2008-03-23 09:19:11

محطة روحية حول أحد القيامة الكبير


وفي يوم الأحد جاءت مريم المجدلية إلى القبر عند الفجر، والظلام لم يزل مخيما، فرأت الحجر قد أزيل عن القبر. فأسرعت وجاءت إلى سمعان بطرس والتلميذ الآخر الذي أحبه يسوع، وقالت لهما: "أخذوا الرب من القبر، ولا نعلم اين وضعوه". فخرج بطرس والتلميذ الآخر وذهب إلى القبر يسرعان السير معا. ولكن التلميذ الآخر سبق بطرس، فوصل قبله إلى القبر وانحنى فأبصر اللفائف ممدودة، ولكنه لم يدخل. ثم وصل سمعان بطرس وكان يتبعه، فدخل القبر فأبصر اللفائف ممدودة، والمنديل الذي كان حول رأسه غير ممدود مع اللفائف، بل على شكل طوق خلافا لها، وكان كل ذلك في مكانه. حينئذ دخل التلميذ الآخر وقد وصل قبله إلى القبر، فرأى وآمن. ذلك بأنهما لم يكونا قد فهما بعد الكتاب الذي يقول إنه يجب أن يقوم من بين الأموات. ثم رجع التلميذان إلى بيتهما. (يوحنا 20/1-9)

 

التأمل

 

من أين يأتي الإيمان؟ لا شكّ أنه من السماع، أي أنّ شهادة الآخرين تشكّل حافزا لكي نقبل حقيقة الإيمان ونعتنقها. والسماع مهمّ جدا، لأنه دخول في مجال الآخر، في اختباراته ومميزات حياته الشخصية، وهو كذلك ذهاب أبعد مما يُسمع لكي نبني اختبارنا الشخصي على أساس ما هو خاص بنا... لكن الإيمان بالحدث الأساس في المسيحية، حدث القيامة يكون بأن نرى. هل هذا يلغي أهمية السماع؟  طبعا لا، إنه يعمّقه. واقعيا ما هي الرؤية؟  إنّها تتعلق بذلك التلميذ الذي يحبّه الربّ، والذي ذهب مسرعا إلى القبر برفقة الصخر بطرس ليبحث عن جسد يسوع. في قلب هذا التلميذ طواعية وانفتاح على المطلق، على الجديد.  فهو يرى فيؤمن. ماذا يرى؟ قبرا فارغا. كيف يمكن لقبر فارغ أن يكون علامة قيامة من بين الأموات وتأكيدا لسيادة يسوع؟ هنا يكمن الحدث. هذا التلميذ قد اختبر ظلمة الإيمان إذ رأى يسوع في كل خبرة الآلام حتى الصليب والموت. لقد اختبر أزمة الفشل والانكسار أمام قوات الظلمة والظلم. وهو نفسه مَن رأى وآمن. لم يستسلم لاختبار الالتباس والعبثيّة. لم يضع لائحة بالشواهد التي تؤكّد القيامة وأخرى بما ينكرها! لم يُناقش العلامات مع بطرس، ولم يتقوقع في عالمه الداخليّ ليقدّر ويفكّر ويميّز! بل جابه الواقع بأكبر تحدٍّ تاريخيّ غيّر مجرى البشرية. رأى وآمن.  اختبر حضور القائم من بين الأموات بسبب غياب جسده. لمس في قلب المكان والزمان حدثا يعلو الأين والآن، وانتقل من جهالة الصليب إلى جنون القيامة.  نعم المسيح قام! ترانا اليوم أمام الموقف عينه: كيف يمكننا الإيمان بالقيامة، بيسوع القائم من بين الأموات؟ كثيرا ما نفكّر ونحلّل، ولكننا لا نخلص إلى نتيجة، لا نرفض يسوع، ولا نقبله، يُخدّرنا التباس الحدث، ويعوقنا منطق عالم الحداثة من أن "نرى" لنؤمن. ليست أسباب الإيمان في الخارج، هي في عمق أعماقنا. هي مقدرة على الرؤية، مقدرة على الفهم عندما تسوء الرؤية ويصعب الفهم. أن نرى يعني أن نترك ذواتنا يَغْزوها الحدث، والحدث شخصٌ حيّ يخلب الكيان يجدّده ويقدّسه. أرى وأؤمن من دون لماذا! فقط لأني أختبر الظلمة ولا أرى فيها إلا النور. المجد لقيامتك يا يسوع.  آمين. (إعداد الأب مارون الشدياق المريمي)








All the contents on this site are copyrighted ©.