2011-11-19 13:53:54

ملخّص عن الإرشاد الرّسولي ما بعد سينودس الأساقفة الخاص بأفريقيا "التزام أفريقيا"


إنّ الإرشاد الرّسولي ما بعد سينودس الأساقفة الخاص بأفريقيا "إلتزام أفريقيا" هو المستند الجديد الذي صاغه البابا بندكتس السادس عشر مرتكزا إلى المقترحات النهائيّة السبعة والخمسين الصادرة عن السينودس الخاص بأفريقيا الذي انعقد في شهر تشرين الأوّل أكتوبر من العام 2009 وتمحور حول موضوع المصالحة والعدالة والسّلام.

يتألّف المستند البابوي من قسمين: في القسم الأول، يتفحّص الهيكليّات الأساسيّة للرسالة الكنسيّة في القارّة الأفريقيّة، والهادفة لبلوغ المصالحة والعدالة والسّلام في ضوء البشارة بالإنجيل؛

في القسم الثاني، يتمّ تحديد حقول العمل الرسولي في الكنيسة، وبنوع خاص في قطاعات التربية، الصحّة ووسائل الاتصالات الاجتماعية.

إن قداسة البابا ومع إدراكه للإرث الفكري، الثقافي والديني في أفريقيا، وأيضا للتحديات الحالية التي تواجهها، يشجّع هذه القارة على قبول يسوع على الدوام والتحرّر من كل ما يشلّها وإعادة إطلاق تاريخها وحياتها بقوّة ذاتيّة نابعة منها.

 

يتعلّق الإرشاد الرّسولي الجديد بالمستندات التالية:

- الإرشاد الرّسولي ما بعد سينودس الأساقفة الأوّل الخاص بأفريقيا الذي انعقد سنة 1995 وعنوانه: "الكنيسة في أفريقيا": يستمدّ الإرشاد الجديد منه بنوع خاص فكرة أساسية هي: الكنيسة عائلة الله.

- الإرشاد الرّسولي ما بعد سينودس الأساقفة "كلمة الله الذي نُشر سنة 2010 بعد انتهاء السينودس الخاص حول كلمة الله. يستمد الإرشاد الجديد منه أهميّة العمل الرّسولي المستند إلى الكتاب المقدّس.

- الخطوط العريضة لسينودس الأساقفة المقرّر عقده سنة 2012 حول البشارة الجديدة بالإنجيل، والتي تعطي دفعا جديدا لعمل الكنيسة الأفريقيّة من خلال تحديد برنامج نشاطات راعويّة للبشارة الجديدة بالإنجيل تمتد لغاية السنوات العشر القادمة.

 

القسم الأوّل: الهيكليّات الأساسيّة لعمل الرسالة في أفريقيا

 

انطلاقا من شرط أنّ أفريقيا هي بحاجة لأن تسمع صوت المسيح الذي يطلب منا اليوم أن نحب الآخر، وحتّى العدو، يدعونا الإرشاد الرّسولي إلى المصالحة مع الله ومع القريب كطريق ضروري لبلوغ السّلام. إنّه لمن المهمّ إذا تنقية الإنسان من الداخل، كما أنّ قبول الغفران وتقديمه يسمحان بإعادة اكتشاف التناغم بين العائلات، مع التأكيد على واجب ملاحقة ومحاسبة جميع المسؤولين عن ارتكاب الجرائم من أجل تجنّب تكرارها.

يشدّد البابا أيضا، على أنه وبالرغم من واجب العاملين في المجال السياسي بناء نظام اجتماعي صحيح، على الكنيسة أيضا تربية ضمائر الرجال والنساء، من خلال تلقينهم فهم معنى العدالة الإلهيّة المرتكزة إلى الحبّ الذي يدفعها لدرجة تقديم ذاتها من أجل الإخوة متخطّية الحدّ الأدنى الذي تتطلّبه العدالة الإنسانيّة. إنّ عيش عدالة يسوع يعني إذا، العمل على وضع حدّ لمصادرة خيور شعوب بأكملها واستغلالها، لكونه عملا مرفوضا وغير أخلاقي. إن عيش عدالة يسوع يعني أيضاً البحث عن الحلول المشتركة بروح التضامن والمحبّة حسب منطق التطويبات. لهذا السبب يجب إيلاء اهتمام مميّز بالفقير والجائع والمريض والمسجون والمهاجر والمهجّر.

تساهم الكنيسة في بناء أفريقيا جديدة عندما تصبح صدى "لصراخ الأبرياء والمضطهدين الصامت، وللشعوب التي ترهن حكوماتها حاضرها ومستقبلها من أجل مصالحها الشخصيّة.

ما هي مجالات العمل التي يمكن أن يطبَّق فيها كلّ ذلك؟

يحدّد الإرشاد الرّسولي قبل كلّ شيء "التعليم المسيحي"، ليس بالتلقين فقط، إنّما بعيشه على المستوى الشخصي والعائلي والاجتماعي؛ ثمّ التمييز العميق والدقيق للطقوس التقليديّة المحليّة؛ وخصوصاً تلك المتعلّقة بالمصالحة، وذلك من أجل إيضاح الأوجه التي تساعد أو تحول دون انخراط الإنجيل في الثقافة المحليّة؛ وأخيراً نشر وتعزيز روح جديدة من التآخي تتعارض والروح القبليّة والعرقيّة والإتنيّة المنغلقة على ذاتها.

 

كما يطلب البابا في الإرشاد الرسولي الجديد حماية خاصّة ومميّزة:

- للعائلة: لأنّها، وحيال تهديدات جمّة كتشويه المفاهيم المتعلّقة بالزواج، وانخفاض قيمة الأمومة، وتسخيف الإجهاض، وتسهيل الطلاق، وتفشي النسبية الأخلاقية الجديدة هي مدعوّة لتصير "كنيسة بيتيّة"، قادرة على حمل السلام والتناغم إلى ربوع المجتمع. ناهيك عن الإكرام والاحترام اللذين تكنّهما أفريقيا للمسنين والذي يمكن أن يشكّل نقطة يستوحي منها الغرب مثالا للاستقرار والنظام الاجتماعي.

- للنساء: اللواتي يحملن مهمّة لا بديل عنها في المجتمع وفي الكنيسة. على جميع المسيحيّين محاربة وشجب كل أعمال العنف المرتكبة ضدّ النساء.

- للأطفال: الذين هم عطيّة الله، ومصدر الرجاء والتجدّد، يعيشون وسط أوضاع مرفوضة وممقوتة كحالة الأطفال المجنّدين، المسجونين، المرغمين على العمل، المستغلّين بسبب إعاقتهم، المتهمين بالسحر ومن يباعون لاستغلالهم جنسياً.

- للحياة: إنّ الكنيسة التي تعارض الإجهاض، والمخدّرات والإدمان على الكحول؛ تقف في الصف الأمامي لمواجهة أوبئة الملاريا، والسلّ، والإيدز الذي يتطلّب علاجا طبيا ودواء، ولكن بنوع خاص أخلاقا، أو بمعنى آخر وقاية ناجعة مبنيّة على العفّة الجنسيّة والأمانة الزوجيّة وعلى رفض الاختلاط الجنسي، باسم إنسانيّة مبنية على الحقّ الطبيعي وعلى كلمة الله. كما ومن الضروري أيضا محو الأميّة التي تسبب الموت الاجتماعي وإلغاء حكم الإعدام.

يشدّد الإرشاد الرّسولي الجديد أيضا على حاجة القارّة الأفريقيّة لحكم صالح للدول يُترجم باحترام الدساتير، والانتخابات الحرّة، واستقلاليّة الأنظمة القضائيّة، والشفافية الإداريّة البعيدة عن تجربة الفساد. كما ويعتبر الإرشاد أمرا جوهريا استغلال المواد الأوّلية لصالح الخير العام، وحماية الخيور الأساسيّة كالمياه والتربة؛ والتنبّه من ظاهرة الهجرة حتى على الصعيد الدولي، وعولمة مفهوم التضامن الذي يحتوي على "مبدأ المجانيّة ومنطق العطاء كتعبير عن الأخوّة.

 

يولي البابا أهميّة محوريّة للحوار الذي يجب أن يكون:

- مسكونيا: لأنّ مسيحيّة مقسّمة تولّد الشكّ. لذا يدعو البابا أيضا إلى تأسيس منظّمات مسكونيّة جديدة تقوم بأعمال المحبّة وتحمي الإرث الديني حيال تفشّي الكنائس الأفريقيّة المستقلّة وحركات العبادات المحليّة والبدع التي تجتذب المسؤولين السياسيّين ومؤمني الرعايا على السواء.

- بين الأديان: الذي يلامس الديانات الأفريقيّة التقليديّة ليأخذ منها ما يتّفق مع تعاليم الإنجيل، بالإضافة إلى الحوار مع المسلمين  إذ يؤكّد البابا على أهميّة المثابرة في احترام المسلمين، الذين يعبدون الإله الواحد كالمسيحيّين، ويُشدّد على الاستعداد الدائم للحوار ضمن احترام الضمير والحريّة الدينيّة.

 

 

القسم الثاني: مجالات العمل الرسولي في الكنيسة

 

يتوجه البابا بندكتس السادس عشر بنوع خاص:

- للأساقفة: هم مدعوون لقداسة الحياة، للوحدة مع خليفة بطرس، وللشراكة مع الكهنة. عليهم أن يقاوموا النزعة القومية ويلتزموا بتوفير التنشئة للعلمانيين. على الأبرشيات أن تكون"مثالا من حيث التصرفات الفردية والشفافية وحسن الإدارة المالية". (104)

- للكهنة: عليهم أن يكونوا مثلا في حياة التبتّل والتخلّي عن الماديات، متخطّين الحواجز القبائليّة والعُرقيّة دون الوقوع في تجربة أن يصبحوا قادة سياسيين أو عاملين إجتماعيين.

- للإكليريكيين: هم مدعوون ليتحضّروا للكهنوت من الناحية اللاهوتية والروحية، في بيئة مؤاتية لنموّهم النفسي والإنساني، فيكونوا رسل الشباب.

- للعلمانيين: عليهم أن يعيشوا القداسة في العالم، مظهرين أن العمل، قبل أن يكون مصدر ربح، هو مكان لتحقيق الذات ولخدمة القريب. وعلى العاملين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية أن يكونوا على معرفة بالعقيدة الاجتماعية للكنيسة.

- الشمامسة والمكرّسين وأساتذة التعليم المسيحي: يشدد البابا على تنشئتهم المستدامة وعلى كونهم مثلا في الحياة المسيحيّة وعلى شهادتهم في حياتهم التي أوكلوها لله وكرّسوها للقريب.

- المدارس والجامعات والمؤسسات الكاثوليكية: عليهم أن يوثّقوا أواصر السلام والتناغم في المجتمع ويبحثوا عن الحقيقة التي تسمو فوق المعايير الإنسانية، وأن يساهموا في نمو اللاهوت الأفريقي محافظين على هويّتهم الكاثوليكية و معززين الإنثقاف، أي انخراط الانجيل في الثقافة المحلية.

- المؤسسات الصحية الكاثوليكية: ترى الكنيسة في كلّ شخص مريض عضوا متألما في جسد المسيح، فالتزامها في مكافحة الأمراض أمانة لتعليمها الخلقي وللدفاع عن الحياة. على هذه المؤسسات أن تدير الشؤون المالية بشفافيّة لخدمة المرضى.

- وسائل الإعلام: على الكنيسة أن تكون حاضرة في وسائل الإعلام بشكل مكثّف ومدروس، معتمدة على التكنولوجيات الحديثة لأنها تشكل أدوات للكرازة ولتنشئة الشعوب الأفريقية على المصالحة والعدالة والسلام. 

يشدّد الإرشاد الرّسولي الجديد على أهمية الكرازة، كرسالة إلى الأمم أي كحمل البشرى السارة للأشخاص الذين لم يعرفوها بعد، و كبشارة جديدة للذين لا يعيشون حياتهم المسيحية حتى خارج البلاد الأفريقية.

 

مقترحات عمليّة

يقدم الإرشاد الرسولي بعض المقترحات العملية لتعزيز المصالحة والعدالة والسلام في القارّة:

-تعزيز قراءة الكتاب المقدّس والعمل الرسولي الكتابيّ: لأن كلمة الله تجدد الشراكة الأخوية.

-عقد مؤتمر قرباني (إفخارستي) على مستوى القارة: لأن الإفخارستيا تبني أخوّة جديدة تتخطّى اللغات والثقافات والأعراق والقبائل والعنصريّة.

-أن تقترح كنائس أفريقيا مرشحين جدد لإعلان قداستهم: لأن القديسين هم دعاة للعدالة ورسل للسلام.

-أن يدعم الأساقفة المحلّيون منتدى مجالس أساقفة أفريقيا ومدغشقر: الذي يشكل هيكلية تضامن وشراكة كنسية على مستوى القارة.

-تشجيع البلدان الأفريقية على الاحتفال سنويا بيوم أو بأسبوع للمصالحة، لا سيما خلال زمن المجيء أو زمن الصوم الكبير.

-بالاتفاق مع الكرسي الرسولي يستطيع منتدى مجالس أساقفة أفريقيا ومدغشقر، الإسهام في إقامة "سنة للمصالحة" على مستوى القارة.

 

الخاتمة

يشدد الإرشاد الرّسولي في الختام على الرجاء: ويعهد البابا إلى شفاعة مريم العذراء مسيرة الكرازة في القارة "ليصبح كلّ بدوره رسول مصالحة وعدالة وسلام" وتكون الكنيسة الأفريقية "إحدى الرئتين الروحية للبشرية".








All the contents on this site are copyrighted ©.