2009-11-14 15:36:42

البيان الختامي للدورة 43 لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان


انتهت اليوم السبت في بكركي لبنان الدورة 43 لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك وتمحورت حول موضوع :"القيم الأخلاقية، دورنا ككنيسة في اكتسابها وعيشها ونقلها". البيان الختامي للأعمال في تقرير مراسلنا في بيروت. RealAudioMP3

 

البيان الختامي:

أولاً: موضوع الدورة

مقدمة
تناولت دورة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان هذه السنة القيم الأخلاقية بشكل عام وطريقة اكتسابها وعيشها ونقلها وتوقفت خصوصًا عند الوصايا الإلهية الثلاث: لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ، لأهمية الموضوع على الأصعدة الشخصية والعائلية والاجتماعية والروحية والوطنية فأبرزت تعليم الكنيسة في أمور أخلاقية عديدة منها مثلاً ما يتعلق بالمال العام والخاص في الدولة والكنيسة ومنها ما يتعلق بالممارسات الطبية التي تلجأ الى الإجهاض وقتل الأجنّة الفائضة والموت الرحيم والمعالجات الطبية العنيدة.
تحدّث في الدورة نخبة من المحاضرين الأخصائيين الذين تناولوا الموضوع من محاور عدّة فأبانوا واقع حال بعض القيم وطريقة عيشها وانعكاسات ذلك على حياة المؤمن والمواطن، في المحور الأول، ثم انتقلوا في المحور الثاني الى الأسس الإيمانية التي تقوم عليها هذه القيم وحاولوا في المرحلة الثالثة تبيان الآليات والوسائل الرعوية لعيش هذه القيم ونقلها، وأعدّوا لرسالة راعويّة تبسّط الموضوع وتعلنه على جميع ذوي الإرادات الطيبة، كما أنهم تدارسوا أمورًا إدارية وتنظيمية ووطنية.

 

المحور الأول: المعطيات الإيمانية والعقلانية للقيم

أ) في معنى القيم وأسسها

تداول المجلس في معنى القيم معتبرًا أنها جوهر المبادئ الأخلاقية ومرجعية السلوك والقواعد التربوية من أجل تحقيق دعوة الإنسان وأنسنة المجتمع. وهي لا تنفصل عن النظام بمعناه الواسع والشامل أي حالة التوازن والتناغم بين المخلوقات، وبالعودة الى الوصايا الثلاث موضوع الدورة، أكد أن القتل اعتداء صارخ على الحياة المعطاة للإنسان كقيمة عظمى، والسرقة تطاول على الخيريَن الخاص والعام والزنى يحطّ من قيمة الجسد والحياة العاطفية والعائلية ويشوّه الحب الذي هو أسمى علاقة بين الإنسان والله وأخيه الإنسان.
أما الأسس اللاهوتية للقيم فهي كلمة الله كأساس أول، وكرامة الشخص البشري كأساس ثان. وكلمة الله عند المسيحيين هي كلمة حياة وهبها، وهي أيضًا فيض حب وخلاص جسّدها المسيح في حياته على الأرض، من خلال حياته وتقدمة ذاته على الصليب. أما كرامة الإنسان فتكتمل بميزة البنوّة الإلهية وتظهر في دعوته الى الإرتقاء الى مستوى كرامته من خلال الإيمان بالله وانتظار مصيره الأخير في الشركة التامة معه.

ب) في المرجعيات الصالحة لتحديد القيم

إنّ شعب الله، بقبول دعوته كنور للعالم وكملح للأرض وخمير في العجين، وبعيشه إيمانه بأمانة وشهادة حقة، وبتسليم حياته للمسيح والسير على خطاه منقادًا بالروح القدس ومستنيرًا بكلمة الله وتعاليم الكنيسة، يكون بمثله هذا وبصحة عقيدته وبمسلكه القويم منارة تهدي الى الأخلاق والمناقبية والمثل العليا.
ومن شعب الله اختار السيد المسيح السلطة الكنسية وخوّلها مهمة التعليم وائتمنها على وديعة الإيمان وأعطاها أن تعلّم باسمه العقيدة والأخلاق، بدليل قوله لرسله: "من سمع منكم فقد سمع مني ومن نبذكم فقد نبذني" (لوقا 10/16).
فمن واجب الكنيسة ومن حقها أن تقدّم العقيدة الموحاة وتعلّم القيم التي تنبع منها حتى يتمكن الجميع من معرفتها. والقيم الإيمانية التي أوحى بها الربّ لم تعرض كاكتشاف فكري ولكن كوديعة إلهية أوكلها الله الى الكنيسة عروس المسيح لتحفظها بأمانة وتقدّمها بدون انتقاص. والكنيسة عندما تعلّم الأخلاق، بشكل رسمي ملزم، تفعل ذلك بتكليف وسلطان إلهيين، لا لغاية بشرية.
ج) في سلّم القيم وتنظيمها

تؤسس الكنسية تعاليمها الأخلاقية على كلام الله وعلى كرامة الشخص البشري. فاحترام الإنسان للقيم واعتناقه اياها يساهمان في سموّه وارتقائه، فرديًا وجماعيًا، وفي إدراكه لقيمته الفريدة النابعة من كونه غاية في حدّ ذاته ترتبط بالله.

ومن شروط احترام القيم التخلي عن العنف، في الوجدان وفي العمل. وهذا التخلي يدفع الفرد الى عدم استغلال الآخر. بالإضافة الى ذلك، يرفض الإنسان سجن نفسه في عزلة خانقة ويحاول دائمًا لقاء الآخر والدخول بشراكة معه. هذا يعني بالنهاية التخلص من العنف القاتل بجميع أشكاله، لأن النهي عن القتل لا يكتمل معناه دون الاعتراف بالحياة كعطية إلهية، والوقوف بخشية أمام قدسيتها. والنهي عن الزنى لا يأخذ معناه دون احترام الجسد البشري والإقرار بالحب كقيمة سامية تتصل بعمق الإنسان وتظهر طاقته على الاتحاد بالآخر اتّحادًا لا يزول. والنهي عن السرقة يحتلّ موقعه ضمن موقف صحيح من الخيور الزمنية والمادية يقوم على إخضاعها لكرامة الإنسان التي تسمو فوق كلّ مادة.

 

المحور الثاني: في واقع الحال

في دراستنا للقيم لا بدّ من استكشاف الواقع الذي نعيش فيه والاضاءة على الأشخاص والأمكنة التي قد تضيع عندها القيم أو تختلط معانيها فيصير الانزلاق الى أوضاع مشينة ومضرّة بالإنسان والعائلة والمجتمع. من هنا يجب العودة إلى المجتمع والمؤسسات الكنسية وإلى التوقف على الحالات التي تغيب عنها قيم الحب والحياة والأمانة. وفي هذا المضمار لم تتردّد الكنيسة في مواجهة ذاتها فقامت بعملية فحص ضمير لتبقى أمينة على رسالتها ودعوتها.
أ. عيش القيم عند الإكليريكيين

ذكّر المجلس الإكليريكيين، أساقفة وكهنة وشمامسة، والمدعوين الى الحياة المكرسة من راهبات ورهبان، بضرورة الشهادة المثلى للأخلاق المسيحية وعيشها بأمانة وشفافية وبروحانية متجدّدة. وتوقّف عند وصية الربّ أن يحبّ تلاميذه بعضهم بعضًا، ويحبّوا الناس دون تميّز أو محاباة. وأن يشهدوا ببساطة سيرتهم عن الخيرات السماوية أمام العالم، وأن يكرّسوا ذواتهم للآب "ذبيحة حيّة" فيعيشوا فضيلة العفة متسامين عن الأهواء البشرية في نشدان ملكوت السماوات.

ب. تراجع القيم واختلاط المعاني على مستوى المواطن

نوّه المجلس بإرادة المؤمنين والمواطنين الصالحة التي تدفعهم الى عيش القيم الأخلاقية وبذل ما يجب من تضحيات في سبيل الالتزام بها والأمانة لها، أكان ذلك على مستوى الأفراد، أم على مستوى العائلات، أم على مستوى الحركات الرسولية، ومؤسسات المجتمع المدني. كما أشاد المجلس بجهود كهنة الرعايا الذين يكرّسون معرفتهم ونشاطهم في سبيل مساعدة المؤمنين على اعتناق القيم وعيشها في ضوء نور المسيح وكلامه الحيّ، وقدّر عمل المؤسسات الكنسية التي تسعى الى تجسيد القيم الإنجيلية والأخلاقية في حياة العاملين فيها ورسالتهم. غير أنّ ذلك لم يمنعه من ملاحظة الانتهاكات التي تطال هذه القيم في مجتمعنا، ومن بينها الإجهاض، وقتل الأجنّة الفائضة، والقتل الرحيم، والعلاجات الطبية العنيدة، وقتل الصيت والتشهير بالآخر، وتفشّي ظاهرة المخدرات، والعنف المنـزلي، والدعارة وتجارة الجنس واستغلال المرأة، والفساد والرشوة والاختلاس وسوء الأمانة والسرقة، وتحقيق الخير الخاص على حساب الخير العام.

 

المحور الثالث: مبادئ رعوية في اكتساب القيم وعيشها ونقلها

نظر المجلس في رعوية اكتساب القيم وعيشها ومن ثم نقلها الى الأجيال الصاعدة، وبحث في الانتهكات التي تتعرض لها القيم الأخلاقيّة ودرس مسبباتها ونتائجها الخطيرة على حياة الناس والمجتمع. كما تطرق إل الوسائل والطرق التي تفعّل رسالة الكنيسة الرعوية في حياة المؤمنين. ونظرًا لدقّة الموضوع، توافق المؤتمرون على إصدار رسالة راعوية تعالج مسألة القيم وأهميتها في حياة الإنسان والمجتمع يؤكدّون فيها على تعليم الكنيسة الواضح ويطرحون توجيهاتهم العملية بشأنها.
أ) عيش القيم على المستوى الوطني

إن بناء المجتمع يحتاج إلى ان تكون القيم الأخلاقية حاضرة في مختلف الأوساط الاجتماعية، تعزيزاً لسلوك مواطني وديني يضمن السلام والعدالة الاجتماعيين.
ب. التربية على اكتساب القيم
في ضوء ما تقدّم يرى المجلس من الضروري إعادة اعتبار التربية طريقاً للعبور نحو القيم. من هنا فنحن مدعوون إلى إعطاء التنشئة على القيم مكاناً متقدّماً في عيالنا ومدارسنا وجامعاتنا.
وبما أننا نعتبر بالنهاية أن الضامن الأخير للقيم إنما هو الله لذلك ندعو أبناءنا وكل المؤمنين إلى علاقة حقيقية مع الخالق تعزز إلتزامهم بالقيم وعيشها في محيطهم.
يشدّد المجلس على أنّ رسالة الكنيسة التعليمية هي دون أدنى شك، أساسية في تنشئة المؤمنين على القيم الدينية والأخلاقية، وهو، علاوةً على ذلك، يدرك أنّ شهادتها للقيم يجب أن ترافق واجبها التعليمي. وإذا ما تعرّضت للحظات ضعف وتراجع، فإنها تعرف كيف تعود بنعمة مؤسسها الإلهي لتكون مثلاً حياً في مجتمعها يضيء للناس المحتاجين إلى حكمتها وخبرتها الإنسانية.
وإنّ الكنيسة، الفاعلة في مجتمعنا، تدرك أنها ليست وحدها في توخي الخير والسلام والأستقرار لأبناء الوطن كلِّهم. فالعائلات الروحية الاُخرى التي تُكوِّن معها النسيج اللبنابي تهتم بالغاية نفسها وتعمل على تحقيقها. لذلك يرى أعضاء المجلس أن عيش القيم يجب أن يكون هماً مشتركاً بين الجميع، يعملون معاً في سبيل التنشئة عليه وتقوية الألتزام به.
ج. القيم والدولة
بما أنّ الدولة مسؤولة عن بناء المجتمع وتقدّمه وازدهاره، فلا بدَّ من أن تحرص على أن يكون هذا البناء مؤسس على قِيَم العدالة والمساواة والحق. فالسلطة المُعطاة لها يجب ألاّ تتحوّل إلى وسيلة قهر وظلم وحرمان. لذلك، يحسن في كلِّ ظرف أن تتنبه لعملها العام، في مختلف هيكلياتها التنظيمية والمسؤوليات التي تتناول حياة المواطنين، فلا تقع في منطق المحسوبيات ولا تغرق في الفساد والرشوة والأختلاس، وتسعى بقوة لتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وتعمل على تنشئة مواطنيها تنشئة وطنية سليمة تجمعهم في روح إجتماعية واحدة قائمة على محبة الوطن والتضحية في سبيله، لا التضحية به في سبيل منفعتهم الخاصة. إنها مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتعزيز مسار العدالة الأجتماعية الذي يحركه مبدأ المساواة الفعلية بين الناس من خلال توفير الفرص للمهمشين والممقهورين حيث تتضاعف جرائم القتل وتتكاثر السرقات وتنتشر الدعارة.
كما يطلب المجلس من الدولة أن تضاعف جهودها لمحاربة ظاهرة التفلت الأخلاقي وتجارة الجنس من خلال التشدد في تطبيق القوانين النافذة وتحديث القوانين المتعلقة بحقوق المرأة وكرامتها وما تتعرض له من عنف وتعدٍ مادياً وجسدياً ومعنوياً.
ويتمنى المجلس أن تُفَعّل الدولة عمل اللجنة الوطنية لأخلاقيات علم الأحياء بحيث تتمكن من وضع شرعة كاملة للآداب الطبية وما يرافقها من قوانين تحمي الحياة البشرية منذ لحظة تكوينها، حتى نهايتها، وتطبق المساءلة تجاه من ينتهك قدسيتها.

ثانيًا : شؤون إدارية

1. الأمانة العامة للمجلس

انتخب المجلس الخوراسقف وهيب الخواجه أمينًا عامًا جديدًا لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان خلفًا للخوري ريشارد أبي صالح، لمدة خمس سنوات.

2. رابطة كاريتاس لبنان

بعدما استمع المجلس الى تقريرٍ قدّمه مكتب رابطة كاريتاس عن أعمالها طيلة السنوات الست الماضية وبعد أن عدّل المادة المتعلقة بانتخاب مندوبي الأبرشيات لدى كاريتاس، انتقل الى انتخاب أعضاء جدد في مكتب الرابطة ومجلسها، فأتت نتائج الانتخابات على مستوى المكتب كالتالي: الخوري سيمون فضّول رئيسًا خلفًا للأب لويس سماحة المنتهية ولايته، السيد فادي جورج ابراهيم أمينًا للسرّ بتجديد ولايته، السيد فريد جبران أمينًا للمال بتجديد ولايته أيضًا، وفي مجلس الرابطة تمّ انتخاب ممثلين للأبرشيات هم:
السيدة جيهان تابت طبّال، عن النيابة البطريركية المارونية صربا.

السيد مطانيوس الحلبي، عن أبرشية طرابلس المارونية.

السيد الياس فرنسيس، عن أبرشية صيدا للروم الملكيين الكاثوليك.

السيد مارون مطر، عن أبرشية أنطلياس المارونية.

السيدة هيام ابراهيم نعمة، عن أبرشية صيدا المارونية.

السيد بشير عون، عن أبرشية بيروت المارونية.

السيد بول زين، عن النيابة البطريركية المارونية في جونيه.

السيد مارون الخوري، عن أبرشية البترون المارونية.

الأب عبدالله عاصي، عن أبرشية الفرزل وزحلة للروم الملكيين الكاثوليك.

السيد مطانس جرجس رزق الله، عن أبرشية صور للروم الملكيين الكاثوليك.
السيد معين مراد، عن أبرشية بعلبك ودير الأحمر للروم الملكيين الكاثوليك.
الدكتوره جوزفين الخولي، عن أبرشية طرابلس للروم الملكيين الكاثوليك.
الأستاذ هادي راشد، عن أبرشية مرجعيون للروم الملكيين الكاثوليك.

السيد توفيق عريس، عن كنيسة الأرمن الكاثوليك.

ثمّ شكر صاحب الغبطة رئيس المجلس، الأب لويس سماحه على عطاءاته وتضحياته ونجاحاته في كاريتاس، وتمنى له التوفيق والخير فيما سيقوم به من خدماتٍ كنسية في المستقبل.

3. تلفزيون تيلي لوميار

استمع المجلس الى مداخلة قدّمها الأمين العام لمجلس تيلي لوميار ونورسات المحامي أنطوان سعد الذي عرض الخطوط العريضة لمشروع بروتوكول جديد بين الكنيسة والتلفزيون، بغاية توضيح العلاقة القانونية بكلّ وجوهها.
وإذ تمّ التركيز على رسولية المحطة وأهدافها الروحية والاجتماعية، شدّد الآباء على أهمية الإشراف على البرامج العقائدية والليتورجية. وإذ أثنى الآباء على العرض المتقدّم الذي جاء نتيجة اجتماعات اللجنة القانونية المكلفة بذلك، جددوا الثقة بمجلس إدارة التلفزيون والعاملين فيه وتفانيهم في خدمة الرسالة المسيحية، كما عهدوا الى اللجنة القانونية متابعة عملها من أجل بلورة الصورة النهائية للبروتوكول المنتظر.

4. مواضيع مختلفة

أما فيما يتعلق بسائر الأمور الإدارية فقد وزّعت الأمانة العامة على الحاضرين القوانين والأنظمة التي أقرّتها الهيئة التنفيذيّة وهي قانون رابطة الأخويات والقانون الأساسي والنظام الداخلي للمرشدية العامة للسجون في لبنان، ولراعوية الوافدين من أفريقيا وآسيا، وللجنة الأسقفية اللاهوتية والكتابية، وللجنة الأسقفية لراعوية الخدمات الصحيّة. كما أنها اطّلعت على تقرير مسهب عن عمل جمعية لابورا (Labora) الناشطة في الحقل الاجتماعي وشكروا المسؤولين عنها على الجهود التي يبذلونها في الاهتمام بالشبيبة وتأمين فرص العمل لهم. ثم استمع المجلس إلى عرضٍ موجز عن تأسيس "مركزية مسيحيي المشرق" وأهدافها ونشاطاتها الاجتماعية، وإلى مداخلةٍ قصيرةٍ عن جمعية الكتاب المقدّس وما تقوم به من رسالة في نشر كلام الله.

وَزّعت جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات رسالة كان المثلث الرحمة البطريرك الياس الحويك قد أرسلها الى الإكليروس الماروني سنة 1909 وأُعيد طبعها بمناسبة السنة الكهنوتية.

وأقرّ المجلس القرارات والتوصيات التي تقدّمت بها اللجان الأسقفية والهيئات التابعة له.

ثالثًا : الشأن الوطني

إنّ العمل الوطني والسياسي هو خدمة شريفة ترتبط بالقيم الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية والوطنية. فإحترام هذه القيم والعمل بهديها بما يؤمِّن الصالح العام ويخدم واقع المجتمع وحمايته، إنما يحفظ كرامة الشخص البشري ويؤدي إلى قيام الدولة القادرة والعادلة التي تقي اللبنانيين من مخاطر الفتن والحروب والإنقسامات، وإنعكاساتها السلبية.

في سبيل ذلك، لا بدّ من التذكير بأنّ واجب المسيحيين، وبخاصةٍ المسؤولين في أي موقعٍ كانوا، هو أن يقوموا بدورٍ فاعلٍ ومسؤول بالحفاظ على خصوصيات الكيان والرسالة والدور المسيحي في تاريخ لبنان، كما كان في الماضي ولأجل مستقبلٍ أفضل لجميع اللبنانيين الذين لكلّ منهم خصوصياته، وهذا ما يؤسس لعيش مشترك حقيقي ولتفاعلٍ وتضامن، هي الضمانة لفرادة لبنان الرسالة.

شهدنا في الفترة الأخيرة إنخفاضًا مريعًا لسلّم التخاطب الحضاري، وكل هذا كان يحصل تحت شعار المطالبة بحقوق هذه الطائفة أو تلك، وأو بتحسين موقعها في التركيبة اللبنانية، أو بالمحاصصة والغنائم بين الزعماء. هذا النمط من التخاطب لا ينمّ مطلقًا عن التمسك بالقيم عند أهل السياسة فالمطلوب قبل كل شيء آخر، التفاهم على لغة تخاطب سياسية أخلاقية، إذ من المعقول جدًا ان يُساء استعمال التعابير والمفردات في مجتمع تعددي لتعني أشياء مختلفة، وبالتالي تؤدي إلى مزيد من سؤ التفاهم وتعميق الخلاف.
ان اللبنانيين مدعوون بالحوار المبني على القيم على الرغم من كل العثارات التي وقعوا فيها فلبنان هو بلد معدّ للحوار المسيحي الإسلامي. من هنا نطلب من الجميع وخاصة من رجال السياسة الموكول إليهم اليوم معالجة المواضيع الوطنية الحساسة التحلي بروح أخلاقية رفيعة ومترفعة وإضاءة الديمقراطية بالأفكار النيّرة لمعالجة المسائل الشائكة عاملين على وضع الأسس الصحيحة لقيّم حضارية مشتركة من أجل مشاركة سياسية تحترم الأصول الديمقراطية في دولة الأخلاق والشفافية حيث يسود القانون ويخضع جميع المتعاطين بالشأن العام إلى المراقبة والمحاسبة.

ان الأولوية اليوم في لبنان، كما نراها لبناء الدولة القادرة والعادلة، هي التمسك بالقيم والأخلاق والمناقبية العالية والترفّع عن الأنانيات والمحسوبيات والتخلي عن الفاسدين والمفسدين ومستغلي المراكز لجني الأرباح غير المشروعة والمحافظة على المال العام وإداء الضريبة العادلة كما هي أيضًا بإصدار القوانين التي تمنع الإجهاض والموت الرحيم والتخلص من الأجنة الفائضة، كل هذه الأمور التي تخالف وصية: لا تقتل. ويهّم أعضاء المجلس ان يذكروا أركان الدولة بالحق في الحياة لكل فرد بشري، منذ الحبل به، وهو حق لا يمكن التنازل عنه.وعندما لا تضع الدولة قوتها في خدمة حقوق الجميع، ولا سيما الأضعف بينهم، ومنهم الأجنّة الذين حبل بهم ولم يولدوا بعد، تصبح أسس دولة الحق والعدالة ذاتها مهدّدة.

كما أن الدولة مطالبة اليوم بالتشدد تجاه كل من يشوّه صيت الآخر أو يساهم في تهميشه الإجتماعي والإنساني والسياسي والعرقي والإنتمائي.
كما أنها ملزمة بالمحافظة على الأخلاق العامة والآداب والسهر على الحشمة في الإعلام والإعلان. وهي أخيرًا مطالبة بمعاقبة كل من يسوِّق أو يعمل للسياحة الجنسية والإباحية في هذا الوطن.

ويدعو المجلس المسؤولين إلى الاهتمام الشديد بحالة الناس الاجتماعية التي تزداد ضيقًا يومًا بعد يوم وتضعهم في جوٍّ من القلق على مستقبلهم ومصير أبنائهم، وذلك بالسعي إلى تخفيف الضرائب عنهم، ومساعدتهم على تسديد أكلاف التعليم والطبابة، وتعميم الضمان الصحّي والاجتماعي، ورفع مستوى التعليم الرسمي ودعم كلفة التعليم الخاص، وتأهيل المستشفيات الحكوميّة فيطمئن من يلجأ إليها من ذوي الدخل المحدود إلى أنّه سيلقى فيها العناية والعلاج الشافي لمرضه.

ولا يسع المجلس إلاّ أن يرفع صوته أمام الخطر الكبير والأذى الشديد اللذينِ يلحقان بحياة عددٍ غير يسيرٍ من طلاّب المدارس والجامعات، بسبب تفشّي ظاهرة المخدرات فلا يجوز للدولة أن تسكت عن الذين يحركون هذه الظاهرة في أيّ موقعٍ كانوا وأن تتراخى في إنزال العقوبات بهم. فمسؤوليتها كبيرة تجاه حياة مواطنيها، وبخاصةٍ الذين هم أكثر عرضةً من غيرهم للإستغلال.
كما أنّ من واجبها توفير الأمن وحماية المواطنين، فلا يضطرّ البعض منهم لضمان أمنهم بوسائل خاصة تعمّق الهوّة بينهم وبين دولتهم وتفقدهم الثقة بقدرتها على رعاية شؤونهم.

ان الكنيسة التي تدافع دائمًا عن كرامة الشخص البشري والتي ساندت دائمًا القضية الفلسطينية واعتبرتها أولاً قضية حق وعدالة وكرامة إنسانية، ومع إصرارها على حق العودة للأخوة الفلسطينين وعدم التوطين، تطالب الدولة اللبنانية والدول العربية وكل السلطات الدولية المختصة بإخراج اللاجئين في أرضنا، من الوضع ما دون الإنساني الذي يحيون فيه تأمينًا لكرامة لهم في العيش الإنساني اللائق.

ونحن إذ نهنّئ اللبنانيين بولادة الحكومة الجديدة نجدّد الثقة بالمسيرة الحكيمة لفخامة رئيس الجمهورية الذي يجهد مع المسؤولين وأجهزة الدولة الأمنية في ترسيخ الأمن والاستقرار، وإعلاء شأن الوطن في كافة المحافل الدولية، كما نتمنّى لدولة رئيس مجلس الوزراء ولمعالي الوزراء التوفيق في المهام الجسام التي تنتظرهم.

خاتمة
ونحن في السنة الكهنوتية، وفي ختام دورتنا هذه، تذهب أفكارنا وعواطفنا أولاً الى إخوتنا الكهنة لنعبّر لهم عن امتناننا الكبير لعملهم في كرم الربّ، ونشكرهم على تضحياتهم وجهودهم في خدمة شعب الله وعيش قيم الإنجيل ونقلها.
ولا ننسى أبدًا أن نحمد الله على ما ألهمنا إيّاه في موضوع الأخلاقيات والقيم، فهو ما زال بروحه القدوس، يقود كنيسته لتحمل بشارة الملكوت وتبقى أمينة لكلمة الحقّ.

أجل إنّ كلمة الله هي التي تثبّت القيم وتعطيها بعدها الروحي، كما أنها تضيء لنا في ظلمة هذا العالم لنرى الأشياء والمخلوقات على حقيقتها ونقدّر قيمتها.
هذه الكلمة الأزلية التي سبقت كلّ شيء والذي بها كان كلّ شيء (يو 1/3) هي الله الذي صار بشرًا وعاش بيننا (يو 2/14). مع الرعاة والمجوس والأرض والسماء، بدأنا نتهيّأ لذكرى ميلاده بيننا، هو "أمير السلام" (أشعيا 9/5)، الذي به كانت الحياة (يو 1/4) وتبقى وافرة.
وإنّا، إذ نهنّئ جميع اللبنانيين بعيد الاستقلال وبعيدَي الأضحى والميلاد المباركين، نصلي إلى الله كي يترسخ الوفاق فيما بيننا يومًا بعد يوم، وتطل علينا مواسم الخير والبركة، فيتوطّد أمل الناس بغدٍ أفضل ينعمون فيه معًا بسلامٍ طال توقهم إليه، وبعيشٍ كريمٍ إشتدت رغبتهم فيه.
وإذ نصلي من أجل إحلال العدالة والسلام خاصة في العراق والأراضي المقدسة وحيث الشعوب معرضة للعنف والتشريد والموت وإضاعة كل مدّخرات الحياة، نسأل الله أن يغدق على أبنائنا وعلى سائر اللبنانيين نعمه وخيوره وبركاته.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.