2007-04-09 10:31:41

رسالة بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك لمناسبة عيد الفصح المجيد


النعمة والبركة والسلام في نور المسيح القائم من بين الأموات .

في هذا المساء المبارك، نحتفل بالسر المركزي في إيماننا المسيحي: قيامة السيد المسيح من بين الأموات. في بدء البشرية، رفض الإنسان الطاعة لله. أما يسوع فجاء إلى العالم هاتفا: "ها أنا أجيء لأعمل بمشيئتك يا الله" (عبرانيين 10: 7). وبلغت هذه الطاعة أقصاها في هتاف الابن: "يا أبى، في يديك أستودع روحي" (لوقا 23: 46 ). إنه الجواب الجديد على حب الله، يرفعه يسوع باسم ومن أجل البشرية كلها. وبقيامته، أعطانا المسيح الحي أن نحيا معه إلى الأبد. إن خبرة الإيمان التي عاشتها النساء اللواتي ذهبن إلى قبر يسوع في فجر يوم القيامة، صورة لما نعيشه نحن أيضا في كثير من الأحيان. ذهبن تحملن الطيب الذي أعددنه للمصلوب الميت. وإذا بالملاك يعلن لهن: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات ما هو هنا، بل قام". لقد قام. إنه حي. "فرجعن من القبر، وأخبرن التلاميذ الأحد عشر والآخرين كلـَّهم بما حدث". ونحن أيضا، كثيرا ما يحدث أننا نبحث عن يسوع المائت والموضوع في القبر، وننسى أنه حي قام من بين الأموات. نتوقـّف باكين يائسين عند الجمعة العظيمة، ولا نخطو الخطوة التي تحملنا إلى فجر أحد القيامة.

تنتهي خطواتنا عند القبر، عندما تتوقف رؤيتنا عند المآسي والدمار والموت، ولا نتخطاها إلى رؤية الخير والبناء والحياة وعندئذ نتساءل: كيف يسمح الله بأن يحدث هذا؟ لماذا الحروب، لماذا الصراعات، لماذا المذابح اليومية في فلسطين والعراق وغيرهما، لماذا قتل الأبرياء، لماذا التفجيرات والحرائق، لماذا قهر القـَوى للضعيف؟ ولماذا السيول والزلازل والفيضانات؟ لماذا عذاب الأطفال الأبرياء؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ في كل مكان وزمان توجد صراعات وحروب، وشرور وحوادث وويلات. وأمامها نسمع هذا السؤال: كيف يتركنا الله ندمّر بعضنا البعض؟ أين الله من كل هذا البغض والعنف والشر؟

أمام هذه  المآسي، يعيش الكثيرون مع صورة إله توقـّف عمله عند جمعة الآلام، التي انتهت بالموت والقبر. ويجدون صعوبة كبيرة في رفع بصرهم ونقل خطواتهم إلى فجر القيامة، حيث الإله الحقيقي، إله القيامة والحياة الدائمة. تدعونا القيامة إلى رؤية جديدة، وإلى موقف إيماني جديد وسط الظلام والشر والدمار والموت، يعمل الله ليفجّر النور والخير والبناء والحياة. الله ليس إله موت. إنه إله حياة ( متى 22: 32 ) . وقيامة المسيح هى الدليل القاطع على ذلك. لماذا نطلب الحي بين الأموات. إنه ليس في القبر، بل قام إنه حي، ويمنح الحياة على الدوام.  

الموت انقضى وانهزم. مسيح اليوم هو مسيح القيامة. لم ولن يدفنه تراب القبر ولا تراب التاريخ. بالقيامة هو حي، وسيبقى حيا إلى الأبد. وبقيامته أعطى لنا القيامة والحياة، كما سبق وأعلن: " أنا هو القيامة والحياة " يوحنا ( 11: 25 ).  

إنه حي في قلوب أهل الخير والعطاء والتضحية، المعروفين منهم وهم قليلون، والمجهولين وما أكثرهم. هو الذي يلهم ويدفع الطبيب إلى أن ينضم إلى قافلة الإغاثة للعناية بضحايا الكوارث. هو الذي يحرّك قلوب الآلاف من المتطوعين، لتأمين المأوى والملبس والمأكل والدواء لضحايا النكبات.هو الذي يلهم الكنائس والجوامع والمدارس وسائر المؤسسات، لتنظـّم حملات تبرعات من أجل المريض واليتيم والفقير والمحروم. إنه حي في شجاعة هذا الضابط الشاب، الذي ضحّى بحياته لينقذ فتاة من ذئاب الشارع. إنه حي في جهاد الآباء والأمهات لبناء مستقبل أبنائهم، وفى كل مَن يؤدى واجبه بأمانة وإخلاص.إنها حياة القيامة في كل خير وسخاء وبذل الذات، في كل حب وتضحية، كثيرا ما تصل إلى البطولة.

إن الملاك الواقف عند القبر الفارغ يعلن لنا مبشرا: لا تخافوا. لا تطلبوا الحي بين الأموات. الله لا تربطه قيود الألم والموت والشر. لقد حطـّم القيود. إنه حي، قام. إنه حي معكم. هو الذي يثير حب السلام في القلوب، فتتجنـّد لخدمة السلام. هو الذي يحرّك نفوس الكثيرين إلى أن ينسوا ذواتهم، ليقدّموا العون والأمل والرجاء لإخوتهم وأخواتهم. هو الذي يعطى الحماس والمثابرة لاؤلئك الذين لا يكلـّون عن العمل من أجل إزالة الحواجز، لمدّ جسور تربط بين الأفراد والجماعات والحضارات والأديان.هو الذي يملأ فرحا قلوب الذين يجدون سعادتهم، في أن يمنحوا الفرح والسعادة للآخرين.

نعم، إنه حي، قام. وهو معكم، يرافقكم، بل يسبقكم على دروب الحياة.إنه يسبقنا ويقودنا إلى كل ما هو خير وبناء وعطاء، إلى كل ما ينقل عالمنا من الظلام إلى النور، من اليأس إلى الرجاء، ومن الموت إلى الحياة.  

 والدور الذي قام به الملاك بالأمس، هو نفس الدور الذي علينا أن نقوم به اليوم. علينا أن نعلن أن المسيح ليس بين الأموات، وإنما هو حي. وهذا ما نعمله في كلمة الكرازة، وفى الاحتفال بالأسرار المقدسة، وفى الحياة وفقا لما علـّمنا يسوع بمثاله ووصاياه. بهذا يتحوّل كل يوم في حياتنا إلى فجر قيامة جديد، نلتقي فيه المسيح الحي، فيرسلنا إلى إخوتنا وأخواتنا، نحمل لهم البشرى العُظمى: المسيح قام. المسيح حي. المسيح معنا.

في هذا المساء المبارك، ونحن نحتفل بقيامة الرب يسوع، أسأل نفسي: ماذا يجب أن أغيّر في فكرى ورؤيتي وحياتي، لأعلن هذه البشرى العظمى؟ فهو يريد أن يرسلني لأكون علامة لقيامته.فلنلتمس من المسيح القائم من بين الأموات أن يدحرج عن قلوبنا كل الأحجار التي تريد أن تحبس نوره.في قبور الشر والألم واليأس.فهو حي قام، ليساعدنا أن ننتصر بدورنا، عن طريق الخير، وبذل الذات، والصفح، والرجاء، وصناعة السلام، والحب إنه حي قام، ليمنحنا النور  والقوة والحياة، لنشرق بها على إخوتنا وأخواتنا، وعلى العالم كله .

قام المسيح … حقا قام !

نصلي في هذا المساء المبارك، متحدين مع قداسة البابا بنديكتوس 16، وجميع إخوتنا البطاركة والأساقفة، ملتمسين من الله تعالى أن يحفظ حياة رئيسنا المحبوب محمد حسنى مبارك، وجميعَ معاونيه الكرام، وأن يؤيّد خطواته ليظل سندا للوطن العزيز، محاميا عن السلام العادل والدائم، داعما للمواطنة والعدالة والرخاء. وليحفظ الله مصر دائما في كل خير وأمن وحب وسلام . وكل عام وأنتم بخير.








All the contents on this site are copyrighted ©.