2010-10-19 10:21:34

سيادة المطران إدمون فرحات، رئيس أساقفة بيبلوس شرفًا، سفير بابويّ السامي الاحترام (إيطاليا)


بِغضّ النظر أنّنا في الشرق الأوسط لسنا "بقيّة صغيرة" حتّى لو أنّ هذه الكلمة هي كلمة بيبليّة، فإنّ الخلاصة هي مشجّعة جدًّا. نحن لسنا البقيّة الصغيرة، لكنّنا اليد الممدودة للكنيسة التي تأخذ قوّتَها من النبع الحيّ وتشهد بفرحها للأخوة الأكثر بعدًا. إنّ مكانتها ورسالتها ليستا متوقّفتين لا على عطف البعض عليها ولا على تسامح البعض الآخر. وأسمح لنفسي أن أقدّم اعتبارين، واحدًا عن الماضي والآخر عن مستقبل مسيحيّي الشرق الأوسط.

الماضي القريب جعلنا نعيش محنًا كبيرة من الإيمان بحيث أنّ ورقة العمل فقرة 118 لاتتردّد في تحديدها مثلاً "عدم حسم الصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ، وعدم إحترام القانون الدوليّ، وأنانيّة القوى العظمى، وعدم إحترام الحقوق الإنسانيّة" (فقرة 118)، مع كلّ النتائج السلبيّة التي تتأتّى منها مثل الهجرة وتثبيط الهمّة. إنّ الوضع في الشرق الأوسط اليوم، هو كعضوٍ حيّ يخضع لعمليّة زرعٍ وهو غير قادرٍ على استيعاب ما يحصل له ولا يوجد أخصّائيّون لمعالجته. في نِهاية المطاف، نظر الشرق العربيّ المسلم إلى الكنيسة، مؤمنًا، كما يفكّر هو بنفسه، بأنّ باستطاعتها أن تحصل له على العدالة. ولم يحدث ذلك، فأُحبط وتملّكه الخوف وتحوّلت ثقته إلى احباط. وسقط في أزمةٍ  عميقة. والجسم الغريب غير المقبول ينخر به ويمنعه من الإهتمام بِحالته العامّة ونموّه. والشرق الأوسط المسلم في مجمله هو في ازمة فلا يستطيع أن يحقّق العدالة لنفسه ولا يجد له حتّى حليفًا لا على المستوى الإنسانيّ ولا على المستوى السياسيّ وأقل من ذلك على المستوى العلميّ لذلك هو محبط. وهو يثور.

إنّ احباطه قد أدّى إلى الثورات، إلى التطرّف، إلى الحروب، إلى الرعب، والدعوة للعودة إلى التعاليم السلفيّة. يرغب التطرّف بتحقيق العدالة بنفسه فيلجأ إلى العنف. يعتقد أنّه يدوّي بمزيد من الصدى إذا تهجّم على الأجسام  القائمة إنّ الجسم الأقرب منالاً والأكثر عطبًاً هو الكنيسة. لأنّه لا يعرف مبدأ المجّانيّة، يتّهم المسيحيّين بأنّهم ذوو أفكار مسبقة، مبشّرون، متواطئون مع القوى الإمبرياليّة. من العراق إلى تركيا، من باكستان إلى الهند، الضحايا تتكاثر. هم جميعهم أبرياء وخدّام متطوّعون (الأسقف لويجي بادوفيز، أندريا سانتورو في تركيا، المحامي الذي تمّ اغتياله مع عائلته في الباكستان، الأسقف كلافري والرهبان والراهبات في الجزائر، الكهنة والرهبان والممؤمنون الأبرياء الذين قُتِلوا خلال الحرب في لبنان). كلّهم أهداف سهلة المنال.

بالنسبة للمستقبل، فالنصّ يدعونا إلى عدم الخوف. هذا لا يعني أنّه علينا أن نكون غير مبالين. لكنّ الوقت الآن هو للتنقية من مخاض ألم الولادة، حتّى في المجتمع المسلم. علينا أن نكمل مسيرتنا ضمن هذه الشروط. هذه هي رسالتنا. هذا هو دورنا والذي لايمكن لأحد أن يلعبه مكاننا. لا نتكلّم فقط عن الله القدير، بل أيضًا عن يسوع المسيح ابنه، في اللغة العربيّة. ليس علينا فقط ألاّ نخاف، لكن علينا ان ننقل هذه الرسالة إلى أجيال المستقبل. إنّ الكنيسة في الشرق الأوسط، وهي غارقة بدم شهدائها، مشجّعة من قبَل معلمّيها، القدّيسين والطوباويّين، تُزهر ككرمة الربّ وتحمل ثمارًا كثيرة.

إنّ الكنيسة اليوم تعاني الظلم والإفتراء. كما هو الحال في الإنجيل، الكثيرون يرحلون، والبعض يتعبون، أو يهربون. المحبطون واليائسون ينتقمون من الأبرياء. بعد الإغتيالات الجسديّة والإخفاقات الأكثر مرارة، توجد الخطيئة. " هذه القوّة المجهولة التي يستعملها البشر ومن خلالها هم معذّبون وعرضة للإغتيالات"، كما قال لنا الأب الأقدس في بدء أعمالنا (في 11.10.2010)

لَمّا مات يسوع، "زلزلت الأرض، تشقّقت الصخور، تفتّحت القبور، وانشقّ حجاب الهيكل إلى إثنين (مت 27: 51). كان الشرّ يعتقد أنّه انتصر. في لحظة قيامته وغلبته على الموت، انبثق النور. طلع بدون ضوضاء. لقد دحرج الحجر بدون إحداث ضجّة. لم يكن هناك شهودٌ. الحياة ليست بحاجة إلى شهودٍ. هو السيّد والربّ. وسيفعل كذلك من أجل كنيسته في الشرق الأوسط.

إنّ عمل الله مستمرّ في التاريخ. الكنيسة في الشرق الأوسط تعيش حاليًّا مراحل درب الصليب والتطهير، الذي يؤول إلى التجدّد، إلى القيامة. إنّ الأوجاع والهموم هي آهات للولادة الجديدة. في حال دوامها، فإنّ هذا النوع من الشياطين الذي يقلق مجتمعنا لا يطرد إلاّ بالصلاة. وربّمالم نصلِّ بعد بطريقة كافية!








All the contents on this site are copyrighted ©.