2010-10-15 14:32:16

سيادة المطران رايموندو داماشينو أَسّيس، رئيس أساقفة أبّاراسيدا، رئيس مجلس أساقفة أمريكا اللاتينيّة السامي الاحترام (البرازيل)


بدءًا، أوّد أن أشكر الأب الأقدس بندكتوس السادس عشر على تعييني للمشاركة ، بصفتي رئيسًا لمجلس أساقفة أمريكا اللاتينيّة ومنطقة البحر الكاريـبي في هذا السينودس من أجل الكنائس الحاجّة في بلدان الشرق

الأوسط. شكرًا جزيلاً، أيّها الأب الأقدس، على هذا التعيين الذي يشرّفني ويفرحني والذي يشكّل علامة إعتبار من قِبل قداستكم نحو الكنيسة في أمريكا اللاتينيّة.

إنّ كنائس الشرق الأوسط الأخوات شكّلت مهد كنيسة يسوع المسيح والمكان الأوّل لإنتشارها وأكثر من ذلك المكان المميّز لإظهار "ملء الأزمنة" في شخص الربّ يسوع.

 إذ أشارك في هذا السينودس من أجل الشرق الأوسط، أوّد أن أعترف مع الشكر بالغنى العظيم الذي تلقّيناه منكم. قبل أيّ شيء، الكتب المقدّسة التي تغذّي لقاءنا مع الربّ والتي تنوّرنا في كلّ القرارات التي علينا إتخاذها لحياتنا الراعويّة والكنسيّة. التقليد الحيّ والمجامع، إذ نقبلها قبولاً ديناميًّا، تسمح لكنائسنا بكنوزها الفريدة والمختلفة أن تجعل شعوبنا تشارك في حياة يسوع المسيح؛ ولا ننسى بنوماتولوجيّة الكنائس الشرقيّة.

إنّ تعدّديتكم الثقافيّة المؤسِّسة هي واقع منذ الإنتشار الكنسيّ الأوّل. عبر الزمن، تعرّضت بالتأكيد لتكيّفات عديدة، وضروب من الخلل العدديّ والإجتماعيّ-السياسيّ، وتصحيحات. واليوم أيضًا، في عالمنا المعولم والمتأثّر بتوتّرات عديدة، إنّها شيء نعيشه يومًا بعد يوم، وفي هذا السياق، نستطيع أن نتعلّم كثيرًا من تاريخ هذه الكنائس وصعوباتها الحاليّة.

إنّ مسألة علمنة الحكومات التي تقود شعوبنا قد أصبحت، في حالات عديدة، تمييزيّةً نسبةً إلى تصلّباتٍ إيديولوجيّة ونسبةً إلى فرضٍ تيوقراطيٍّ، "أسلمة" المجال العامّ، كما هي الحال للبعض منكم. إنّه تحدٍّ نتقاسمه معكم وهو يفرض أن نناضل من أجل حرّيّة دينيّة أصيلة داخل الميادين العامّة. علينا أن نأخذ هذا الأمر أيضًا بعين الإعتبار في التعليم المسيحيّ لتنشئة مسيحيّين ومواطنين يعون جيّدًا حقوقهم وواجباتهم. إستعاد الأب الأقدس بندكتوس السادس عشر، أثناء زيارته لفرنسا (2008)، المصطلح الثمين "للعلمنة الإيجابيّة".

من هذا الوضع ينبع تحدٍّ وعيناهُ مجدّدًا. يعني الأمر تنشئة علمانييّ كنائسنا. أثناء إنعقاد المجلس الأسقفيّ الأخير لأمريكا اللاتينيّة ومنطقة البحر الكاريـبي (في 2007)، في أباريسيداس في البرازيل، لوحِظ أن هذه التنشئة يجب أن تبدأ بلقاء شخصيّ عميق مع يسوع المسيح وهو يَسِمُ  الخبرة الدائمة لحياة كلٍّ مِنّا ويتواصل معها، وكذلك بتنشئة مناسِبة، مبنيّة على صخرة كلمة الله، بمواجهة الوضع الثقافيّ الجديد الذي نعيشه. يجب أن يسمح ذلك بحضور علمانيّين داخل الميادين الجديدة وفي رسالات الخدمة العامّة.

عند ذكر التلاميذ العلمانيّين، لا يسعنا أن ننسى الأهمّيّة العظيمة للعائلة للتنشئة على القيم الإنسانيّة والمسيحيّة. تعاني جميع العائلات حاليًّا من صراعٍ للأجيال تسبّبه السرعة التي يتغيّر فيها كلّ شيء اليوم. وعليه يجب ألا يكبح ذلك قوّتها التربويّة. في ما يتعلّق ببعض أوجه العائلة، يمكن أن نتوافق مع المؤمنين المسلمين، ولقد رأينا ذلك بمناسبة عمليّات تصويت في إطار التنظيمات الدوليّة. ولكن يوجد أوجه أخرى متعلّقة بالمصطلح الواقعيّ للعائلة تبعدنا عن المسلمين، مثلاً دور المرأة داخل العائلة والمجتمع.

إنّ تنشئة علمانيّين لزماننا الحاضر لا تعفي، بل على العكس، تفرض أن يُنشأ أيضًا كهنة يدركون الضرورة الكبيرة "لإرتداد شخصيّ وراعويّ" ليجعلوا من رعاياهم ورسالتهم أمكنة وأسرار إحياءٍ رسوليّ على غرار الجماعات المسيحيّة الأولى. من الضروريّ التحوّل من راعويّة حفاظٍ إلى راعويّة يحييها الروح الرسوليّ. أثناء المجلس الأسقفيّ العامّ في أباريسيداس أكّد الأب الأقدس بأنّ كيان "تلاميذ يسوع المسيح ورسله" هما وجهان لحقيقة واحدة. ليس من تلميذ إلاّ وهو رسولٌ وليس من رسولٍ إلاّ وهو تلميذٌ.

هذا "الارتداد" الضروريّ سوف يكون له نتائج قوّيّة على راعويّة الدعوات. إنّ شاب اليوم يسعى إلى أن يقدّم نفسه بسخاء إلى إله الحياة ولكنه يتراجع عندما يُدرك جهود الحفاظ فقط ولا يكتشف تجديد الإنجيل المحوّل في تاريخه الخاصّ الحاضر. يجب على راعويّة الدعوات ان تساعد الشبّان على اكتشاف يسوع "الطريق، والحقّ، والحياة" وأن تحدّد لهم الطرق المختلفة لاتبّاع يسوع، واضعةً في المقدّمة الدعوة إلى سرّ الكهنوت والحياة المكرّسة. في بلداننا الأمريكيّة-اللاتينيّة وفي منطقة البحر الكاريـبيّ، عندنا وافدون عديدون آتون من الشرق الأوسط –من الجيل الأوّل والثاني- وهم في غالبيتهم مسيحيّون. دخل العديد منهم في الكنيسة اللاتينيّة وتبقى مجموعات صغيرة يتوفّر لها أبرشيّاتها الخاصّة. نتمنّى أن ننمو أكثر فأكثر في وعي إيماننا الكاثوليكيّ المشترك وأن نقترب أكثر فأكثر من عملٍ رسوليّ مشترك. في هذا الوقت، نحرّك في كلّ كنائسنا ما يُدعى "رسالة القارّة"، ثمرة المجلس الأسقفيّ العامّ في أباريسيداس. قد يكون التمكّن من الاتحاد في جهود التبشير بالإنجيل هذه، شهادة عظيمة. وأخيرًا، نريد أن نتقاسم معكم القلق بسبب النـزاع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ. في ذلك أيضًا، نحن في شركة مع الأب الأقدس عبر الجهود التي يبذلها من أجل إيجاد حلّ للنـزاع. ليعود السلام بين هذين الشعبين على أرض يسوع!

نسأل الربّ يسوع، بشفاعة العذراء مريم الكلّيّة القداسة، ملكة الرسل، أن يفيض على هذه الجمعيّة روحه الذي يجدّد كلّ شيء.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.