2008-09-12 15:56:27

خطاب البابا في حفل الاستقبال الرسمي في الإليزيه: فرنسا كما أوروبا ذات جذور مسيحية


بعد الإصغاء إلى خطاب الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، ألقى البابا بندكتس الـ16 كلمة أعرب في بدايتها عن غبطته بزيارة هذا البلد الذي يعرفه حق المعرفة ولأول مرة كحبر أعظم، في رد للزيارة التي قام بها الرئيس نيكولا ساركوزي لتسعة أشهر خلت إلى الفاتيكان. وسطر أن هدف زيارته الرئيس هو الاحتفال بمرور 150 عاما على ظهورات العذراء مريم في لورد حيث يتقاطر المؤمنون والحجاج إلى المعبد المريمي لمشاركته عيد الفرح والإيمان والمحبة في ربوع فرنسا.

قال البابا إن صداقات إنسانية وفكرية ثقافية تربطه بفرنسا التي يعرفها جيدا منذ أيام دراسته وعمله الكنسي وسطر سعادته بزيارتها مجددا وتشرفه بتكريم إرثها الثقافي والإيماني الجليل الذي أنجب شخصيات كبيرة خدمت الأمة والكنيسة عبر العصور وتخطى تعليمها الحدود الجغرافية والوطنية ليصل إلى أفق المستقبل.

وذكّر البابا بأن جذور فرنسا كما أوروبا هي مسيحية ويشهد التاريخ نفسه على ذلك من خلال الأساقفة الأوائل في بلاد الغال مثل القديس إيريناوس الذي أتى من إزمير ليبشر بالمسيحية في مدينة ليون. وأضاف أن انتقال الثقافة مرّ عبر الرهبان والمعلمين والناسخين ومن خلال تنشئة القلب والفكر على محبة الفقير ومساعدة الأكثر حرمانا عبر تأسيس جمعيات رهبانية كثيرة ومساهمة المسيحيين في إرساء المؤسسات في بلاد الغال أولا وفي فرنسا لاحقا.

وتحدث الحبر الأعظم عن العلاقات بين الكنيسة والدولة فأشار إلى أن المسيح أوضح في إنجيله هذا اللغط القائم بقوله: "أدوا لقيصر ما لقيصر، ولله ما لله" (مرقس 12/17). وقال إن الحذر القديم قد ولى وتحول إلى حوار هادئ وإيجابي، لأن الإرادة الطيبة متبادلة، وهذا الحوار يتطلب حزما وصبرا.

ولفت البابا إلى أن مقتنع تماما أن تفكيرا جديدا حول المعنى الحقيقي وأهمية العلمانية قد أصبح ضروريا. فمن الأهمية بمكان التشديدُ على التمييز بين السياسي والديني من جهة لضمان الحرية الفردية للمواطنين، ووعيٌ أوضح لعمل الديانة في تنشئة الضمائر وإسهامها مع المحافل الأخرى لخلق توافق أخلاقي جوهري في المجتمع.

"يحتاج كل مجتمع إلى رجاء وبخاصة في عالم اليوم الذي لا يوفّر إلا القليل من التطلعات الروحية والضمانات المادية"، تابع البابا مشيرا إلى اهتمامه الخاص بالشباب الذين ينقص بعضهم توجيهٌ سليم وصادق، وآخرون يختبرون حدود شراكة دينية، والبعض الآخر يواجه وحيدا واقعا يتخطاه.، مسطرا واجب تقديم إطار تربوي لهم يشجعهم على تحمل المسؤولية.

ولفت الأب الأقدس إلى اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في العالم ودعا لإيجاد حلول عادلة لحماية الضعفاء وتعزيز كرامتهم، مسطرا إسهام الكنيسة الواسع في هذا المجال. وقال إن الله كلف الإنسان صون العالم والكون الذي خلقه، فمن هنا ضرورة تقديم عروض بنّاءة لضمان خير الأجيال الفتية.

يعلم الجميع تعلق فرنسا بحقوق الإنسان وتعزيزها لصالح الفرد والمجتمع، قال البابا، التي تشغل حاليا الرئاسة الدورية الأوروبية. وشدد على أن الإنسان الأوروبي سيدرك تماما، حين تُحترم حقوقه وتُصان وتتعزز، عظمة تشييد الوحدة الأوروبية وسيشارك كعنصر فاعل فيها. وقال إن الوحدة الأوروبية ورشة ضخمة تنتظر كمال بنيانها وسط تعرجات الحياة اليومية الاجتماعية والاقتصادية، الوطنية منها والدولية.

وشدد على دور فرنسا التاريخي في تصالح الشعوب ودعاها لمساعدة أوروبا في إرساء السلام ضمن حدودها وفي العالم كله، وتعزيز وحدة ضامنة للاختلافات الوطنية والتقاليد الثقافية المتنوعة التي تشكل ثروة في السمفونية الأوروبية.

وإذ أعرب عن ثقته بأن فرنسا ستسهم دوما في تنمية هذا القرن وقيادته صوب ميناء السكينة والتناغم والسلام، سأل البابا الله في ختام كلمته أن يمنّ على الأمة الفرنسية نعمة السلام والإزدهار، الحرية والوحدة، المساواة والأخوّة، ثم منح الجميع بركته الرسولية.








All the contents on this site are copyrighted ©.