2009-05-13 17:11:37

البابا يزور مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين


قام البابا بندكتس السادس عشر بعد ظهر الأربعاء بزيارة لمخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم يرافقه بطريرك القدس للاتين فؤاد الطوال. وكان في استقبال البابا المسؤول عن المخيم وحشد غفير من اللاجئين الفلسطينيين. مخيم عايدة هو أحد المخيمات في الضفة الغربية التي تأوي زهاء مليون وثلاثمائة ألف لاجئ فلسطيني شُردوا من منازلهم على دفعتين: لدى نشأة إسرائيل في العام 1948 وخلال حرب العام 1967. ويشكل مخيم عايدة الواقع شمال مدينة بيت لحم مثالا للتعايش الإسلامي ـ المسيحي إذ يضم خمسة آلاف لاجئ تقريبا بينهم بعض الأسر المسيحية. المزيد من التفاصيل في تقرير أعده الأب جان مهنا من الأرض المقدسة. RealAudioMP3

 

وألقى البابا كلمة في المخيم قال فيها:

 

السيد الرئيس،

أيها الأصدقاء،

تتيح لي هذه الزيارة السعيدة إلى مخيم عايدة للاجئين التعبير عن تضامني مع كل الفلسطينيين بدون مأوى الذين يأملون بالعودة إلى مسقط رؤوسهم والعيش في وطن لهم. أشكرك سيدي الرئيس، على تحيتك اللطيفة، وأشكر أيضا السيدة أبو زيد وباقي المتكلمين. كما أعرب للمسؤولين عن وكالة أونروا لإغاثة اللاجئين عن تقديري الذي يشاطرني إياه عدد لا يحصى من الرجال والنساء في العالم، عملهم هنا وفي مخيمات أخرى في المنطقة.

وأحيي بنوع خاص أطفال المدرسة ومعلميها. من خلال التزامكم التربوي تعبرون عن رجاء بالمستقبل. إلى كل الشباب الحاضر هنا أقول: جددوا قواكم وجهودكم واستعدوا للوقت الذي ستقع على كاهلكم مسؤولية شؤون الفلسطينيين في الغد الآتي. وللأهل دور كبير في هذا التحضير. ولجميع العائلات الحاضرة في هذا المخيم أقول: لا تتقاعسوا عن مؤازرة أبنائكم في تحصيلهم العلمي وفي تنمية مواهبهم، كيلا يحدث نقص في إعداد وتأهيل أشخاص أكفاء لتبوء مناصب هامة في المجتمع الفلسطيني. أعلم أن عائلات كثيرة مفرقة ـ بسبب اعتقال وسجن أعضاء منها أو تضييق حرية التنقل ـ وأن بينكم كثيرين فجعوا لفقدان أعزاء لهم من جراء الأحقاد والعداوات؛ وها إن فؤادي يتحد مع الذين يتألمون ويعانون من جرائها. أؤكد لكم دوام صلاتي من أجل جميع اللاجئين الفلسطينيين في العالم، وبنوع خاص الذين فقدوا منزلا وأعزاء لهم خلال الحرب الأخيرة على غزة.

أود الإشارة والتنويه بالعمل الحميد الذي تقوم به هيئات ومراكز تابعة للكنيسة لصالح اللاجئين هنا وفي أنحاء أخرى من الأراضي الفلسطينية. إن البعثة البابوية لأجل فلسطين، التي تأسست لستين عاما خلا بهدف تنسيق الرعاية الإنسانية الكاثوليكية للمهجرين، تواصل رسالتها الخاصة والضرورية، جنبا إلى جنب مع منظمات أخرى مماثلة. إن حضور الراهبات المرسلات الفرنسيسكانيات لقلب مريم الطاهر في هذا المخيم، يعيد إلى الأذهان شخصية القديس فرنسيس، رسول السلام والمصالحة العظيم وموهبته. وفي هذا المجال، أعرب عن تقديري الخاص لمختلف أعضاء العائلة الفرنسيسكانية لإسهامهم الجبار في رعاية سكان هذه الأراضي ولتسخير ذواتهم "أدوات سلام" حسب العبارة الشهيرة المنسوبة لقديس أسيزي.

أدوات سلام: كم من الأشخاص يتشوقون إلى السلام في هذا المخيم وهذه الأراضي والمنطقة بأسرها! وفي هذه الأيام تكتسب هذه الرغبة معنى عميقا حينما نستذكر حوادث أيار مايو عام 1948 وسنوات نزاع لم يجد بعد حلا له تلت تلك الأحداث. تعيشون الآن ظروفا شحيحة وصعبة، مع تقلص فرص العمل وتشعرون غالبا بالحرمان. إن تطلعاتكم المشروعة إلى وطن دائم، إلى دولة فلسطينية مستقلة، لم تتحقق بعد. وبدل ذلك تجدون أنفسكم، مثل كثير من الناس في هذه المنطقة وفي العالم، محاصرين في دوامة من العنف والاعتداءات والانتقام والدمار المتواصل. يرغب العالم بأسره وبقوة أن تنكسر هذه الدوامة ويأمل بأن يضع السلام حدا للعدائية الدائمة. نحن مجتمعون عصرا في هذا المخيم، تحت عبء الوعي بالجمود الذي يبدو وكأنه طال الاتصالات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ـ الجدار.

في عالم، حيث الحدود تنفتح أكثر فأكثر ـ على التجارة، على الرحلات، على تحرك الناس وعلى المبادلات الثقافية ـ من المأساوي رؤية انتصاب جدران. وكم نتوق لرؤية ثمار عملية بناء السلام الصعبة! وكم نصلي بحرارة كي تنتهي العدائية التي سببت انتصاب هذا الجدار!

من الضرورة بمكان أن يتحلى الطرفان من جانبي الجدار بالشجاعة الكافية لتخطي الخوف وانعدام الثقة إذا ما أرادا التصدي لمشاعر الانتقام للضحايا والإساءة. ويجب التحلي بالشهامة للبحث عن المصالحة بعد أعوام من الصراع المسلح. مع ذلك يعلمنا التاريخ أن السلام يتم فقط عندما يبدي الطرفان المتنازعان استعدادهما للمضي أبعد من الاتهامات والعمل معا بأهداف مشتركة مع اعتبار مصالح واهتمامات الآخرين والسعي الحثيث لتوفير جو من الثقة. لا بد من حضور عزم على تبني مبادرات قوية وخلاقة من أجل المصالحة: إذا أصر كل واحد على تنازلات تمهيدية من قبل الآخر فستكون النتيجة دخول المفاوضات نفقا مسدودا.

للمساعدة الإنسانية، شأن التي تقدم في هذا المخيم، دور جوهري، ولكن الحل على المدى البعيد لنزاع كهذا، لن يكون إلا سياسيا. لا أحد ينتظر أن يتوصل الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي إلى هذا الحل بمفردهما. إن دعم الأسرة الدولية حيوي. أجدد ندائي إلى كل الأطراف المعنية كي تمارس تأثيرها لإيجاد حل عادل ودائم ضمن احترام المقتضيات الشرعية لجميع الأطراف والاعتراف بحقهم في العيش بسلام وكرامة حسب القانون الدولي. وفي الوقت عينه، تستطيع الجهود الدبلوماسية مع ذلك أن تتكلل بالنجاح إذا ما كان الفلسطينيون والإسرائيليون أنفسهم مستعدين لكسر حلقة العدوان. تراود ذهني الكلمات الرائعة المنسوبة للقديس فرنسيس: "فأضع الحب حيث البغض، والمغفرة حيث الإساءة.. والنور حيث الظلمة، والفرح حيث الكآبة".

أجدد دعوتي لكل واحد منكم من أجل التزام أعمق في إنماء السلام واللاعنف، مقتدين بالقديس فرنسيس وغيره من بناة السلام الكبار. على السلام أن يبدأ من محيطه الخاص في كل عائلة وكل قلب. أواصل صلاتي كي تجد كل الأطراف المتنازعة في هذه الأرض الشجاعة للمواصلة على طريق المصالحة الملزم والضروري. فليزدهر السلام مرة أخرى في هذه الأراضي! وليبارك الله شعبه بالسلام!

 








All the contents on this site are copyrighted ©.