2010-10-15 10:29:39

نيافة الكاردينال أنجلو سودانو، عميد مجمع الكرادلة السامي الاحترام (حاضرة الفاتيكان)


مطلب أوّل

بالنظر إلى الجمعيّة الحاليّة، أودّ أن أؤكّد لكم مباشرةً أنّي أتوافق في الرأي تمامًا مع ما خُطّ في ورقة عملنا، أي أنّ الشركة الكنسيّة هي المطلب الأوّل الذي يجب على المسيحيّين تحسّسه في الواقع الحاليّ المعقّد للشرق الأوسط. أضف إلى أنّ هذه الوحدة هي الشهادة الأولى التي يمكن أن يقدّمها الرعاة والمؤمنون إلى المجتمعات التي يعيشون فيها، أكانوا في قبرص أو الكويت، في تركيا أو مصر، في مجتمع حيث الحضور المسيحيّ ضعيف جدًا كما في بعض بلدان شبه الجزيرة العربيّة، أو مهمّ للغاية كما في لبنان.

إنّ التجارب الحاليّة الصعبة يمكن حتّى أن تتحوّل إلى محفّزٍ لتلاحم أكبر بين الجماعات المسيحيّة المختلفة، ما يتيح أيضًا تخطّي الطائفيّة بمحدوديّتها. إنّ المسيحيّين هم، قبل كلّ شيء، أعضاء الجسد السرّيّ الواحد للمسيح. والانتماء إلى كنيسة المسيح الواحدة، وبالتالي واجب التعاون الوثيق وطريقة عيش مُحبّة وأخوّيّة، يأتي قبل فوارق اللغة والوطن والانتماء إلى طقوس مختلفة.

إزاء انتشار المسيحيّة في الشرق الأوسط، يصف المؤلّف المجهول للرسالة إلى ديوغنيتس هويّة المسيحيّين كـ"هؤلاء الذين لم يكونوا يفرّقون أنفسهم عن الآخرين، لا بالأرض ولا باللغة أو بالملبس... الذين لم يكونوا يتكلّمون لغة غير عاديّة... وكانوا يظهرون طابع نظام حياتهم الجميل والاستثنائيّ" ("رسالة إلى ديوغنيتس"، رقم 5).

أذكّر بأنّ البابا الراحل يوحنّا بولس الثاني كان قد شدّد خلال السينودس من أجل لبنان عام 1995 على موضوع وحدة المسيحيّين وانفتاحهم المتضامن نحو الآخرين. بعد ذلك، كرّس له توجيهات عديدة مهمّة في الإرشاد الرسوليّ ما بعد السينودس سنة 1997، فذكّرنا بأنّ الجماعات المسيحيّة تشكّل على اختلافها كنيسة كاثوليكيّة واحدة موحّدة حول خليفة بطرس، ومكرّسة لخدمة الإنسانيّة (إرشاد ما بعد السينودس، "رجاء جديد"، رقم 8).

الوحدة الكنسيّة.

تنشأ أحياناً المناقشات داخل جماعاتنا من التصرّفات الراعويّة المختلفة، بين من يعطي الأّولويّة للمحافظة على إرث الماضي ومن يكرّر الدعوة إلى ضرورة التجدّد. غير أنّنا نعي أنّه ينبغي دائمًا في النهاية الأخذ بالمعيار الذي أعطانا إيّاه يسوع، معيار "كلّ جديدٍ وقديم" (مت 13: 52)، أي الجديد والقديم الذي يجب استخلاصه من كنـز الكنيسة. ذكّر بذلك مؤخّرًا المحبوب قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، متوجّهًا إلى مجموعة من الأساقفة المعيّنين حديثًا، قائلاً لهم: "لا يقتصر مفهوم الحفظ على المحافظة على ما سبق وأُسِّس فحسب، على الرغم من أنّ هذا العنصر لا يمكن أن يغيب أبدًا، بل يتطلّب أيضًا، وفي جوهره، المنحى الديناميكيّ، أي توجّه عمليّ ملموس نحو الكمال، بتناغم تامّ وتلاؤم مستمرّ مع المتطلّبات الجديدة المتّصلة بتطوّر وتقدّم هذا النظام الحيّ الذي هو الجماعة" (صحيفة "أوسيرفاتوري رومانو"، 13-14 أيلول/سبتمبر 2010).

غنيّ عن القول إنّ الوحدة بين الرعاة والمؤمنين في الشرق الأوسط تشمل كذلك وحدة وثيقة مع كنيسة روما، حيث قادت العناية الإلهيّة الرسول بطرس إلى تأسيس مقرّه. في هذا الصدد، من ينسى ما كان يكتبه القدّيس إغناطيوس، بطرك إنطاكيا الكبير، إلى كنيسة روما؟

هو اتحاد عاطفيّ ينبغي أن يؤدّي في ما بعد إلى اتحاد فعليّ مع الكرسيّ الرسوليّ، من خلال القنوات العديدة المتوفّرة اليوم. أودّ أن أذكّر أيضًا في هذا السياق بفرصة الاتحاد الوثيق مع الممثّلين البابويّين الموجودين في بلدان الشرق الأوسط. هم ثمانية موفدين من البابا موقّرين يسعون إلى التعاون مع الرعاة المحلّيّين في هذه المرحلة الشائكة من رسالتهم، في القدس وبيروت، في دمشق وأنقرة، في بغداد وطهران، في القاهرة ومدينة الصفاة في الكويت.

رجاؤنا

ختامًا، يتعيّن علينا أن نتكاتف جميعًا في العمل للتحضير من أجل فجر جديد للشرق الأوسط، بتعويلنا على المواهب التي أنعم بها الله علينا. من الملحّ بالطبع تعزيز إيجاد حلّ للنـزاع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ المأساويّ. ولا شك أنّه من الملّح السعي لتتوقّف التيّارات الإسلاميّة العدوانيّة. وعلينا دائمًا، بالطبع، أن نسأل احترام الحرّيّة الدينيّة لجميع المؤمنين.

لا شكّ في أنّ المهمّة التي تضطلعون بها في هذه اللحظة التاريخيّة البالغة الخطورة، أنتم، رعاة كنيسة الشرق الأوسط الموقّرين، مهمّة صعبة. لكن إعلموا أنّكم لستم وحدكم في عنايتكم اليوميّة لإعداد مستقبل أفضل لجماعاتكم.

صحيح أنّه في بعض الأحيان، وفي وجه محن الزمن الحاليّ، يشعر البعض بالرغبة العفويّة في تكرار النداء مع كاتب المزامير: "قم يا ربّ خلّصني يا إله " (مز 3: 8).

غير أنّ الإيمان يؤكّد لنا بسرعة أنّ الربّ ساهر متنبّه بقربنا، وأنّ الوعد الذي قطعه المسيح للرسل ما زال ساريًّا حتّى اليوم: "وهاءنذا معكم طوال الأيّام إلى نهاية العالم" (مت 28: 20). أخوتي الأعزّاء، إنّ هذا اليقين دعمٌ لنا في الوقت الصعب الذي نعيش فيه!








All the contents on this site are copyrighted ©.