2010-10-15 10:20:38

مداخلة سيادة المطران بطرس مراياتي، أسقف حلب للأرمن السامي الاحترام (سوريا)


لا شكّ في أنّ الحركة المسكونيّة تعيش أزمةً حقيقيّة. وخيرُ دليل على ذلك الأوضاع المترديّة التي تعصف بمجلس كنائس الشرق الأوسط، الذي بقي لسنوات طويلة واجهة العمل المسكوني في بلداننا. نأمل أن تكون هذه الأزمة مرحلةً عابرة من مراحل النموّ الطبيعي، كي نبدأ صفحةً جديدة يكون فيها العمل المسكوني بعيدًا عن النمطية المؤسّساتيّة والمشاريع التنموية والإدارة المالية، بل يسعى إلى تعزيز روح الإخوّة والحوار والشراكة بين الكنائس.

ما يشدّ الانتباه لدى دراسة "ورقة العمل" أنّها بكاملها تحمل طابَعًا مسكونيًّا، لأنّ كلَّ ما ذُكر فيها يهمّ كنائس الشرق الأوسط بأجمعها. لا بل هذه الجمعيّة الخاصّة لا تأخذ أبعادها المسيحيّة الكاثوليكيّة الحقيقيّة إلاّ إذا قرأناها في ضوء علاقاتنا مع الكنائس والجماعات الكنسية الشقيقة. "فإمّا أن نكون معًا أو لا نكون"، كما قيل.

1. أجد فراغًا بين الفقرتين (14) و(15). ألا تجدر الإشارة إلى أنّه في دمشق كان اهتداءُ بولس الرسول ومنها ذهب إلى بلاد العرب. ثمّ انطلق إلى الأمم. وقد احتفلنا، مسكونيًّا، بالسنة البولسيّة، كما أعلنها قداسة البابا بندكتُس السادس عشر. وفي أنطاكية دُعي تلامذةُ المسيح أوّلَ مرّة مسيحيين. وفي شمال حلب ازدهرت الحياةُ النسكية والرهبانية في القرن الرابع. من مار سمعان العمودي إلى مار مارون. وتشهد على ذلك الأوابد التاريخية التي لا تزال قائمة حتّى اليوم. هذه حقيقة مسكونيّة تُعيدنا إلى جذورنا المسيحيّة الواحدة. وعلينا أن نُحْييها ليس محلّيًا فحسب، وإنّما أيضًا عالميًا، لتكون دعمًا لحضورنا المسيحي المتأصّل في عمق التاريخ.

2. لقد جاء في الفقرة (25) من "ورقة العمل": "تختلف الأوضاع كثيرًا بين بلدان الشرق الأوسط". هذا واقع لا يمكن تجاهلُه. وإذا أردنا أن تعطي هذه الجمعيّة ثمارها أتمنّى أن يُعقد في كلّ بلد مؤتمرٌ خاصّ ذو طابَع مسكوني، تناقَش فيه الأمور وَفقَ الظروف المحلّية. لا شكّ في أنّ التحدّيات متشابهة، ولكنّ لكلّ بلد خصوصيَتَه.

3. إنّ التحدّيات المذكورة في "ورقة العمل"، وخاصّة موضوع الهجرة (الفقرات 43-48) تعنينا كما تعني سائر الكنائس والجماعات الكنسية المحلّية. فهذا "همّ مسكوني" إذا صحّ التعبير. ويحقّ لنا أن نتساءل: هل هناك مخطّط لتفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين؟ منذ مائة عام ولا تزال عمليات الهجرة والتهجير القسري مستمرّة. ففي العام 1915 هُجِّر مئات الآلاف من الأرمن قسرًا من ديارهم، وارتُكبت بحقّهم أوّل إبادة جَماعية في القرن العشرين على يد الأتراك العثمانيين، وفي مقدّمتهم المطران الشهيد الطوباوي إغناطيوس مالويان. ثمّ جاء دَور السُريان والكَلدان... فأُفرغت مدنٌ وقُرىً بكاملها من الحضور المسيحي. ولم يتوقف مسلسلُ تفريغ المسيحيين من الشرق الأوسط. فكانت أحداثُ فلسطين، والحرب الأهلية في لبنان، والثورة في إيران، واجتياح العراق... المسيحيون يُستشهَدون، أو يُهجَّرون، أو يغادِرون "مسكونياً"! أي من دون تمييز بين كنيسة وأُخرى. هل يأتي يوم يشهد فيه العالم المتفرّج والكنائس الغربية اللامبالية "موت مسيحيي الشرق"؟

إننا بالرُغم من كلّ الأزمات والصعوبات التي تعترض حياتَنا المسيحية وعلاقاتِنا المسكونية لا نزال "نؤمن راجينَ على غير رجاء" (رومة 4/18)








All the contents on this site are copyrighted ©.