2010-10-03 16:30:40

مع قداسة البابا بندكتس السادس عشر في صقلية


مدينة محصنة انتظرت قداسة البابا بندكتس السادس عشر في أول زيارة له إلى صقلية وهو ثان حبر أعظم في التاريخ يزور الجزيرة الإيطالية بعد السعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني الذي زارها خمس مرات. تأتي الزيارة لمناسبة اللقاء الكنسي الإقليمي للعائلات والشبيبة. آلاف الأشخاص انتظروا وصول الضيف العظيم في مدينة محصنة ليشاركوا في اللقاءات والاحتفالات الدينية التي سيقيمها بندكتس السادس عشر وفي طليعتها لقاؤه مساء اليوم الأحد مع الشبيبة حيث سيتجمّع أكثر من عشرين ألف شاب وشابة قدموا من مختلف أنحاء الجزيرة للقاء الأب الأقدس والصلاة معه. شوارع كثيرة في مدينة باليرمو أُغلقت منذ أيام لأسباب أمنية. كان في استقبال البابا لدى وصوله إلى مطار بونتا رايزي رئيس مجلس الشيوخ سكيفاني ورئيس أساقفة المدنية المطران باولو روميو ووزير العدل ألفانو ممثلا الحكومة ورئيس إقليم صقلية رافاييلي لومباردو وعمدة باليرمو كامّاراتا. من المطار انتقل البابا بالسيارة إلى ساحة دي غاسبيري حيث قدّم له طفلان باقة من الزهور بلباسهما التقليدي ومن هذه الساحة انتقل بندكتس السادس عشر إلى حديقة "فورو إيتاليكو" للاحتفال بالقداس الإلهي وحيث تم تجهيز الحديقة بستة آلاف مقعد لتمكين المؤمنين من حضور القداس.

 

أكثر من مائة ألف مؤمن تجمعوا لحضور هذا الاحتفال الديني ووصل كثيرون إلى هذا المكان مشيا على الأقدام. اثنان وثلاثون كردينالا وأسقفا قدموا إلى صقلية من الأبرشيات المتاخمة بالإضافة إلى سبعمائة كاهن ومائة شماس ومائتين وخمسين مرتلا من جوقة "سكولا كانتوروم" وألفي متطوع. قال نائب صقلي من الحركة الشعبية لإيطاليا الغد وهو رودي مايرا نأمل بأن تكون زيارة البابا لصقلية فرصة مناسبة للتأمل في دور الكاثوليك في السياسة وفي البُعد الأخلاقي للسياسة. ووجّه تحية لقداسته باسم الكاثوليك الملتزمين في السياسة مؤكدا أهمية نداء بندكتس السادس عشر من أجل إعادة اعتبار ضرورة وجود سياسيين كاثوليك في إيطاليا. وأضاف النائب الصقلي أن الحركة الشعبية لإيطاليا الغد تنوي إيجاد حوافز جديدة لالتزام عملي في المجتمع مستوحى من عقيدة الكنيسة الاجتماعية. صقلية جزيرة عانت وتعاني من معضلات اجتماعية كثيرة شأن البطالة وخصوصا في أوساط الشبيبة ونشاطات العصابات المافيوية وتدهور القيم الإنسانية وآفة الفقر. كتبت صحيفة أوسيرفاتوري رومانو الفاتيكانية أن زيارة بندكتس السادس عشر ستُعطي دفعا للرجاء في الجزيرة. أضافت الصحيفة أن شوارع مدينة باليرمو تعكس مشهدا يثير القلق. يكفي النظر إلى بؤر الفقر والبؤس وإلى إغلاق دور الحضانة وانعدام البنيات اللازمة لحماية النساء والعائلات والشباب مع ذلك هناك مدينة لا تستسلم لا بل تُصر على البقاء بتقاليدها المدنية والدينية. قبل الاحتفال بالقداس الإلهي قُدّمت للبابا هدية وهي عبارة عن تمثال من الفضة يُمثّل العذراء الحبل بلا دنس تعبيرا عن التقوى المريمية التي تُميز مدينة باليرمو. قال رئيس أساقفة المدينة في كلمة الترحيب بالضيف العظيم إن انتظار أهالي باليرمو لهذه الزيارة أضحى اليوم فرحا وبهجة. شكرا أيها الأب الأقدس! لا يمكننا أن نُخفي المشاكل العاصفة بمدينتنا والتي تؤثر سلبا على النسيج الاجتماعي وفي طليعتها ارتفاع معدل البطالة ومضايق الشرائح الضعيفة في المجتمع والمعضلات الإدارية والمادية للمسؤولين المحليين بالإضافة إلى الجريمة المنظمة ما يلحق الضرر بالضمائر الحيّة.

 

في عظنه خلال القداس الإلهي عبّر البابا عن فرحه العميق بمشاركة سكان باليرمو آلامهم وأفراحهم وشكرهم على ترحيبهم الحار. قال البابا تأتي زيارتي لمناسبة اللقاء الكنسي الإقليمي للعائلات والشبيبة. جئت لأقاسمكم الرجاء المسيحي بمستقبل أفضل كي تواصل هذه المدينة مسيرتها وفقا للقيم التي غذّتها طوال التاريخ. أعرف المشاكل التي تعاني منها صقلية وأُفكر بشكل خاص بالعائشين في أوضاع صعبة والعاطلين عن العمل وبغياب الثقة بالمستقبل وبالآلام الجسدية والمعنوية كما قال رئيس أساقفة المدينة وليدة الجريمة المنظمة. إني هنا اليوم لأؤكد قربي منكم وأشجعَكم على الشهادة بقوة للقيم الإنسانية والمسيحية التي تميز تاريخكم. أيها الأخوة والأخوات الأعزاء! إن الاحتفال بالأفخارستيا يعكس حضور الله بيننا. لقد أعلن الرسل قيامة المسيح الرب، مُعطي الحياة، وشهدوا لكون حضوره نعمة وفرحا. فلنفتح قلوبنا على كلمته الخلاصية ولنقبل عطية حضوره! نصوص الليتورجية هذا الأحد تحكي عن الإيمان الذي هو أساس الحياة المسيحية كلها. لقد علّم يسوع تلاميذه النمو في الإيمان كي يبنوا حياتهم على الصخرة. لا يطلب التلاميذ عطايا مادية ولا امتيازات إنما نعمة الإيمان التي تنير الحياة. يطلبون نعمة الإقرار بالله والبقاء معه ليتقبّلوا عطاياه بما فيها عطية الشجاعة والمحبة والرجاء.

 

مضى قداسة البابا في عظته يقول لقد اغتنت الكنيسة في باليرمو خلال القرون الماضية بإيمان حي وجد تعبيره الأسمى في القديسين والقديسات. أُفكر بالقديسة روزاليا التي تكرّمونها والتي تسهر على مدينتكم. المعنى الديني الذي يُميز حياتكم كان سندا لكم في عيش القيم المسيحية بعمق وأعني القدرة على العطاء والتضامن مع الآخرين وخصوصا مع المتألمين واحترام الحياة. حافظوا على هذه القيم! حافظوا على كنز الإيمان الثمين لكنيستكم ولتكن القيم المسيحية منارة لكم. الشق الثاني من إنجيل اليوم يقدّم لنا تعليما آخر أي التواضع المرتبط بشكل وثيق بالإيمان. يسوع يدعونا كي نكون متواضعين والرسول بولس أيضا يتحدث عن الإيمان. يا سكان صقلية! إن جزيرتكم كانت أول من عانق إيمان الرسل في إيطاليا فقبلت إعلان كلمة الله  وسط مصاعب واضطهادات شديدة. صقلية كانت أرض قديسين عاشوا الإنجيل ببساطة. إلى العلمانيين أقول لا تخافوا من عيش حياتكم والشهادة للإيمان في مختلف مرافق المجتمع وفي تعدد الأوضاع الإنسانية وخصوصا في الأوضاع الصعبة لأن الإيمان يهبكم قوة الله كي تكونوا دائما واثقين وجريئين للسير إلى الأمام بحزم وشجاعة. لا تخافوا من اتخاذ قرارات ضرورية لإعطاء أرضكم وجها أكثر جمالا. لا تخافوا من الشهادة لربّنا يسوع المسيح. يخجل الإنسان عندما يرتكب عملا شريرا أو حين يُهين الله والإنسان. يخجل الإنسان من الشر الذي يُسبّبه للمجتمع المدني والديني من خلال أفعال مخفيّة! إن إغراءات الاستسلام وفقدان الشجاعة تطال ضعيفي الإيمان ومَن يخلط بين الشر والخير.

 

وبالمقابل مضى قداسة البابا إلى القول إن الأقوياء في الإيمان والثقة بالله قادرون على حمل قوة الإنجيل العظيمة كما فعل الأب بينو بولييزي. فليكن هؤلاء حصنا لكم كي تواصلوا بحزم وثقة وإيمان إعلان حضور المسيح ومحبته في العالم. يا شعب صقلية ختم البابا عظته داعيا الصقليين إلى النظر نحو المستقبل وإلى عيش قيم الإنجيل بجرأة وحماسة كي يشع نور الخير. فلتساندكم أم الله العذراء مريم ولتقد خطاكم نحو معرفة ابنها يسوع المسيح.

 

في ختام القداس الإلهي وفي ما كانت عقارب الساعة تراوح الثانية عشرة وقبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين وجّه قداسة البابا بندكتس السادس عشر كلمة قال فيها أيها الأخوة والأخوات الأعزاء! في هذه اللحظة الغنية بمعنى الشركة مع المسيح الرب، الحاضر والحي بيننا فينا، يطيب لنا أن نرفع صلاة إلى أم الله، العذراء الكلية القداسة. إن صقلية غنية بالمعابد المريمية، ومن هذا المكان أشعر بأني في مركز هذه التقوى المريمية التي تشمل مدن وبلدات الجزيرة كلها. إلى العذراء مريم أريد أن أكل شعب الله العائش في هذه الأرض كي تعضد مريم العائلات في المحبة والالتزام التربوي وتُنعش بذور الدعوات التي يزرعها الله في أوساط الشباب وتنشر الشجاعة في المحن والرجاء في الصعاب ودفعا متجددا في عمل الخير. فلتقف العذراء جنب المرضى والمتألمين ولتساعد الجماعات المسيحية كي لا يُهمَّش أحد. مريم العذراء نموذج حياة مسيحية. إليها نلجأ كي تساعدنا على السير بفرح على درب القداسة على خطى شهود كثيرين للمسيح، أبناء أرض صقلية. في هذا الإطار، قال البابا، أود التذكير بحفل تطويب "أنّا ماريا أدورني" اليوم في مدينة بارما التي كانت في القرن التاسع عشر زوجة وأما مثالية ومن ثم أضحت أرملة فكرّست حياتها لخدمة النساء السجينات وأسست رهبنتَين. ولصلواتها المستمرة دُعيت "السبحة الحية". بهذه الكلمات أرفع صلاتي إلى الله القدير كي تقوي مريم العذراء الجميع في الإيمان والرجاء والمحبة.  








All the contents on this site are copyrighted ©.