2009-01-08 14:51:32

البابا يستقبل أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي لتبادل التهاني بحلول العام الجديد


استقبل البابا بندكتس السادس عشر كما جرت العادة في مطلع شهر كانون الثاني يناير، أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي لتبادل التهاني بحلول العام الجديد. وجه البابا للدبلوماسيين الذين يمثلون مائة وثمان وسبعين دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع الكرسي الرسولي كلمة مسهبة استهلها مرحباً بهم ومتمنياً للدول التي يمثلونها، حكاماً وشعباً، عاماً سعيداً تسوده العدالة والطمأنينة والسلام.

تذكر البابا في مستهل كلمته ضحايا الكوارث الطبيعية الخطيرة التي ألمت بدول ومناطق عدة شأن فيتنام، ميانمار، الصين، الفيليبين، أمريكا الوسطى، جزر الكاراييب، والبرازيل، وطلب من الله العزاء لذوي ضحايا العنف والنزاعات المسلحة التي تُدمي بلداناً ومناطق عدة كأفغانستان، الهند، باكستان والجزائر وغيرها.

قال الحبر الأعظم: على الرغم من كل الجهود السياسية والدبلوماسية، ما يزال السلام بعيداً. لكنه دعا الجماعة الدولية إلى عدم فقدان الرجاء، حاثاً الكل على مضاعفة الجهود لإرساء أسس الأمن والسلام والنمو. وذكّر الأب الأقدس الحاضرين بأن الكرسي الرسولي كان في مقدمة الدول التي وقعت على اتفاقية حظر الذخائر العنقودية، وهي وثيقة تساهم في تعزيز القانون الإنساني الدولي. وأعرب بندكتس السادس عشر عن قلقه البالغ إزاء ظاهرة التسلح النووي، مشيراً إلى أن النفقات العسكرية تُبعد الموارد البشرية والمادية عن مشاريع النمو، وتشكل بالتالي تهديداً للسلام.

بعدها أكد البابا أن بناء السلام يتطلب مساعدة الفقراء والمحتاجين، وعائلات كثيرة تعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية الراهنة، وما يزيد الطين بلة ظاهرة التبدل المناخي التي تزيد من صعوبة توفير المياه والغذاء لجميع البشر. وسطر الحبر الأعظم ضرورة تبني إستراتيجية لمحاربة آفة الجوع وتنمية القطاع الزراعي، خصوصاً إزاء ارتفاع نسبة الفقراء في الدول المتقدمة صناعياً.

ولم يخل خطاب البابا إلى الدبلوماسيين من الدعوة الملحة إلى احترام كرامة كل كائن بشري وحياة الشخص في جميع مراحلها. وقال إن مصير العائلة البشرية بات اليوم على المحك أكثر من أي وقت مضى. ومن الأهمية بمكان تربية الأجيال الفتية على مبدأ الأخوّة بين الناس، الذين هم أبناء الإله الواحد. وهذا ما ذكّر به البابا خلال زياراته الرسولية خارج إيطاليا، والتي شملت هذا العام أستراليا، الولايات المتحدة وفرنسا. وعاد الحبر الأعظم ليؤكد أن مبدأ العلمنة لا يتعارض مع البعد الروحي للإنسان والقيم الدينية لأن الدين يشكل أساساً صلباً يُبنى عليه مجتمع أكثر عدلاً وحرية.

بعدها تطرق بندكتس السادس عشر إلى العنف الذي تعرض له آلاف المسيحيين خلال العام المنصرم مؤكداً أن المسيحية هي ديانة حرية وسلام تضع نفسها في خدمة خير البشرية. وأعرب عن "عطفه الأبوي" تجاه المسيحيين، ضحايا العنف، خصوصاً في العراق والهند، داعيا السلطات المحلية إلى وضع حد لانعدام التسامح الديني. وأشار البابا إلى أن تلاميذ المسيح، وإزاء هذه التجارب والمحن، لا يستسلمون للقنوط، مذكّراً بأن الشهادة للإنجيل تعارضت ـ وتتعارض دائماً ـ مع طُرُق العالم. فإنجيل المسيح يشكل رسالة خلاص للجميع، ولذا يجب ألا ينحصر ضمن إطار الحياة الشخصية، بل ينبغي أن يُنادى به على السطوح وحتى أقاصي الأرض.

هذا ثم تحدث الحبر الأعظم عن دوامة العنف المستمرة في الشرق الأوسط والأرض المقدسة التي تسبب آلاماً جمة للسكان المدنيين وتعرقل المسيرة المؤدية إلى تسوية النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وأكد أن الخيار العسكري لا يشكل حلاً للصراع وأن العنف لا يستأهل سوى أشد التنديد من أي جهة أتى ومهما كان شكله.

وتمنى بندكتس السادس عشر أن يتم التوصل إلى هدنة في قطاع غزة بفضل جهود الجماعة الدولية وأن تُستأنف محادثات السلام في إطار الاحترام الكامل لتطلعات جميع الشعوب المتورطة في النزاع ومصالحها المشروعة. هذا ثم طلب البابا إلى الجماعة الدولية أن تدعم الحوار بين إسرائيل وسورية، وتعمل على تفعيل دور المؤسسات في لبنان في إطار الوحدة الوطنية. كما وجه الأب الأقدس كلمة تشجيع إلى العراقيين داعياً إياهم إلى بناء مستقبلهم بمنأى عن أي تمييز عرقي وديني. وفيما يتعلق بالأزمة النووية الإيرانية أمل بندكتس السادس عشر أن يتم التوصل إلى حل تفاوضي للخلاف القائم حول الملف النووي بطريقة تحترم المتطلبات الشرعية لإيران وللجماعة الدولية على حد سواء. واعتبر أن التوصل إلى نتيجة إيجابية سيساهم في التخفيف من حدة التوتر على الصعيدين الإقليمي والدولي.

بعدها قال البابا إنه ينظر بعين الثقة والرجاء إلى استئناف محادثات السلام في جزيرة مينداناو الفيليبينية، مشيداً بتحسن العلاقات بين الصين وتايوان، كما تمنى أن يتم التوصل إلى حل نهائي للحرب الأهلية في سريلانكا، مع الأخذ في عين الاعتبار الاحتياجات الإنسانية للسكان المحليين. وأطلق الحبر الأعظم أيضاً نداءً من أجل السلام في الصومال، جمهورية الكونغو الديمقراطية وإقليم دارفور السوداني، داعياً إلى مساعدة اللاجئين والدفاع عن حقوق الأطفال. ثم حيا الأقليات المسيحية في تركيا، متمنياً التوصل إلى تسوية عادلة وسلمية لأزمة جزيرة قبرص.

وختم بندكتس السادس عشر خطابه للدبلوماسيين معرباً عن قربه من الفقراء والمرضى والمسنين وجميع الأشخاص المتروكين والعائشين في قفص الوحدة. وقال إن باستطاعة العائلة البشرية التغلب على آفة الفقر عندما يتحد أعضاؤها ويجتمعون حول القيم والمثل المشتركة المرتكزة إلى كرامة الشخص والحرية المسؤولة والاعتراف بمكانة الله في حياة الإنسان. ودعا إلى توجيه الأنظار نحو الطفل يسوع المضجع في المذود لأنه وحده يعلمنا عيش التضامن الأخوي بين البشر وينير لنا الدرب المؤدية إلى التغلب على الفقر وبناء السلام.








All the contents on this site are copyrighted ©.