2008-09-15 10:11:30

عيد ارتفاع الصليب المقدس: محطة روحية عند كلمة الحياة


قال يسوع: "فإنه لم يصعد أحدٌ إلى السماء إلا الذي نزل من السماء وهو ابن الإنسان. وكما رفع موسى الحيةَ في البرّية فكذلك يجب أن يُرفع ابن الإنسان لتكون به الحياة الأبدية لكل من يؤمن به. فإن الله أحبّ العالم حتى إنه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلكَ كل من يؤمن به، بل تكونَ له الحياة الأبدية، فإن الله لم يرسل ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص به العالم. (يو3/13-17)

 

التأمل: في الهوان المجد

 

يشكّل صليب يسوع علامة شكّ لجميع الأجيال، بما أنّه يجمع بين الضعف، الموت حتى العدم، من جهة، وبين البذل، الحياة حتى القيامة، من جهة أخرى. هذه الازدواجية عينها أحياها أنا المؤمن، فأواجه صراعا داخليّا، مكتشفا ما فيّ من واقعيّة ألمِ الوجود وهشاشةٍ الطبع وثقل الخطيئة. لكنّي أختبر أيضا، وبشكل مؤكّد، تعدّي ذاتي، وانتصاري على الألم في جمال اللقاء، ممّا يجعل الرجاء أكيدا، ومخاوفي هواجسَ... إنّها حياة النعمة!

"كلمة الصليب" تنير مأساتي الإنسانية، تهب رونقا لمسيرة أريدها قريبة من الروعة، أتعثّر خلالها ولكني لا أتوقّف.  الصليب واقع حياتي؛ هو تيار حياة يستمدّ من صليب الفادي كل المعنى. من خلال صليب يسوع فقط، يغدو الصراع تكافؤا بل تحوّلا جذريا، ارتدادا.

أنا الضعيف، أسبَح في سرّ الصليب، ألمس الذبيحة، وأجد حقيقتي النهائية فيه، أُقدَّس.  طبعا، لا أنثني أعيش في هذا العالم، أتألّم، أواجه تجربة اليأس بمرارتها فأستنجد الصليب، وأتألّق من غير أن أعرف كيف ولماذا!!!

في الصليب كنهُ الحياة ونواةُ المجد. في الصليب كلّ الحبّ. وهل من حبٍّ بلا لقاء؟ ألتقي بالمسيح المصلوب، يسوع الممجّد، يبثّ فيّ روحا جديدا، يخلقني بلا هوادة، يحوّلني من هوان إلى مجد. إنّها خبرة الإيمان الحقّ، خبرة العبادة في غرام إلهيّ. ففي عمق لا معنى كينونتي الإنسانية أختبر امتلاءً، تبثّه فيّ تجليّات الرحمة المميَّزة التي هي التزام الله بي، يحوّلني صورةً لصليب ابنه، فأحيا، وأُحيي...

لن تفهم الأجيال ربما تجلّي الصليب وارتفاعه، ربما ستفضّل قوة عِلم البشر على ضعف المحبة، ودهشة الخوارق على رتابة التجسّد. أما أنا فأتحدّاها قائلا: نعم لِجهالة الصليب، نعم لِقدرة الله المتجلية في الضعف. فليكن ممجدا يسوع المصلوب. آمين. (إعداد الأب مارون الشدياق، الراهب الماروني المريمي)








All the contents on this site are copyrighted ©.