2008-02-09 16:07:58

البطريرك صفير يترأس القداس الإلهي لمناسبة عيد مار مارون


ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار نصرالله بطرس صفير القداس الإلهي صباح اليوم السبت في كنيسة السيدة في الصرح البطريريكي في بكركي لبنان، لمناسبة عيد مار مارون، والقى عظة قال فيها: نؤمن أن الله لا يترك خائفيه، وأن مار مارون يشفع لدى الله بشعبه حيثما استقر، ولذلك انا واثقون بان الكلمة الاخيرة لن تكون للكراهية والحقد بل للمحبة والوفاق. المزيد من التفاصيل في تقرير مراسلنا في بيروت. RealAudioMP3

 

عظة البطريرك صفير بعنوان "اما انت فقد تبعت تسليمي":

"نحتفل اليوم بعيد أبينا القديس مارون، وهو ينطبق عليه ما كتبه بولس الرسول الى تلميذه طيموتاوس بقوله له:"أما أنت فقد تبعت تعليمي، وسيرتي، وقصدي، وايماني، وأناتي، ومحبتي، وثباتي". أجل ان القديس مارون تبع تعليم القديس بولس الذي تبع بدوره تعليم السيد المسيح. وتعليم السيد المسيح معروف، وقد طبقه على ذاته، قبل أن يسأل الناس تطبيقه على ذواتهم. وتعليم المسيح يمكن اختصاره بثلاث كلمات: الانقطاع الى عبادة الله، والاهتمام بحاجات القريب، ومحاربة الباطل وأهل الضلال.

الانقطاع الى عبادة الله

القديس مارون الذي عاش ما بين سنة 350 و410 انقطع الى عبادة الله، على مثال السيد المسيح الذي قال: "ان طعامي أن أعمل لا مشيئتي بل مشيئة من أرسلني، وأن أتم عمله". وترك العالم، واعتزل في نواحي حلب، في سوريا، تحت خيمة لا تكاد تقيه حر الصيف وبرد الشتاء، وكان الناس يتقاطرون اليه لطلب صلاته وشفاعته، وكان يجترح العجائب، ويلبي طلب الذين يأتون اليه، اذا كانوا أهلا لنيل ما يطلبون من نعم الله. وللقديسين أساليب مختلفة للعمل بمشيئة الله. وكان من بينهم في أجيال الكنيسة الاولى من يلجأون الى المغاور والكهوف هربا من مغريات الدنيا، والتماسا لوجه الله، وحده دون سواه. ووادي قنوبين، المكني بوادي القديسين، وما فيه من مغاور، يشهد على هذا النمط من الحياة. وقد وصفهم بولس الرسول بقوله انهم: "ذاقوا الهزء والجلد وأيضا القيود والسجن، ورجموا، ونشروا، وماتوا بحد السيف، وهاموا على وجوههم، لابسين جلود الغنم والماعز، وهم محتاجون، ومضايقون، ومدللون، ...هم الذين لم يكن العالم يستحقهم". أجل ان طريق القداسة ليست سهلة. لذلك قال السيد المسيح: "ادخلوا من الباب الضيف: لأنه واسع الباب، ورحب الطريق الذي يؤدي الى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه". ولكن الطريق الضيق يفضي الى سعادة أبدية، على ما قال السيد المسيح عينه: "ما أضيق الباب وأحرج الطريق الذي يؤدي الى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه". والقديس مارون اختار هذا الطريق الذي يؤدي الى الحياة".

الاهتمام بحاجات القريب

ان الذين عاصروا القديس مارون، ومن بينهم قديسون على مثاله، شهدوا له بأنه كان رجل الله. وما كان ليفصل عبادته تعالى عن تلبية حاجات الناس. ويقول توادوريطوس اسقف قورش، وكان معاصرا للقديس مارون، ان الجماهير أقبلت على هذا القديس من كل صوب. وكان يشفي أمراض الجسد والنفس بأدوية تناسبها حتى كثر عدد تلاميذه. وقد خلع عليه الاسقف المشار اليه ألقابا توحي بالاحترام منها أنه لقبه ب"مارون الأسمى"، و"مارون العظيم"، و"مارون الالهي". وكان يشفي أنواع الامراض، ودواؤه لم يكن الا الصلاة، ودعوة اسم الرب يسوع. وبعد وفاته تنازع أهل الجوار جثمانه، والذين أخذوه بنوا هيكلا، وبعد ذلك ديرا، على اسمه. مات القديس مارون منذ ألف وستمائة سنة ولكن اسمه لا يزال يذكر في جميع الكنائس المارونية المنتشرة في مجمل بلدان العالم. وأبناؤه اليوم يعيدون له بمجالي التكريم، ويستشفعونه بايمان بما له من شفاعة لدى الله. لكن العيد لا يقوم على المظاهر الخارجية، انما على العودة الصادقة الى الله، والقريب، بمغفرة الاساءة، والعزم الثابت على العودة عنها، وبمد يد المساعدة له اذا كان يشكو الحاجة، على ما يقول الكتاب المقدس: "حب الله من كل القلب، وكل العقل، وكل القوة، وحب القريب كالنفس، هما أفضل من كل الذبائح والمحرقات". ولكن المحبة لتكون محبة صادقة يجب ان تترجم بالمساعدة الحقيقية، والمحبة الحقيقية لا تكون باللسان، ولا تكون بالكلام، على ما يقول القديس يوحنا: "ايها الابناء، لا تكن محبتنا بالكلام أو باللسان، بل بالعمل والحق". على مثال القديس مارون.

ومحاربة الباطل وأهل الضلال

ان القداسة والباطل لا يأتلفان، لذلك يقول بولس الرسول: "اخلعوا عنكم الانسان العتيق الذي أفسدته الشهوات الخداعة، في سيرتكم الاولى، وتجددوا في أذهانكم تجددا روحيا، والبسوا الانسان الجديد، الانسان الذي خلق على مثال الله، في البر وقداسة الحق".

ان ما نعيشه في هذه الايام يبعد بنا كل البعد عن تعاليم الانجيل، فنرى الناس يتراشقون بالنابي من الكلام، بغية التجريح والتهشيم، بدلا من أن يعملوا بوصية الله القائلة: "أحبوا بعضكم بعضا كما انا احببتكم". وهم يظنون انهم بهذه الطريقة يتغلبون على خصومهم، وينقذون الوطن. ولا يعلمون انهم يسيرون عكس السير. واذا ظلوا يسيرون على هذا الطريق فان العاقبة معروفة وهي وخيمة ولا حاجة الى التوقف عندها. فهي تقود الوطن حتما الى الهلاك. ولكننا على الرغم من كل العوائق، نؤمن ان الله لا يترك خائفيه، وان مار مارون يشفع لدى الله بشعبه حيثما استقر، ولذلك انا واثقون بان الكلمة الاخيرة لن تكون للكراهية والحقد بل للمحبة والوفاق.وانا اذ نهنئكم جميعا بعيد أبينا القديس مارون، نسأل الله بشفاعته ان يسكب في قلوبنا محبته تعالى، ومحبة بعضنا بعضا، لنتمكن من المحافظة على وطننا لبنان ليبقى كما تركه لنا آباؤنا واجدادنا وطن الحرية والالفة والمحبة والسلام".








All the contents on this site are copyrighted ©.