2008-01-30 15:59:31

قراءة من القديس أغسطينس (+430)


صلاة إلى الخالق

 

أيها الحقيقة الأزلية والحب السرمدي، أنت إلهي؛ إليك أزفر ليل نهار؛ وما أن عرفتك لأول مرة حتى رفعتني إليك لتريني ما يجب عليّ أن أراه دون أن أستطيع إلى ذلك سبيلا؛ وبهرت عينيّ الضعيفتين بإشعاعك الساطع وارتجفتُ حبا وخوفا مقدسا، بعيدا عنك، غريبا عن جوارك؛ وكأني كنت أسمع في ذلك المحل صوتك يهتف من الأعالي: "أنا غذاء اليافعين، كن كبيرا لتأكلني؛ لن تحولني إليك كالطعام بل أنت تتحول إليّ".

وعلمت أنك طهرت الإنسان من رجسه وجفّفت نفسي كنسيج العنكبوت فقلتُ: "أصحيح أن الحقيقة ليست شيئا لأنها لا تمتد في الفضاء المحدود أو اللامحدود؟" وصرختَ بي من بعيد: "أنا هو الذي هو". وسمعتُ قولك وكأنه في القلب ولم يعد أمامي باب للشك؛ وأصبح الشك من حياتي أسهل عليّ من الشك بالحقيقة التي انكشفت أمام العقل من خلال المخلوقات.

وتطلعت إلى ما هو دونك من المخلوقات فأدركتُ أنها ليست وجودا مطلقا ولا عدما مطلقا. هي موجودة لأنها منك، وغير موجودة لأنها ليست أنت؛ الوجود الصحيح هو الذي يبقى ولا يتغير؛ "وأنا فحسن لي القرب من الله" (مز 73/28)؛ فإن لم أثبت فيه، لن أثبت في ذاتي؛ أما هو فإنه ثابت في ذاته ويجدد كل شيء (حك 7/27) وأنت يا سيدي لا تحتاج إلى خيراتي (مز 15/2).








All the contents on this site are copyrighted ©.