2010-10-15 14:39:32

نيافة الكاردينال بيتر إردو، رئيس أساقفة إسترجوم، بودابست، رئيس مجلس المجالس الأسقفيّة في أوروبا السامي الاحترام (المجر)


باسم أساقفة أوروبا المُمَثلين من قِبَل رؤساء جميع مجالس أساقفة ألقارّة، الذين اجتمعوا منذ عشرة أيّام في زغرب في الدورة العامّة لمجلس المجالس الأسقفيّة في أوروبا (CCEE)، أوجّه تحياتي الصادقة والقلبيّة للأساقفة الحاضرين هنا ولجميع كاثوليكييّ الشرق الأوسط.

إذا ما نظرنا إنطلاقًا من أوروبا، تقع الأرض المقدّسة والشرق الأوسط في الشرق. من هناك جاءنا نور المسيح الذي يبقى دائمًا الشمس الحقيقيّة التي لا تُقهر والتي لا مغيب لها. يشعّ وجه يسوع مثل الشمس (مت 17: 2) وينير كلّ تاريخ الإنسانيّة. لكن هذا البهاء، قد رآه الرسل المختارون على جبل التجلّي بينما كان يُحضّر حدث آلام الربّ وقيامته.

أوروبا مدينة للشرق الأوسط.لم يأتِ كثيرٌ من العناصر الأساسيّة لثقافتنا من هذه المنطقة فحسب، بل جاء منها أيضًا المرسلون الأوّلون. بعرفانٍ بالجميل، نحفظ ذكرى الحدث الذي تُخبرنا عنه أعمال الرسل : "فبدت لبولس رؤيا ذات ليلة، فإذا رجل مقدوني قائم أمامه يتوسّل إليه فيقول: "اعبر إلى مقدونية وأغثنا!" فما إن رأى بولس هذه الرؤيا حتّى طلبنا الرحيل إلى مقدونية، موقنين أنّ الله دعانا إلى تبشير أهلها " (أع 16: 9-10). كان قرارًا من العناية الإلهيّة أن يكرّس الأب الأقدس بندكتوس السادس عشر سنة بكاملها للقدّيس بولس رسول الأمم، فإنّ حماسته وحكمته تلائمان التبشير الجديد في عصرنا الحاليّ ملاءمةً كبيرةً.

في هذا السياق، لا بدّ لي من ذكر حجّنا الأسقفيّ الأوروبيّ إلى طرسوس مدينة القدّيس بولس، ولكن يجب عليّ أيضًا أن أجدّد التعبير عن ألم الأساقفة الأوروبيّين العميق وتضامنهم، ذلك التَعبير الذي قمنا به في مناسبة الموت العنيف لسيادة المطران لويدجي بادوفيزي، الرئيس القديم لمجلس أساقفة تركيا.

عندما نفكّر بالشرق الأوسط نحن الأوروبيّون، يجب علينا أن نفحص ضميرنا. هل إنّ رسالة الإنجيل لا تزال حيّةً في ما بيننا، هذه البشرى السارّة التي تلقّيناها من الرسل؟ أولمْ يعد يُرى في حياتنا هذا النور وهذا الحماس النابعان من الإيمان بالمسيح؟

في أيّامنا، عندما يصل من مختلف بلدان الشرق الأوسط لاجئون ومهاجرون مسيحيّون إلى أوروبا، ما هي ردّة فعلنا؟ هل نهتمّ كفايةً بالأسباب التي تُلزم آلافًا، إن لم نقل ملايين، من المسيحيّين على أن يغادروا أرضهم حيث كان يسكن أجدادهم منذ حوالي ألفيْ سنة؟ هل هو صحيح أنّ تصرّفنا هو أيضًا مسؤولٌ عمّا يحصل؟ نحن في مواجهة تحدٍّ كبير. يجب علينا أن نبحث في طبيعة التغيّرات في أوروبا والعالم الغربيّ وفي نتائجها. هل نعرف أن نعبّر بطريقة فعّالة عن دعمنا لمسيحييّ الشرق الأوسط؟ هل تبقى العوامل الرئيسيّة للحياة العامّة الأوروبيّة حسّاسة إزاء القيم الإنسانيّة التي تضيء عليها المسيحيّة؟ أمّ إنّنا غير مبالين وحذرون إزاء هذا الأرث الثمين الذي هو جزء منّا؟ هذا الأرث الذي بدونه قد لا توجد أوروبا على الصعيد الثقافيّ.

يطرق المسيحيّون الوافدون من الشرق الأوسط باب قلوبنا ويوقظون وعينا المسيحيّ.

كيف نستقبل هؤلاء الإخوة والأخوات؟ كيف نساهم في الحفاظ على إرثهم القديم –والكنسيّ أيضًا- للمستقبل؟

موضوع هذا السينودس هو "الكنيسة الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة". في أعمال الرسل، نقرأ بالفعل أنّ جماعة الذين آمنوا كانوا "قلبًا واحدًا ونفسًا واحدة" (أع 4: 32). هذه الشركة توجد أيضًا في الكنيسة اليوم، بل إنّ شركة القدّيسين  مادة من قانون إيماننا. هذه الشركة الجوهريّة يجب أن تكون -مثل الكنيسة نفسها- في الوقت عينه منظورة وغير منظورة؛ يجب أن تفعل في عالم النعمة، بل أيضًا في عالم المجتمع. يصلّي كاثوليكيّو أوروبا ويعملون ويجتهدون ويناضلون لكي يكونوا أيضًا حاضرين وفعّالين في المجتمع المنظور. على الرغم من كلّ الأحزان، كل خيبات الأمل، من كلّ التجارب السلبيّة وأحيانًا أيضًا من التمييزات والضغوطات التي تنال من المسيحيّين الذين يريدون إتّباع ضميرهم، لا نزال نأمل بأنّ أوروبا سوف تستطيع أيضًا أن تعود إلى هوّيّتها الخاصّة المتجذّرة بعمق في ثقافة الحياة والرجاء والمحبّة، بقدر ما يزداد وعينا لدعوتنا المسيحيّة في هذا المجتمع بقدر ما نكون قادرين أيضًا على إظهار وإشعاع قوّة الإنجيل القدير والقادر على تحويل المجتمع البشريّ لعصرنا. بالأمانة لتعليم المجمع الفاتيكانيّ الثاني المعبَّر عنه في الدستور الراعويّ "فرح ورجاء" علينا أن نتبع دعوة الكنيسة: " فعلى الذين لهم الؤهلات، أن يتهيأوا لممارسة فن السياسة الشديد الصعوبة والشريف جدًّا. فلينكبّوا عليه بغيرة دون أن ينشغلوا بمصلحتهم الذاتيّة أو بالفوائد الماديّة. وليحاربوا الظلم والطغيان والتعصّب والاستبداد أيًّا كان مصدره، بالفطنة والنزاهة، من فرد أمّ من حزب سياسيّ أتى. وليضحّوا في سبيل خير الجميع لا بالصدق والاستقامة فقط، بل بالحبّ والاقدام اللذين تقتضيهما الحياة السياسيّة" (فرح ورجاء، 75، 6).

"يا طبيب إشفِ نفسك" (لو 4: 23)، كتب لوقا، "الطبيب الحبيب " (كول 4: 14). علينا إذًا أن نشفي ذواتنا –نحن مسيحيّو أوروبا- بمساعدة الروح القدس لنستطيع أن نعكس نور المسيح الذي تلقّيناه من الشرق، وإعادة العطيّة التي حصلنا عليه عبر شهادتنا الشجاعة.

بهذا المعنى، أطلب بركة الله على السينودس الحاضر وعلى كلّ مسيحييّ الشرق الأوسط. يا "نجمة الشرق"، صلّي لأجلنا.








All the contents on this site are copyrighted ©.