2012-02-11 18:53:38

الإنجيل وقفة تأملية عند كلمة الحياة


في ذلك الزَّمان: أَتى يَسوعُ أَبْرَصٌ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه، فجَثَا وقَالَ لَهُ: "إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!". فتَحَنَّنَ يَسُوعُ ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ وقَالَ لَهُ: "قَدْ شِئْتُ، فَاطْهُرْ!". وفي الـحَالِ زَالَ عَنْهُ البَرَص، فَطَهُرَ. فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ وصَرَفَهُ حَالاً، وقالَ لَهُ: "أُنْظُرْ، لا تُخْبِرْ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ اذْهَبْ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِن، وَقَدِّمْ عَنْ طُهْرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُم". أَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وبَدَأَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ويُذِيعُ الـخَبَر، حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا أَنْ يَدْخُلَ إِلى مَدِينَةٍ عَلانِيَة، بَلْ كانَ يُقِيمُ في الـخَارِج، في أَمَاكِنَ مُقْفِرَة، وكانَ النَّاسُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَان. (مرقس1، 40-45)

 

للتأمل

إذا كان المرض أحيانا يقسّي القلب ويعزل المريض ويولد في نفسه عدم ثقة تُجاه الآخرين والحياة، فالأبرص الذي يقدّمه لنا اليوم مرقس الإنجيلي يظهر رغبة قوية في الحياة وثقة كبيرة بيسوع: بانطلاقة حيويّة كسر الحواجز الاجتماعية التي تفصل بينه وبين الآخرين وأَتى إلى يَسوعُ فجَثا وقالَ له: "إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!". لقد وجد "أنت" آخر يتواصل معه، آخر ينتشله من عزلته، آخر ينظر إليه بطريقة مختلفة، يفهمه ويشاركه ألمه بدون خوف وشفقة، آخر يساعده ليستعيد ثقته بذاته وبإنسانيته، آخر يحرّره.

لقد أتى الأبرص إلى يسوع ورمى بنفسه بين يديه مسلما ذاته لمشيئته، لم يطلب، بل أعترف علانية بقدرة يسوع "أَنتَ قادِر" وكأن به يقول ليسوع لو كانت هذه رغبتك تبدأ عندها مسيرة شفائي، فالشفاء يبرز هنا في بعده العلائقي، تمهده المعرفة بأن هناك آخر يريد لي الشفاء والحياة، وبأن لحياتي ولشخصيتي قيمة عند هذا الآخر.

يقول لنا الإنجيلي مرقس "فتَحَنَّنَ يَسُوع ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ"، إنه لا يبقى بعيدا أمام صرخة ألمنا، ولا يبقى غريبا عن حالتنا فقد تجسّد ليحمل ضعفنا ويشفي أمراضنا ويبلسم جراحاتنا. لقد مدّ يده ولمس الأبرص غير عابئ بما تفرضه الشريعة بعدم مس الأبرص، فيسوع جاء ليتابع عمل الله الخلاصي. قال الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني: "النقطة الجوهرية التي تميّز المسيحية عن سائر الأديان الساعية في طلب الله، هي أن في المسيحية لم يعد الإنسان وحده يطلب الله، بل الله يأتي بذاته يحدّث الإنسان عن نفسه، ويهديه سبيل البلوغ إليه. فبالمسيح لم يعد السعي في طلب الله على غير هدى (إعمال 17/27)، بل هو جواب الإيمان بالله الذي يعلن ذاته. جواب به يتكلم الإنسان مع الله كخالقه وأبيه (إطلالة الألف الثالث، 6). لقد كشف يسوع للأبرص عن نفسه والأبرص أجاب بصرخة الإيمان: " إذا شئت أنت قادر أن تطهرني".

تحنن يسوع عليه، مدّ يده ولمسه، وقال له: شئت فاطهر، فزال برصه حالاً وطهر" (مر1/41-42). هذا هو إنجيل يسوع المسيح، إنجيل رحمة الله الذي يعلن: أن حب الله أقوى من خطيئة الإنسان ومفاعيلها. إنجيل يعلن أن الإنسان، أيا كان وضعه أو حالته، هو قيمة بحدّ ذاته، ومدعو ليكون هيكل الروح القدس، ومعاون الله في صنع التاريخ. ويعلن أن الله، بالمسيح يسعى في طلب كل إنسان، لكي يحمله على الارتداد، فيستعيد كرامته كمخلوق على صورة الله، وحرية أبناء الله (إطلالة الألف الثالث،7).

لقد طهّر يسوع الأبرص، نفساً وجسداً، وأعاده إلى الجماعة، حيث الشركة مع الله وبين الناس، وأمره إظهار نفسه للكاهن ليعلن طهره وإعادته إلى جسم الجماعة. كما أمره بتقديم قربان التكفير والشكر لله، حسب شريعة موسى. فأصبح الأبرص رسول يسوع المسيح:"َخَرَجَ وبَدَأَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ويُذِيعُ الـخَبَر".

يمثل الأبرص كل متألم وكل خاطئ. كلنا نمرض فنبحث عن طبيب ودواء. وكلنا نخطأ، فلنبحث إذا عمن هو طبيب النفوس، وحده يسوع المسيح قادر أن يشفينا بالعودة إليه بالتوبة: فلنهتدي بكلامه الذي ينير ظلال حياتنا، ونسجد أمام رحمته، مقرين بخطايانا، ملتمسين منه نعمة الغفران الشافية.








All the contents on this site are copyrighted ©.