2010-10-18 17:21:23

خطاب الترحيب الذي ألقاه رئيس جمهوريّة إيطاليا أمام وفد من آباء السينودس عند زيارة قصر رئاسة الجمهوريّة


خطاب الترحيب الذي ألقاه رئيس جمهوريّة إيطاليا أمام وفد من آباء السينودس عند زيارة قصر رئاسة الجمهوريّة

ننشر في ما يلي الخطاب الذي ألقاه إرتجاليًّا رئيس جمهورية إيطاليا حضرة السيد جورجو نابوليتانو المحترم، خلال زيارة قام بها وفد من الجمعيّة الخاصّة من أجل الشرق الأوسط لسينودس الأساقفة إلى قصر رئاسة الجمهوريّة.

نيافة الكردينال ساندري، أصحاب الغبطة،

اسمحوا لي أن أتوجّه إليكم بعميق الشكر لرغبتكم في زيارتنا وإعطائنا شهادة حول هذا الحدث البالغ الأهمّيّة، والذي يمكننا وصفه، من دون مبالغة، بالحدث التاريخيّ: السينودس من أجل الشرق الأوسط. أردتم القدوم إلى هذا القصر حيث رؤساء الجمهوريّة هم آخر الواصلين: فنحن هنا، أنا وأسلافي، منذ ستّين سنة فقط، بعد أن كان القصر مقرّ الباباوات على مدى ثلاثة قرون تقريبًا.

أودّ بدءًا أن أشكركم أيضًا على "لغتكم الإيطاليّة" الجميلة. لقد أصغيت بالفعل إلى البطريرك نجيب يتكلّم، وإنّي شخصيًّا غير قادر على التواصل معكم باللاتينيّة لأنّه مرّ زمن طويل على دراستي هذه اللغة. وهذا التحوّل من اللاتينيّة إلى الإيطاليّة هو أمرٌ أقدّره للغاية بصفتي رئيسًا للجمهوريّة.

إنّ التزامكم، إذا فهمت جيّدًا، هو التزام بتجديد وإعادة إطلاق وإبراز الحضور الكاثوليكيّ، وبشكل أعمّ، الجماعات المسيحيّة في الشرق الأوسط. إنّي على ثقة بأنّه التزام يمكن أن يؤتي بفائدة كبيرة وأن يعطي زخمًا لقضيّة التعدّد الدينيّ وقضيّة الحوار وقضيّة السلام في تلك المنطقة المضطربة. بالطبع، ومن دون المزج بين مسؤوليّات السياسة ومسؤوليّات الكنيسة، أعتقد أنّه يوجد قاسم مشترك عميق، وإن متميّزًا، بين التزام السلطات السياسيّة، كالسلطات الإيطاليّة، والتزامكم أنتم، بخاصّة في سبيل السلام.

خلال هذه السنة وقبلها بقليل، توجّهت إلى بلدان مختلفة من المنطقة، إلى القدس للقاءٍ مع السلطات الإسرائيليّة كما مع الهيئات التمثيليّة الفلسطينيّة، لأنّنا دائمًا مشغولون بعمق بحلّ السلام المنتظر منذ زمن بعيد بين إسرائيل والشعب والهيئات التمثيليّة الفلسطينيّة. لطالما سعت إيطاليا، وهذه ثابتة في السياسة الخارجيّة الإيطاليّة بصرف النظر عن الحكومات المتتابعة، بروح صداقة مع إسرائيل، وفي الوقت عينه، بروح صداقة أصيلة مع الدول العربيّة، في سبيل حلّ لهذا النـزاع، من أجل الوصول أخيرًا إلى تعايش سلميّ في إطار من الاحترام المتبادل بين دولة إسرائيل ودولة فلسطينيّة مستقلّة، مستقرّة ومزدهرة.

لا نعلم إن كانت ستنفتح مسارات جديدة أخيرًا في هذه المرحلة -وهو ما نتمنّاه بحرارة-، لكنّ حكومتنا تعمل في هذا السبيل، ممثّلة من قبل السيدة كراكسي نائبة وزير الخارجيّة، والتي تكرّس طاقاتها داخل وزارة الخارجيّة وبزخم مميّز من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير. نحن نتمنّى أن يتحقّق ذلك وأن يقوم كلّ فريق بجهوده حتّى نتمكّن أخيرًا من الخروج من هذا الوضع المليء بالعذاب، بخاصّة للشعب الفلسطينيّ، ما يؤثّر بشكل خطير جدًّا على مجمل الإطار الإقليميّ للشرق الأوسط، أو كما يشار إليه اليوم، للشرق الأوسط الكبير. نحن نعي أنّه، إن حُلِّت مسألة النـزاع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ أخيرًا، وبعدل، يمكننا التوجّه نحو حلّ لتوتّرات أخرى عديدة ومقلقة في المنطقة كلّها. لقد تحدّثتم عن حقّ، وبشكل أعمّ، عن "حقوق الإنسان"، ما يشكّل ترجمة قابلة للمناقشة لأنّ حقوق الإنسان هي حقوق الشخص- أي الرجل والمرأة- وهنا يكمن أحد الأبعاد الأساسيّة لالتزام الإتحاد الأوروبيّ. أعتقد أنّ الأمر يتعلّق بالتزام يجب أن نضعه في الصفّ الأوّل، حتّى عندما تهدّدنا الأزمة الاقتصاديّة، وعليه، نتحدّث كثيرًا عن الاقتصاد، ونراقب الأرقام والجداول، ونصدر توقّعات. لكن لا يمكن أن يغيب عن ذهننا أنّ الاتحاد الأوروبيّ، وقبله الجماعة الأوروبيّة، قد نشأت كجماعة قيم من بينها "حقوق الإنسان" التي تمثّل محورًا أساسيًّا، يجب، واسمحوا لي أن أكرّر، أن يقود عمل الإتحاد الأوروبيّ، حتّى عندما يكون الانتباه مسلّطًا على إشكاليّات أخرى.

هذه السنة، زرت أيضًا لبنان وسوريا، ولا شكّ في أنّ الأحوال في البلدين أصبحت أفضل بكثير، حتّى بفضل عمل الكاثوليكيّين والمسيحيّين، توجد هناك تعدّديّة أكبر واحترام أوسع؛ وأظنّ أنّهما يشكّلان، فعليًّا، مثلاً يحتذى به في أطر دول أخرى في تلك المنطقة من العالم. أمّا الإتحاد الأوروبيّ، فبالتزامن مع تطوير علاقاته مع تلك البلدان، لا يمكن أن يسهى عن طرح مسألة حريّة المعتقد بزخم، وبشكل عامّ، مسألة الحريّة الدينيّة. والحقّ يُقال، أنّي التقيت شخصيًّا في دمشق ممثّلي جميع الطوائف، ولا أدري في هذا الصدد إن كان أحد منكم حاضرًا آنذاك، وأتذكّر أنّ ممثّلين عن الجماعتين المسلمة واليهوديّة كانوا أيضًا حاضرين. أعتقد، بالفعل، أنّ هذا التيّار الكبير للحوار بين الديانات التوحيديّة، الحوار الذي تدعمه الكنيسة بكلّ قناعة ويدعمه البابا شخصيًّا، هو في الحقيقة إحدى السبل الحقيقيّة للمحافظة على ما يسمّيه البعض على نحو ملائم برأيي: المصالحة بين الحضارات.

في العمق، من أجل مواجهة تحدّيات بهذا القدر من التعقيد والصعوبة في هذه المرحلة التاريخيّة، والتي تطال حتّى مسائل بقاء الكرة الأرضيّة، وبالتالي المسائل المتعلّقة بمصيرنا المشترك، أعتقد أنّ المصالحة بين الحضارات، الممكنة والتي ينبغي السعي إلى تحقيقها على نحو ناشط، هي المصدر الأكبر الذي نملكه بين أيدينا من أجل تغذية أملنا ومتابعة مُثلنا وأهدافنا.








All the contents on this site are copyrighted ©.