول كي تهتم بمصالح المثليين. ليست المثلية جزءً من الثقافة الأفريقية وتُعتبر في هذه القارة فعلا غير أخلاقي. تعكس بالتالي محاولات الدولتين إجبار أفريقيا على الاعتراف بالمثلية الجنسية المسيرة الطويلة التي لا يزال على الشراكة أن تقطعها. إلا أن الأفارقة، ولحسن الحظ، يدافعون عن ثقافتهم ويفخرون بقيمها مذكرين الزعماء الأمريكيين والبريطانيين بضرورة احترام سيادة الدول وجمال الثقافة الأفريقية التي لا يمكن مقايضتها بمساعدات أجنبية.

على أفريقيا بالتالي تعزيز تكاملها الإقليمي من خلال تعاون مؤسساتها الإقليمية العديدة لأن هذا يقود إلى توسيع أسواق البضائع والخدمات للدول المنفردة ويشجع الاستثمار الداخلي والخارجي فيها، إلى جانب ترجيحه كفة الدول الأفريقية في المفاوضات في حال تجمعها. وعلى القارة الأفريقية من جهة أخرى توطيد التعاون مع الدول الناهضة اقتصاديا (البرازيل، روسيا، الصين، الهند، ماليزيا، سنغافورة وكوريا الجنوبية) لما فيه استفادة متبادلة. أثبتت أغلبية هذه الدول، باستثناء الصين، عدم سعيها للاستغلال بل لفرص متكافئة بين الدول الشريكة، وتبدو هذه الدول في كل الأحوال أكثر تأييدا لتنمية أفريقية من القوى الغربية.








All the contents on this site are copyrighted ©.