2008-03-25 16:36:36

محطة روحية حول اثنين الفصح المجيد


فتركتا القبر مسرعتين (مريم المجدلية ومريم الأخرى) وهما في خوف وفرح عظيم، وبادرتا إلى التلاميذ تحملان البشرى. وإذا يسوع قد جاء للقائهما: "السلام عليكما!" فتقدمتا وأمسكتا قدميه ساجدتين له. فقال لهما يسوع: "لا تخافا! اذهبا فقولا لإخوتي يمضوا إلى الجليل، فهناك يرونني". وبينما هما ذاهبتان جاء بعض رجال الحرس إلى المدينة، وأخبروا الأحبار بكل ما حدث. فاجتمعوا هم والشيوخ، وبعدما تشاوروا رشوا الجنود بمال كثير، فقالوا لهم: "قولوا إن تلاميذه جاؤوا ليلا فسرقوه ونحن نائمون. وإذا بلغ الخبر إلى الحاكم، أرضيناه ودفعنا الأذى عنكم". فأخذوا المال وفعلوا كما لقنوهم، فانتشرت هذه الرواية بين اليهود إلى اليوم. (متى 28/ 8-15)

 

التأمل

يسعى كل إنسان لأن يعيش في السلام، وليس مَن يهوى العنف ويبرّر القتل ويفرح بالحرب... كلٌّ منّا يريد انسجاما وراحة وطمأنينة. لماذا؟ لأننا خُلِقنا في الثبات والسلام، وكلَّ مرّة يُهددنا الموت على أنواعه نخاف، نضطرب ونسعى لتحقيق ذواتنا في الهناء. حتى في بيئتنا المعاصرة التي تميل إلى هدم كلّ قيمة وإغراقها في النسبيّة، نجد إنسان اليوم لا يشكّ بقيمة السلام لأنه يُجابه يوميًّا حضارة الموت والعدم، ويشجبها. ولكن من أين له هذا الشوق إلى ما هو ثابت، إلى ما هو مسالم ومفرح؟  أليس ممَّن هو أكبر منه، ممَّن خلقه؟ ورغم محاولات الإنسان الكثيرة، يبقى في أعماق كيانه ما هو غير مطمَئن، ما يرغب الأكثر. توهمه العلوم أجوبة على معنى وجوده، ولكنه يرغب بالجواب. والجواب يأتي من يسوع القائم من بين الأموات. هو الإنسان الذي اختبر ضعف بشريتنا، وعايشنا في الخوف وعاش عدمنا، من إخلاء ذاته حتى موته على الصليب. ورغم ذلك حقّق السلام إذ استسلم لينبوع الوجود، للآب الخالق ومدبّر الخلاص. ليس يسوع مَن لا يأبه للإنسان ومعضلاته. على العكس، الكلمة المتجسد يشارك كلّ شخص بشريّ في خصائصه الفريدة، ويحيا معه قلقه الكياني ليوصله إلى اختبار حدث القيامة. وبالقيامة يحقِّقُ فيه خَلْقًا جديدا، يعطيه أملا لمتابعة الحياة، ورجاء لتحقيق المعنى في قلب المحال. هذا ما حصل مع المرأتين عند القبر. تسارعت الأحداث أمامهما إلى درجة أنهما لم تعودا تفهمان ما يحصل. واجهتا خطر الوجود العابث بالخوف والقلق. وها يسوع القائم من بين الأموات يلتقي بهما. هو يأخذ المبادرة ليعبّر لهما عمّا يخالجهما وعن أعمق ما ترغبان. يعطيهما سلامه: السلام عليكما! لم يعد السلام حالة هشّة وقتيّة، سرعان ما تزول أمام الظلم والشرّ والموت. صار للسلام وجه، عليه أمارات الآلام وأنوار القيامة. فهمت المرأتان أنّهما ليستا فريسة للعزلة الخانقة في قلب اللامعنى. هنالك مَن يرافقهما، يلتقي بهما، ويُحِلُّ سلامَه في قلبَيهما إذ يعطيهما ذاته. "لا تخافا". ممَّ الخوف، وممَّن الخوف؟ في الحبّ الذي هو حقيقة ينتفي الخوف ليكون حدثُ السلام حدثَ رجاء دائم، في قلب خبرة يسوع القائم من بين الأموات. هل عندنا الجرأة لِنؤمن مثل مريم ورفيقتها فنقبل سلام يسوع، وننبذ الخوف، ونتحدى الشر بالقيامة؟ نعمٌ لكَ يا يسوع، نعمٌ لقيامتك صانعةِ الحياة الجديدة.  آمين. (إعداد الأب مارون الشدياق المريمي)








All the contents on this site are copyrighted ©.