2007-04-23 16:17:02

البطريرك صفير: أعمالنا تطبعنا وتتبعنا، فمن يعمل خيرًا ينل أجرا، ومن يعمل شرًا ينل عقابا أليما


ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير قداس الاحد في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطران شكر الله حرب والقيم البطريركي العام الخوري جوزف البواري في حضور حشد من المؤمنين.

بعد الانجيل المقدس، القى البطريرك صفير عظة بعنوان"امكث معنا"، تحدث فيها عن ظهور المسيح لتلميذي عماوس بعد صلبه وموته"، ثم انتقل الى الحديث عن الخيار المر، وهو يفترض الحرية التي هي اثمن عطايا الله للانسان. وجاء في العظة:"انجيل اليوم يتحدث عن ظهور المسيح لتلميذي عماوس بعد صلبه وموته. وكانا ذاهبين في طريقهما الى قريتهما التي تدعى عماوس. وكان حديثهما يدور على صلب يسوع وموته ودفنه. واذا بيسوع يظهر لهما فجأة فلم يعرفاه، وسألهما عما يتحادثان، فقال له أحدهما :هل انت وحدك غريب عن أورشليم؟ أفلا تعلم ما حدث فيها في هذه الأيام؟ وراحا يحدثانه عن صلبه. وعلامات اليأس بادية على وجهيهما، وأخبراه بما كان من أمر النسوة اللواتي ذهبن الى القبر فوجدنه فارغا. واذا به يفاجئهما بقوله لهما: "يا عديمي الفهم، وبطيئي القلب في الايمان بكل ما تكلم به الأنبياء. وتابع قائلا: أما كان يجب على المسيح أن يعاني تلك الآلام، ثم يدخل في مجده؟ وراح يفسر لهما الكتب حتى اقتربوا من القرية التي كانا ذاهبين اليها. تظاهر بأنه ذاهب الى مكان أبعد، فتمسكا به قائلين: "أمكث معنا، فقد حان المساء، ومال النهار" فدخل ليمكث معهما. وعندما أخذ الخبز وبارك وكسر وناولهما، انفتحت أعينهما وعرفاه فاذا به يتوارى عنهما.

ما أحرانا ان نتوجه الى السيد المسيح في هذه الأيام الشديدة الصعوبة التي نعيشها في بلدنا لنقول له ما قاله له تلميذا عماوس:"أمكث معنا فقد حان المساء، وبعد المساء سيأتي الظلام، ونحن في أمس الحاجة الى نور سماوي يخرجنا من ظلمتنا ونورنا هو المسيح الحي.

وننتقل الى الحديث عن الخيار الحر، وهو يفترض الحرية التي هي أثمن عطايا الله للانسان. ونتحدث عن الخيارات الصغيرة والكبيرة مستشهدين بأقوال المثلث الرحمة البابا يوحنا بولس الثاني.

أعمالنا تطبعنا

انا عبر الأفعال التي نختار القيام بها بحرية، نمنح أنفسنا هويتها ككائنات أدبية في السراء والضراء. وهذه الهوية تقيم فينا وتصبح جزءا منا حتى نقوم بخيارات مضادة. وهكذا اذا اختار احد الناس ان يقوم بفعل زنى يصبح زانيا_ وهذا ما أشار اليه السيد المسيح بقوله: "كل من ينظر الى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه"-. ويبقى زانيا في داخله، مستعدا لارتكاب هذا الفعل، حتى يغير رأيه ويكفر عن فعلته باختيار أخر حر وذاتي، اذ ذاك يصبح زانيا نادما وعازما، من خلال خياراته الحرة، وبعون الله ونعمته، التي لا تخذل أحدا، على تبديل حياته، وعلى ان يكون زوجا امينا ومخلصا.
وقد شرح المثلث الرحمة البابا يوحنا بولس الثاني شرحا يستدعي الاعجاب معنى الأفعال البشرية المختارة بحرية، التي تحدد الذات بقوله: "ان الانسان يصل الى ملء الكمال عبر أعماله". ويتابع قائلا: "ان الافعال البشرية هي أفعال أدبية لأنها تعبر عن جودة الانسان الذي يقوم بها او عن خبثه، وتحددها. تصف أدبيا الشخص، وتعبر عن وجهه الروحي العميق".

ويمكننا القول ان الأفعال المختارة بحرية هي "كالكلمات" التي ننطق بها، والتي نخلع عبرها على أنفسنا شخصيتنا الأدبية، وهويتنا بوصفنا كائنات أدبية. وفي الواقع، ان شخصيتنا أو هويتنا ككائنات أدبية يمكن ان تتماهى بحق وهوية الشخص الوجودية التامة- أي الشخص الكامل بكل أبعاده المرسومة بخيارات صالحة او سيئة أدبيا، ومعتبرة كاستعدات للقيام بخيارات مستقبلية".

الخيارات الصغيرة والكبيرة و"الارتباطات" ونظرية الخيار الأساسي

كل خياراتنا الحرة هي خيارات نحدد فيها ذواتنا، غير ان هناك خيارات يمكننا ان نصفها بصغيرة، بينما نصف سواها بخيارات او التزامات كبيرة، هامة. وتحدد الخيارات الصغيرة هذه او تلك من نواحي وجودنا، فيما الخيارات الكبيرة او الهامة تحددنا تحديدا أعمق، وبعضها أي الخيارات الأساسية تكسب وجودنا بكامله شكلا معينا.

ويمكننا أن نبرهن عن الخيارات الصغيرة بقولنا مثلا: انني أختار أن أشرب القهوة السوداء أي دون اضافة أي شيء عليها. وبهذا الاختيار أجعل من نفسي شارب قهوة سوداء حتى أختار بحرية أن أضيف عليها الحليب او السكر، او الاثنين معا. وباستطاعةأحدهم أن يكذب على زوجته كذبات صغيرة تلافيا لعواقب وخيمة، كأن يقول لها مثلا "أني أودعت البريد كتابا كانت قد طلبت مني أن اودعه البريد، أو قد نسيت أن أفعل ذلك، غير ان في نيتي أن أفعل ذلك في أقرب وقت. وباختياري أن أقوم بهذه الكذبة،أصبحت كذابا مستعدا للكذب في ظروف مشابهة في المستقبل. اقتراف كذبة صغيرة (بشأن أمر بسيط ويعتبر بالتالي خطيئة عرضية) انما هو حالة اختيار صغير. ان أختار الحنث بيميني، أي ان أكذب بعد قسم اليمين امام المحكمة، انما هو خلافا لما سبق، خيار هام لأن مسألة الكذب هنا خطيرة، ولأن اختيار الكذب بهذه الطريقة يجعل مني حانثا للقسم، مستعدا في حالات خطيرة أن أكذب، اذا وجدتني في ظروف مماثلة.

يجب التمييز في الخيارات الهامة ما يدعى التزاما. ان البابا يوحنا بولس الثاني، لدى بحثه الدقيق في بعض نظريات تتعلق بخيارات أساسية في رسالته: تألق الحقيقة، يشير الى انه من العدل تسليط الضوء على "أهمية بعض خيارات تعطي حياة أحد الأشخاص الأدبية بكاملها، شكلها، وانها تعتبر اطارا باستطاعة خيارات أخرى يومية ان تكون ضمنها وتتنامى فيها". وهو يعترف هنا بما لبعض خيارات من أهمية أدبية حاسمة، ويمكن تسميتها بحق التزامات أو خيارات أساسية.

واختيار الشخص ان يكون متزوجا او كاهنا او راهبا، او عضوا في عصابة هو نوع من هذا الصنف، عندما يتزوج رجل أو أمراة، باختيارهما بحرية بأن يهب أحدهماالاخر دونما نكول في شراكة حياة ومحبة حميمة، فهما يلتزمان بهذا الاختيار بنوع حياة -الحياة الزوجية- وهذا يشكل بالنسبة اليهما الزاما أدبيا بادخال خيارات أخرى في هذا الالتزام. وبهذه الطريقة عينها، يصبح من واجبهما الا يقوما باختيار ينافي هذا الالتزام الأساسي. فهما قد التزما أحدهما تجاه الآخر بحياة أمانة مطلقة، وباستعدادهما لقبول أولاد بمحبة، وبتنشئتهم بحنان، وبتربيتهم تربية دينية، أي في محبة الله والقريب وخدمتهما، والعيش معا في أيام النعم والبؤس، وفي الصحة والمرض، وفي الفقر والغنى، حتى يفرق بينهما الموت".

طاعة الايمان

ان البابا يوحنا بولس الثاني في هذا المقطع من "تألق الحقيقة" يتابع القول بتعليمه ان "حرية الخيار" المعترف بها على انها الاساس في العقيدة الأدبية المسيحية بما فيها جذورها الكتابية، انما هي قرار الايمان أي طاعة الايمان، على ما يقول بولس الرسول. فباختيار حر، يتابع القول، مستشهدا بالمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الذي يستشهد بدوره بالمجمع الفاتيكاني الأول: ان الانسان يكل نفسه بكاملها الى الله وبحرية تامة، "في فعل عرفان جميل تام يشمل العقل والارادة"، وذلك الى الله كما كشف عن نفسه. ويتابع البابا قائلا بما ان الايمان تعهد تجاه الله بتقديم ثمرة أعمال نقوم بها، فيطلب منا ان نحافظ على الوصايا واتباع يسوع حتى نبذل حياتنا من أجله ومن اجل الانجيل.

ومن كل ما تقدم نستنتج ان خيار المسيحي الاساسي هو التزامه بعماده، وهذه حرية خيار نوعي يلتزم بها المسيحي التاما حرا بأن يحيا حياة اتحاد بيسوع المسيح. بهذا الاختيار وعبره، أي بفعل طاعة واثقة، يختار المسيحي اختيارا حرا ان يشارك في مهمة المسيح الفدائية، وان يتم في جسده الذي هو الكنيسة، ما نقص من آلام المسيح. في المعمودية وبها يدفق المسيح في قلوبنا حياته ومحبته. ونحن باختيارنا اختيارا حرا قبول هذه الهبة الألهية، التي ورثناها بفضل استحقاق موت المسيح الخلاصي وقيامته، فانا نلتزم بدورنا بأن نعاون فادينا في رسالته بحيث نصل كلنا "الى وحدة الايمان، وفي معرفة ابن الله في حال نضوج، وعلى قياس قامة المسيح وملئها"، الى ان "يغير يسوع جسدنا الممتهن الى جسده المجيد، بالقوة التي تسمح له بأن يخضع كل شيء". وهذا هو خيار المسيحي الاساسي، وهو خيار يعطي حياته كلها شكلها ويكون اطارا بامكان خيارات اخرى يومية خاصة ان تقوم ضمنه وتتنامى. على المسيحي ان يسعى دائما الى دمج جميع خياراته اليومية في هذا الالتزام الأساسي. ان بعض الخيارات -التي هي خطايا مميتة - لا تتوافق وهذا الالتزام. وهناك خطايا عرضية بسيطة، وان بقيت نوعا ما متوافقة وهذا الالتزام،غير انها لا تتوافق، من اجل ذلك تماما، وهذا الالتزام، ان المسيحي يؤمن بالقداسة حتى يصبح قديسا، وهذه دعوة هو مدعو اليها، بتناميه بواسطة انتمائه الى كل خيار يومي بهذا الالتزام الذي هو قفل الغلق في حياته.

أيها الأخوة والأبناء الأعزاء، أعمالنا تطبعنا وتتبعنا، فمن يعمل خيرا ينل أجرا، ومن يعمل شرا ينل عقابا أليما، ونرى الناس حولنا يمعنون في اقوال وأعمال لا يحسبون معها حسابا لما سيكون لها من ثواب او عقاب. والمسؤولون الأجانب الذين يزوروننا يحارون في كيف يساعدوننا على استئناف حياتنا بطريقة عادية، مقبولة، وكأننا نختلف على كل شيء: على ما هو شرعي وما ليس شرعيا، على الوظائف الرسمية والتعيينات الادارية وعلى الحكومة واعضائها لمعرفة من هو فيها ومن خرج منها، وما اذا كان مستقيلا، وفي الوقت عينه لا يزال يمارس مهامه الوزارية، وعلى المحكمة الدولية في ماذا كانت ستنشأ بموجب الفصل السادس او السابع من شرعة الأمم المتحدة. وتشغر الوظائف وتبقى شاغرة الى ان يتم الوفاق عليها،، وهو يبدو احيانا مستبعدا. وهذه حال توقع اليأس في قلوب المواطنين، وهم في أمس الحاجة الى من ينفحهم بأمل جديد. نسأل الله ان يمدنا بما نرجوه من نفحة أمل".








All the contents on this site are copyrighted ©.