2010-10-18 14:22:15

سيادة المطران إبراهيم ميخائيل إبراهيم، مخلّصيّ، أسقف أبرشيّة المخلّص للروم الملكيّين في مونتريال السامي الاحترام (كندا)


بدءًا أوّد أن أشدّد على أنّه إذا كان مسيحيّو الشرق يواجهون صعوبات للبقاء في العديد من بلدانهم، فإنّ الوافدين الشرقيّين إلى أبرشيّتي لا يواجهون صعوبات أقل منهم، لكن صعوباتهم مختلفة. على سبيل المثال، حتّى بعد ثلاثين سنة، فإنّ الوافدين غالبًا ما يكونون ممزّقين، بل هم "مصلوبون" بين عالمين: بلاد منشئهم وبلاد إستقبالهم. ليست الهجرة دائمًا رحلةً مريحة.

الصعوبة الكبرى التي يعيشها الوافدون المسيحيّون الشرقيّون، هي أنّ حياتهم الإيمانيّة، تقاليدهم، عاداتهم، إرثهم، وتاريخهم، كلّ ذلك مهدّد من قِبَل علمانيّة عدوانيّة وإلحاد عمليّ هما في جوهر المجتمع الجديد الذين يعيشون فيه. بسبب هذا التهديد،  يستطيع العديد منهم إختبار هجرة ثانية قد تكون "نهائيّة" وهي تحدث انقطاعًا كلّيًّا عن القيَم التي سبق وذكرتها.

من جهة ثانية، تعيش كنيستنا مع الضغوطات عينها التي تعيشها الكنيسة الغربيّة والتي تواجه هجومًا مصمّمًا وأحيانًا بقوانين تلغي شعائر دينيّةً مهمّةً. سمعنا حديثًا كثيرًا عن الاضطهادات في الشرق، وأظن أنّ اضطهادًا من نوع آخر قد بدأ يعيشه مسيحيّو الغرب. لكن الكنيسة تبقى راسخةً وتستمّر في الحفاظ على الرجاء الإنجيليّ.

هناك مشكلة أخرى يعيشها الوافدون المسيحيّون الشرقيّون، إنّها حلّ السهولة النابع عن بعد المسافات بين مقرّهم ومكان عبادتهم. النتيجة هي أنّهم يلجأون إلى مكان العبادة الكاثوليكيّة الأقرب. نحن أقليّة صغيرة يمكن أن تستوعبها الأكثريّة الأكبر.

من وجهة نظر أخرى، يجهل مسيحيّو الشرق الأوسط الذين يقرّرون مغادرة أرضهم لتحاشي التعايش مع الديانات الأخرى، أنّ، في الغرب، ضرورة التعايش هي أحيانًا أكثر حدّةً. يغدو الغرب متنوّعًا أكثر فأكثر ويتحوّل، بسبب الهجرة، إلى مجال يتقبّل كلّ الإتنيات والثقافات والديانات. إلى ذلك، من الصحيح أنّه يجب الاّ تُشجّع هجرة مسيحيّي الشرق وإنّ من الأفضل مساعدتهم على التجذّّر في بلادهم. إنّ حضورنا في الشرق ليس صدفةً بل هو حضورٌ وفق إرادة الله الذي أراد ذلك وقدّسه بحضوره. على مسيحيّي الشرق أن يتعلّقوا بأرضهم بكلّ قواهم، وأن يدافعوا عنها بكلّ ما أوتوا.

ولكن قي الوقت عينه، يجب ألاّ ننسى أنّ الهجرة المبرّرة هي حقٌّ لا يمكن أن يُنتهك حسب مبادىء احترام حرّيّة الشخص البشريّ وكرامته: المبادىء التي تدافع عنها الكنيسة بثبات. أعتقد بأنّه علينا أن نبذل كلّ جهدنا لتقوية حضور المسيحيّين في الشرق قبل القول لهم ألاّ يهاجروا. من دون الدخول في التفاصيل، أستطيع القول إنّ المسيحيّين الذين هاجروا هم أحيانًا عونٌ جوهريّ للمسيحيّين الباقين في أرضهم. في بعد الأحيان، إنّ هجرة شخصٍ هي ضروريّة لخير عائلته وأقربائه. كان جبران خليل جبران يقول: "الأرض وطني والانسانيّة عائلتي". طبعًا إنّه مثال ليس بالسهل بلوغه.








All the contents on this site are copyrighted ©.