2009-03-10 16:22:30

القديس بولس والتحول الدمشقي بقلم الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري (سورية)


كم في أدبياتنا التاريخية من وقائع ونماذج من الرجال الأشرار الجبارين الظلمة العتات، الذين يتحولون ـ بسبب حادثة معينة، أو لمة ملائكية، أو إشراقة روحية، أو ومضة إنسانية، أو لحظة صدق مع الذات ـ يتحولون إلى أخيار، ودعاة ومبشرين.

والقديس بولس واحد من أهم أولئك الذين لم ينسوا عبر التاريخ، بسبب تأثيرهم الكبير، في الحياة الروحية، حيث كان للمكان (دمشق) سر في هذا التحول.

فدمشق هي المدينة التي يتلمس المرء فيها عبق التاريخ، وعظمة الحوار، وروح العيش المشترك.

ففيها تنتشر مئات المآذن والكنائس، والمسجد الأموي الذي يضم في جنباته ضريح النبي يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان)، وحيث خطا القديس بولس، فكانت دمشق نقطة التحول في المسار، والتغير في السلوك نحو الصلاح والتبشير بالمحبة بدل العدوان، ومن سورية بدأت رحلة القديس بولس التبشيرية بالدين المسيحي إلى أوروبا والعالم بأسره.
وسورية تعد اليوم وعبر التاريخ هي الوجه الأصيل للتآخي والتسامح، ودليل ذلك هو أجواء الاستقرار والمحبة والألفة التي ينعم بها كل مَن يعيش أو يمر بسورية.

فسورية كانت ولا زالت مهد الدين الإبراهيمي والشرائع السماوية، وهي جزء من الأرض المباركة التي ساهمت في نشر النور للعالم كله، بالمسيحية والإسلام، وهي القوية بأبنائها وإيمان شعبها، والمعتزة بثقافتها التعددية، وتاريخها العريق.

وهنا أنقل كلمات من الرئيس بشار الأسد إذ يقول: (إن قوة سورية تكمن في عمقها الحضاري ومكوناته الإسلامية والمسيحية وفي قوة الإنسان السوري واستمراريته عبر مراحل التاريخ).

فشاؤول الذي يطارد المؤمنين المسيحيين، ويلاحقهم حتى دمشق، في طريقه حصل التغير في حياته، ففي منطقة شرق دمشق بالقرب من قرية تل كوكب، ظهر له المسيح يناديه: "لماذا تضطهدني؟" فوقع من على ظهر فرسه وفقد بصره ولم يعد يرى شيئا؛ ومنذ تلك اللحظة حصل الانقلاب في تفكيره، والوعي في إدراكه، وراح يبذل كل ما في وسعه ليبشر بالمسيح واجبا محتماً، وضرورة حياتية رآها وآمن بها، فقد تحول إلى إنسان جديد، في فكره ومنهج حياته.

لقد كانت توبته بدمشق، كما هي توبة من يريد الله به خيرا للإنسانية.
لقد تعلّم بواسطة النعمة كيف يوجه الإنسان كل طاقاته الجسدية والروحية نحو الهدف الجديد.

إن بحث القديس بولس عن الحقيقة يذكرنا نحن المسلمين بالصحابي (سلمان الفارسي) الذي عانى ما عانى في طريق بحثه عن الحقيقة حتى اهتدى إليها.

وكلمات القديس بولس وهو يقدَّم للصلب: "ها أنا ذا أقدّم قربانا للرب ... جاهدت جهادا حسنا، ... وحافظت على الإيمان، وقد أُعد لي إكليل البر الذي يجزيني به الرب الديان العادل في ذلك اليوم" [2 طيم 4/6 ت 8]، هي كلمات كثير من أصحاب رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وهم يبذلون أرواحهم ومهجهم في سبيل الرسالة التي يحملونها.

إن تمام كمال الأخلاق الإنسانية أن تكون أيها الإنسان مفعما بالمحبة لمَن حولك، وبخاصة للإنسان المخلوق على صورة الله، وعندها يسهل عليك تقديم الخدمة له، عبر الإيمان والرجاء والمحبة. الإيمان الصادق الموجه للسلوك، والرجاء بالله الشعلة المنيرة، والمحبة لله والإنسان.

من كلمات القديس بولس: "المحبة أن تصبر، وأن تخدم، وأن لا تحسد، ولا تتباهى، ولا تنتفخ من الكبرياء، ولا تفعل ما ليس بشريف، ولا تفرح بالظلم، بل تفرح بالحق" [ 1 قور 13/ 4 ـ 7 و8].

ومن نماذج التحولات الإنسانية، نقرأ في تاريخنا العربي، قصة إسلام عمر بن الخطاب، الذي خرج يريد قتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم فتحول إلى مؤمن ومناصر للحق.

وقصة إسلام خالد بن الوليد، الذي قال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد رأيتَ ما كنتُ أشهد من تلك المواطن عليك معانداً عن الحق، فادع الله يغفرها لي.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يَجُبُّ ـ أي: يَقْطع ويَمْحُو ما كان قبله من الكفر والمعاصي والذنوب ـ ما كان قبله".
في دمشق أدرك القديس بولس وجوب ترك كل شكل من أشكال العداوة، لتحل محله المحبة من أوسع أبوابها.

في لقاء دمشق إدراك تام بأهمية الانتقال نحو العالمية في محبة وصدق وتعاون، وليس نحو التغيير بالقهر والعولمة.

حضورنا الآن لنقرأ المحطات الهامة في حياتنا الشخصية، وماذا قدّم كل منا في سبيل الإنسان، فنشكر على الهبة والعطاء، ونطلب الصفح والغفران، لتكون صلواتنا لله خالصة ونتطلع إلى انفتاح عالمي إنساني وإلى تنشئة إيمانية تُرضي خالقنا.

ونحمد الله أنه سبحانه ليس لفئة معينة وليس لشعب دون غيره أو لقوم دون سواهم أو لجماعة معينة، فالذي يخلق الكل لا يهتم بالبعض، بل يهتم بالجميع.

وصدق القرآن إذ يقول: { ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].








All the contents on this site are copyrighted ©.