2007-10-07 13:49:29

البطريرك الماروني يدعو إلى مواجهة الاستحقاق الرئاسي في لبنان بوعي وجدية


ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار نصرالله بطرس صفير قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي لبنان، وألقى عظة دعا فيها إلى مواجهة الاستحقاق الرئاسية بوعي وجدية. المزيد في التفاصيل في تقرير مراسلنا في بيروت.RealAudioMP3

 

العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى البطريرك صفير عظة بعنوان: "طوبى لذلك الذي يأتي سيده فيجده فاعلا هكذا" تحدث فيها عن العبد الامين الحكيم الذي اظهر امانته وحكمته بقيامه بما عليه من مسؤولية... فرفع من مرتيته واقامه وكيلا على كل املاكه, ولكن اذا اصيب هذا الوكيل بداء العظمة وراح يستبد برفاقه, فاذا جاء سيده, فيما لم يكن ينتظر مجيئه فانه سرعان ما يفصله عن خدمته و"يكون البكاء وصرير الاسنان", وهذه هي الحال عندنا وحال كل منا, وهنا نص العظة: "يتحدث انجيل اليوم عن العبد الامين الحكيم. وقد اظهر امانته وحكمته بقيامه بما عليه من مسؤولية, وكان سيده قد اقامه وكيلا على بني بيته ليعطيهم الطعام في حينه. وعاد سيده من السفر فوجد انه يقوم بواجبات وظيفته, فاراد ان يرفع مرتبته, فاقامه وكيلا على جميع ممتلكاته. وكان وكيلا على بيت سيده فقط, فاذا به يصبح وكيلا على كل املاكه واعماله.

ولكن اذا اصيب هذا الوكيل بداء العظمة, وحسب انه اصبح مطلق الصلاحية يتصرف باملاك سيده كما يحلو له, وراح يستبد برفاقه ويضربهم, ويؤاكل السكارى ويشاربهم, كأنه اصبح الامر الناهي, ولا يد فوق يده, فاذا جاء سيده, فيما لم يكن ينتظر مجيئه, ووجده فاعلا هكذا, فانه سرعان ما يفصله عن خدمته, ويجعل نصيبه مع المرائين. هناك يكون البكاء وصريف الاسنان.

هذه هي حال كل منا. ان الله وكل الينا جانبا من املاكه وشؤونه, فعلينا ان نقوم بما وكل الينا, ولكن اذا اهملنا, او تقاعسنا, وتصرفنا تصرفا غير لائق او حكيم تجاه من وضعهم تحت سلطتنا, فهو سيأتي, واذا وجد انا اسأنا التصرف, فانه سيفصلنا عن خدمته, وهناك تكون الندامة الكبرى. هذا المثل يصح على كل منا. فلنكن حذرين, متيقظين.

وننتقل الى الكلام عن الزواج وعدم انحلاله في الدين المسيحي. هذه هي ارادة الله فيه. لقد مرت فترة في العهد القديم سمح فيها موسى والانبياء بالطلاق, وجاء المسيح, فرد الشريعة الى بهائها الاول, فمنع الطلاق الا في حال الخيانة الثابتة. وهذا ما نريد ان نشرحه اليوم.

عدم انفصام الازواج

منذ العهد القديم حتى ايامنا هذه, أثارت مسألتا الطلاق وعدم فسخ الزواج جدلا كبيرا. لكن يسوع المسيح القى ضوءا على هذه المسألة التي ابانت الدروس التاريخية والتفاسير الكتابية ما فيها من صعوبة. وسهولة الطلاق تظهر ما في تعليم السيد المسيح من تحد. وبالنسبة الى الذين ارادوا ان ينصبوا شركا للسيد المسيح, لم يكن الطلاق سوى فعل صادر من جهة واحدة عن ارادة انسان لا يريد ان يمارس حقه على امرأته. والمسيح لم يرفض الطلاق القائم على هذه الحجة وحسب, بل رذل مفهوم الزواج الكامن تحته. فقال المعلم: في البدء لم يكن هكذا. وكان الرجل والمرأة متساويين من حيث الكرامة: وكان الزواج يولي الرجل حقا على المرأة, ويولي المرأة حقا على الرجل. ويظهر الحب البشري هكذا بكل ما فيه من وضوح, كشعاع من الحب الذي لا حد له عن الذي يجمع بين اشخاص الثالوث الاقدس., فالمسألة لا تتعلق اذا بسلطة الرجل المطلقة ومن جهة واحدة على المرأة, ولا على العكس, بسلطة المرأة على الرجل.

والارادة البشرية لا يمكنها أن تسود القران الذي باركه الله. والطلاق، كما هو اليوم، وكما يشرعه غالبا القانون المدني، ليس سوى امتداد لمفهوم الفريسيين الذي يقول بأن للرجل الحق ليس فقط في أن يطلق امرأته، بل أيضا للمرأة أيضا الحق في أن تطلق قرينها. وصيغتا الزنى هاتان تأخذان طابعين متوازيين عندما يطلق الرجل والمرأة أحدهما الآخر، على حد سواء، عن رضى متبادل فالطلاق ليس اذن انتفاء البقاء معا فقط، وهو بقاء أظهره التزام علني واحتفالي، بل هو محاولة محكومة بالفشل منذ البدء، لفصل ما جمعه الله. والمطلوب تحديد معنى لفظة زنى التي لا تعني زنى بحصر المعنى بل علاقة غير جائزة وبين ذوي قربى على ما ورد في الفصل الثامن عشر من كتاب الاحبار.

وهو يقود الى تخطي الممارسة اليهودية الشرعية المتأخرة، التي وصفها كلام يسوع المسيح بالغير كافية. وموقف يسوع المسيح الصارم صار ممكنا وواقعيا لأن الانجيل هو الغفران الخلاصي الذي يكشف عن قدرة الله في الزمن. وهذا هو مصدر الموقف الجديد جوهريا من المرأة: فهي ليست ملكا لقرينها، بل رفيقته، متوازية في الكرامة بالنسبة اليه والى الله.

- سؤال الفريسيين

سأل الفريسيون، على ما ورد في انجيل القديس متى، يسوع ما اذا كان يجوز للانسان أن يطلق امرأته لأجل كل علة؟ وقالوا ذلك ليجربوه، وليعرفوا على اية مدرسة من المدارس اليهودية يوافق: الى مدرسة السيد شماي (الذي كان يقبل بالطلاق فقط في بعض حالات)، أم الى مدرسة السيد هلال (الذي كان يقبل بالطلاق لاي سبب كان مثلا لقلة خبرة المرأة في الطبخ). فاجاب يسوع على الفور، قافزا فوق مواقف المدرستين وشروحاتهم الطويلة، وعاد الى قصد الله الاول من الزواج، فأجابهم على الفور: الم تقرأوا أن الخالق منذ البدء خلقهم ذكرا وأنثى وقال: "من أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمه، ويلتزم امرأته ويكونان كلاهما جسدا واحدا، فما هما بعد اثنين، بل جسد واحد. وما جمعه الله، لا يفرقه انسان".

وفهم الفريسيون أن المسيح تخطى أفكارهم، وحاولوا مرة أخيرة أن يقولا له: "لماذا أمر موسى اذن بأن تعطى المرأة كتاب طلاق وتصرف؟" وصحح السيد المسيح السؤال بعوده مجددا الى المشروع الاول، فقال: "ان موسى لم يأمر بهذه القاعدة، بل سمح بها فقط "لقساوة قلوبكم، غير أنه في البدء لم يكن هكذا". وتابع قائلا: " لهذا اقول لكم من طلق امرأته لغير علة زنى، وتزوج أخرى، فقد زنى".

ان الفقرات من انجيل القديس متى 5:32 التي تقول ما عدا حالة الزنى، وفي متى 9:19" ليس من اجل حالة الزنى، لم تردا في انجيلي القديسين مرقس ولوقا. وفي الغالب ظن ان الصيغة البسيطة التي وردت في مرقس ولوقا تمثل التقليد الاقدم، وان الفقرة في النصين ترجع الى انجيل متى. ويبدو غريبا ان متى في هذه الحالة، امتنع عن التمسك بالتوراة، وهذه نزعة يميل اليها عادة. ولكن السيد المسيح في انجيلي مرقس ومتى يتحدث عن عدم انفصام الزواج بطريقة جازمة واضحة، قائلا ان هذه هي ارادة الله ويطلب يسوع بحسب رسالة القديس بولس الى اهل روما عدم حل الزواج.
العودة الى الاصل

وهكذا فهو يرفض الممارسة اليهودية التي تتكلم عن الطلاق كأنه حق طبيعي للرجل يمارسه بارادته ساعة يشاء، باعطائه فقط زوجته كتاب طلاق، وعلى اساس هذا الكتاب بامكانها ان تتزوج ثانية من تشاء. والنص الذي يستند اليه الكتبة من اجل كل نقاش لاحق يقوم على الفقرة الاولى من الفصل الرابع والعشرين من سفر تثنية الاشتراع الذي يقول: اذا اتخذ رجل امرأة، وصار لها بعلا، ثم لم تحظ عنده لعيب انكره عليها، فليكتب لها كتاب طلاق ويدفعه الى يدها ويصرفها من بيته". ان مدرسة الحاخام شماعي كانت ترى في عبارة "لاي سبب" شيئا مرفوضا ادبيا. اما الحاخام هلال فكان يرى في هذه اللفظة سبب خلاف كأن تكون المراة قد تسببت باحراق الطعام. ومتى وحده اورد هذه العبارات التي كانت مثار جدل.

وفي عهد الانبياء كان الرجل باستطاعته ان يغفر لزوجته خيانتها. على ما ورد في هوشع. اما في عهد السيد المسيح، فان الشريعة اصبحت ملزمة: فالمرأة الخائنة لا يمكنها ان تقيم علاقات لا مع زوجها ولا مع من استدرجها: وكان زوجها ملزما باطلاقها.

ان مفتاح شرح هذه الآيات هو عودة يسوع المسيح المستمرة الى مشروع الله الاساسي الخاص بالزواج، الذي يشدد على ارادته في اعادة كرامة الزواج الى عهده الاول، واضفاء جدة انجيل الخلاص عليه: وهو زواج بامرأة واحدة، وزواج واحد وغير قابل للانحلال، اسسه الله وتقبله الانسان كعطية تجب المحافظة عليها واحترامها. "وليسا بعد اثنين بل جسد واحد، وما جمعه الله اذن لا يفرقه الانسان". وفي الواقع ان الزواج كما يراه الكتاب المقدس في العهد القديم ليس مؤسسة فقط بشرية بل انه تعبير عن قصد الله: انه واقع اراده الله الخالق لصالح الرجل والمرأة، وفي النهاية لصالح البشرية جمعاء. وهذا ما اعلنه السيد المسيح عن الزواج: فأعاد اليه وحدته الاولية السابقة.

الزواج في الاصل ليس مؤسسة بشرية، على الرغم مما طرأ عليه من تغييرات على مر الزمن بحسب اختلاف الثقافات والبنى الاجتماعية، والمواقف الروحية. وهذا التنوع يجب الا ينسينا ما في الزواج من قواسم مشترك ودائمة. وعلى الرغم من ان كرامة هذه المؤسسة لا تبدو دائما بالوضوح عينه، غير ان هناك، في كل الثقافات ما يدل على عظمة الاتحاد الزواجي. لان طمأنينة الشخص والمجتمع مرتبطة بازدهار الجماعة الزواجية والعائلية.

وقد رفع السيد المسيح الزواج الى مقام سر يجري بواسطته ما يحتاج اليه الزوجان من معونة الله ومساعدته ليقوما بما عليهما من مسؤوليات احدهما تجاه الآخر، وكليهما تجاه من يرزقهما الله من بنين.

وقد غابت فكرة السر، في ما خص الزواج، عن اذهان الكثيرين من المسيحيين، فراحوا يعقدون زواجات ويفسخونها على هواهم، وهذا مفسدة للعائلة والمجتمع.

ولعل ما نشكوه في هذه الايام من تراخ في العقائد قد اصاب المؤسسات البشرية كمؤسسة رئاسة الجمهورية وما سواها من مؤسسات الدولة. والرئاسة مؤسسة تستأهل، لا بل تستوجب الاحترام والتقدير، فاذا نالها قدر من الامتهان، وتساهل المسؤولون عنها في ما يجب لها من حصانة، انعكس ذلك كله على مجمل مؤسسات الوطن، لا بل على الوطن بمجمله، لذلك يجب مواجهة هذا الاستحقاق الرئاسي بالكثير من الوعي والجدية والاهتمام.
وانا نصلي لينير الله عقول المسؤولين عن هذا الاستحقاق ليقوموا به بما يرضي ضميرهم ووطنهم والاجيال الطالعة، ويقيهم ما نال سواهم من اقرانهم، وهو مفجع لذويهم وللوطن".








All the contents on this site are copyrighted ©.