2007-04-09 10:50:22

رسالة البطريرك غريغوريوس الثالث في عيد القيامة


يا لفرحتي المسيح قام!

بهذه العبارة كان القدّيس سيرافيم ساروف يستقبل في صومعته زوّاره، الذين كانوا يقصدونه للإرشاد وطلب صلاته لأجل شفاء أمراضهم النفسية والجسدية. كانت خبرة فرح القيامة غذاءَه الروحيّ والغذاء الذي يقدّمه لزائريه. إنّها شهقةُ الفرح! كان يُردِّدها القدّيس الروسيّ وأصبحت بلسمًا وعزاءً ورجاءً لجميع زائريه.

دعوة إلى الفرح

أريد من خلال هذه الرسالة الفصحيّة أن نتشارك معًا هذه الفرحة، ونتأمّل في أسبابها فهي "الشراب الجديد الذي نستقيه ليس من صخرةِ موسى الصمَّاء في البرّيّة، ولكن من ينبوع عدم الفساد الفائض من قبر المسيح المندَّى الذي به نتشدّد" (قانون الفصح – التسبحة الثالثة).أناشيد الفصح طافحة بالنداءات الداعية إلى الفرح. إنّنا نسمع يسوع قائلاً لنا كما للنسوة وللرسل: "إفرحوا!" والقدّيس يوحنّا الدمشقيّ يُهيب بنا قائلاً: "لتفرحِ السماوات بحقٍّ ولتبتهج الأرض. وليعيِّد العالم كلُّه. ما يُرى وما لا يُرى. لأنَّ المسيح السرور الأبديَّ قد قام!" (قانون الفصح - التسبحة الأولى). وتتردَّد عبارات الفرح والبهجة والسرور: "فلتعيِّد الخليقة كلُّها لقيامة المسيح التي بها تشدّدت" (التسبحة الثالثة). ومثل داود تدعونا الكنيسة لنرقص في العيد ونسرَّ سرورًا إلهيًّا "لأنَّ المسيح قام" (التسبحة الرابعة). وحتّى الموتى المكبّلون بسلاسل الجحيم "هرعوا يوم القيامة نحو النور راقصين على قدم السرور مصفِّقين للفصح الأبدي" (التسبحة الخامسة).

ونحن مدعوّون "لكي نحمل المصابيح. ونعيِّد مع الطغمات المُحبّة التعييد لفصح إلهنا الخلاصيّ" (التسبحة الخامسة). وتصرخ الكنيسة في نشوة الانتصار هاتفة: "إنّنا نعيِّد لإماتة الموت ولتدمير الحجيم. ولبدء حياة أخرى أبديّة. فلنسبِّح بفرحٍ لعلّة ذلك، إله آبائنا الفائق المجد" (التسبحة السابعة)، وتتابع: "ما أشرف وما أبهج العيد هذه الليلة الخلاصيّة. لتبشيرها بنهار القيامة الباهر الضياء" (التسبحة السابعة)، وتتابع: "هلّم في يوم القيامة البهيج، نشترك في عصير الكرمة الجديد، وفي الفرح الإلهيّ. ثمَّ في ملكوت المسيح" (التسبحة الثامنة). وتخاطب الأناشيد الكنيسةَ ومريم العذراء: "إستنيري! إستنيري! يا أورشليم الجديدة. لأنَّ مجد الربّ أشرق عليكِ. إفرحي الآن وابتهجي يا صهيون (أعني الكنيسة). وأنتِ يا والدة الإله النقيّة. إطربي بقيامة ولدك" (التسبحة التاسعة).

ويطرب المؤمنون في نشوة عارمة هاتفين: "يا ما ألذّ! يا ما أحبّ! يا ما أعذب صوتك الإلهيّ أيّها المسيح. لأنّك وعدتنا وعدًا صادقًا بأن تكون معنا إلى أبد الدهر. فبذا الوعد نعتصم نحن المؤمنين، كمرسى رجاء. ونبتهج مسرورين" (التسبحة التاسعة). هذا هو جوّ الفرح! جوّ القيامة! جوّ العيد الكبير! ونحن أيضًا مع أناشيد قانون الفصح المجيد ومع القدّيس سيرافيم سايروفسكي نهتف: يا لفرحتي! المسيح قام! أسباب فرحتنا بالقيامة في تأملّي في هذه الأناشيد وفي هتاف القدّيس سيرافيم، أكتشف الأسباب الإيمانيّة العميقة لفرحتنا جميعًا في هذا العيد نحن أبناء كنيستنا الأبرشيّة البطريركيّة في كلّ من دمشق والإسكندريّة والقدس، هذه الأبرشيّات التابعة مباشرة لخدمتنا البطريركيّة، وفي كل الأبرشيّات والرعايا، في العالم كلّه. وفي الواقع فإنَّ المؤمن يجد أسبابًا عديدة للشكر والتعييد والفرح، ليس فقط في عيد القيامة بل طيلة أيام حياته. وهذا ما أريد أن يكتشفه أبناء وبنات كنيستنا التي هي حقًّا كنيسة القيامة، "فيدوم فرحهم"، كما يقول لنا يسوع: "لكنّي سأراكم من جديد أيضًا. فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم". (يوحنا 15: 22).

يا لفرحتي المسيح قام!

يا لفرحتي نعيد معًا هذا العام! كلُّ المسيحيين في كلّ العالم! إنه حقًّا عيد مسكونيّ، كونيّ، مسيحيّ، شامل.

يا لفرحتي! المسيح رجائي!

يا لفرحتي!المسيح أملي!

يا لفرحتي! المسيح حياتي!

يا لفرحتي!المسيح حيٌّ فيَّ!

يا لفرحتي! المسيح فاديَّ!

يا لفرحتي! المسيح مخلّصي... نوري... رجائي... تعزيتي...

يا لفرحتي! المسيح وُلد واعتمد وظهر للناس وعاش بينهم وقاسمهم حياتهم. إنّه كلّ يوم حيّ إلى جانبهم. واجترح العجائب لأجل خلاصهم وشفائهم وسعادتهم، لكي تكون لهم الحياة أفضل وبكرامة!

يا لفرحتي!المسيح تألّم لأجلنا وهو حيّ معنا وفينا اليوم أيضًا... لكي نُخفّف آلام الآخرين ونخدمهم ونبعث وننعش الأمل والرجاء في قلوبهم بحياة أكثر سعادة!

يا لفرحتي! المسيح هو حقًّا عمانوئيل! إسماً وفعلاً! وحتّى اليوم، وكلّ يوم هو عمانوئيل... المسيح القائم الحيُّ فينا ومعنا ولأجلنا، ولأجل خلاصنا.

أعيادنا على مدار السنة قيامة يا لفرحتي! إنني أعيش حياة سيّدي وإلهي ومخلّصي وفاديّ وطبيب نفسي وجسدي. أعيش حياته وأختبرها من خلال أعياد السنة الطقسيّة: من البشارة إلى الميلاد إلى دخول السيّد المسيح إلى الهيكل والعماد والغطاس والظهور والتجلّي والقيامة والصعود وحلول الروح في العالم!

يا لفرحتي! المسيح هو عيدي!

يا لفرحتي! إنّني اعتمدت باسم المسيح!

يا لفرحتي! إنّني تميّرنت وخُتمتُ بروح يسوع القدوس.

يا لفرحتي! أتغذّى مرارًا و تكرارًا بجسد المسيح و دمه في المناولة المقدّسة، في القدّاس الإلهيّ. وأشترك هكذا حقًّا بحياة المسيح القائم من بين الأموات. وهكذا يمكنني أن أقول مع بولس الرسول: "أنا حيّ. لا أنا بل المسيح حي ّ فيّ" (غلاطية 2: 20)، ومعه أقول : "الحياة لي هي المسيح".
يا لَفرحتي! إنّني أؤسّس أسرة مسيحيّة من خلال سرّ الزواج المقدّس وأشارك في عمل الله الخالق، لأعطي الحياة لأطفال مخلوقين على صورة الله ومثاله ومدعوّين ليكونوا أعضاءً حيّةً في الرعيّة وفي الكنيسة وفي المجتمع.

يا لفرحتي بالكهنة الذين يلبسون المسيح بالكهنوت المقدّس ويكرِّسون ذواتهم لخدمة الله وخدمة الشعب المؤمن. ويحملون إلى المؤمنين نعمة المسيح المحيية في الأسرار المقدّسة. ويجعلون كلمة الله حيّة في قلوب وضمائر أبناء رعيّتهم.

يا لفرحتي! أنا أومن! و بالإيمان أشترك بقيامة المسيح!

يا لفرحتي! أنا أرجو! و بالرجاء أشترك بقيامة المسيح!

يا لفرحتي! أنا أحبّ! و بالمحبّة أشترك بقيامة المسيح!

يا لفرحتي! أنا أندم وأعود إلى الآب الرحيم وأسترجع حياةَ نعمةٍ جديدة في المسيح!

يا لفرحتي! إنّ المسيح يخلِّصني بالأسرار المقدّسة من خلال الخليقة بكلّ موادّها وعناصرها. لأنَّ المسيح القائم يقدِّس كلّ الطبيعة من خلال رموز النعمة والأسرار المحيية: الماء والزيت والخبز والخمر والنور والشمع والبخور. إنّه يباركني بكلّ بركة سماويّة وأرضيّة! المسيح القائم يجعل كلّ عناصر الطبيعة عامل تقديس وخلاص وفداء وقيامة! يا لفرحتي! الطبيعة كلُّها تقدّست بظهور المسيح الخلاصيّ!

يا لفرحتي! إخوتي البشر كلّهم مخلوقون على صورة الله ومثاله ومدعوّون للخلاص ومشاركة حياة المسيح القائم!

طقوسنا واحتفالاتنا قيامة

يا لفرحتي اليوم في ختام مرحلة الصوم الكبير الذي فيه عشنا مع المسيح القائم نحن المؤمنين في رعايانا خبرة ولذّة الصوم الكبير. أجل عشنا فرحةً روحيّةً كبيرة من خلال صلوات وحفلات الصوم الجميلة التي تتميّز بها طقوس كنيستنا الروميّة الملكيّة. منها: صلاة يا ربّ القوّات الخشوعيّة (النوم الكبرى) وليترّجيّة الأقداس السابق تقديسها (البروجيازمينا) وصلاة المدائح الشعبيّة لأمّنا مريم العذراء التي هي حقًّا مهرجان مريميّ روحيّ إنشاديّ فنّي رائع! وزياح الإيقونات في الأحد الأوّل من الصوم. وزياح ذخائر وبقايا أجساد القدّيسين (في الأحد الثاني من الصوم). وزياح الصليب حيث تُوزَّع الزهور في الأحد الثالث من الصوم، المدعوّ أحد الزهور! وفرحة زياح الشعانين، عيد أطفالنا الأحبّاء، ومسحة الزيت المقدّس وسرّ التوبة والغفران، ومسيرة الصليب وقراءة فصول أناجيل الآلام الاثني عشر، والسجود للصّليب يوم الجمعة العظيم، وزيارة الكنائس ومسيرة الصليب في شوارع مدننا وقرانا.

حياتنا المسيحيّة عامل قيامة لمجتمعنا أليست كل هذه حقًّا أفراح القيامة! فهي كلّها مرتبطة بعيد القيامة البهيج! ومن خلالها لا يشعر المؤمن بعبوسة أو قسوَة الصيام! بل يتشوّق إلى الصوم الكبير وحفلاته كشوقه إلى أكبر الأعياد! ومن خلال ذلك نردِّد "يا لفرحتي المسيح قام!" يا لفرحتي أنا المسيحي المؤمن أعيش كلّ هذه الأعياد والاحتفالات مع إخوتي المؤمنين، كلّنا معًا أسرة مؤمنة واحدة في بيوتنا المؤمنة وفي كنائسنا في جميع رعايانا، وبجميع طوائفنا، خاصّة ونحن نعيِّد هذا العام كلّنا معًا.

يا لفرحتي المسيح قام! أقولها بملء حنجرتي أمام إخوتي في المجتمع. أُظْهِرُ لهم أنّني سعيدٌ في إيماني! وأحمل لهم: لجميع المواطنين، مسيحيّين ومسلمين، أحمل لهم بشرى قيامة السيّد المسيح. وأردِّد الآية القرآنية الكريمة: "والسلام عليَّ، يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أبعثُ حيًّا".
أجل يا لفرحتي! المسيح قام! أعيش إيماني بحرّيّة في بلدي، وفي بلادي العربيّة، وفي كلّ مكان! أعيش فرحة العيد مع إخوتي البشر، وأفتخر بإيماني، وأفرح بأن أشرك فيه جميع إخوتي البشر!

يا لفرحتي المسيح قام! يردِّدها الشباب بخاصّة في نشوة العيد، الكشّاف، ومختلف النشاطات والأخويّات! بحيث ينتعش الإيمان في قلوبنا متضامنين متعاونين لأجل الحفاظ بفرحٍ وفخار واعتزاز على وديعة الإيمان في قلوبنا، هذه الوديعة التي ورثناها من الآباء والأجداد! فإيماننا هو فرحتنا الكبرى بالقيامة!
يا لفرحتنا! المسيح قام! يا لفرحتنا أن نعيش إيماننا المسيحيّ المشترك! فالمؤمن ليس أبدًا وحده! الله معه! وإخوته البشر المؤمنون معه! يا لفرحتنا! المسيح قام! يا لفرحتنا بإيماننا المقدّس!

بولس معلّم القيامة

فنحن أبناء القيامة، كما كان لقب آبائنا في القديم في المشرق! ولنا معلّم أكبر في معاني القيامة والحياة في المسيح، هو القدّيس بولس، فإنَّ رسائله تفيض بمعاني القيامة! إنّه رسول القيامة الكبير. ولهذا فإنّني أنهي هذه الرسالة الفصحيّة ببعض المقاطع حول القيامة من رسائله الجميلة. ومنها الرسالة إلى أهل رومة حيث نقرأ: "وكما أقيم يسوع من بين الأموات نسلك نحن أيضًا في جدَّة الحياة! لأنّا إذا صرنا متّحدين معه في شبه موته، نصير متَّحدين معه في شبه قيامته أيضًا! واحسبوا أنفسكم أمواتًا للخطيئة أحياء لله في المسيح يسوع ربّنا" (رومة 6 متفرّق).

ويؤكّد لنا بولس: إنْ كان المسيح لم يقم فإيمانكم باطل. وأنتم بعد في خطاياكم" (الأولى إلى كورنثس 15: 17).

ويفتخر بولس بالحياة مع المسيح الحيّ والقائم، فيقول: "إنّني قد صُلبتُ مع المسيح. فلستُ أنا حيًّا بعد. بل هو المسيح يحيا فيَّ. وإن كنتُ أحيا في الجسد. فإنّي أحيا في الإيمان بابن الله. الذي أحبَّني وبذل نفسه عنّي" (غلاطية 2: 20-21).

ويصبو بولس بكل جوارحه إلى مشاركة يسوع في قيامته: "منيتي إذن أن أعرفه (يسوع) هو، وأعرف قدرة قيامته. والشركة في آلامه، فأصير على صورته في الموت، على أملِ البلوغ إلى القيامة من بين الأموات" (فيليبّي 3: 10-11).

ويخاطب بولس أهل كولوسّي قائلاً: "تُدْفَنون مع يسوع في المعموديّة وتنهضون معه" (2: 12) "لقد متّم مع المسيح! لقد قمتم مع المسيح. فاطلبوا إذن ما هو فوق، حيث يقيم المسيح جالسًا عن يمين الله... وحياتكم مستترة مع المسيح" (3: 1).

ويخاطب تلميذه تيموتاوس "أذكر يسوع المسيح القائم من بين الأموات" (2 ثيموتاوس 2: 8).

يا لفرحتي المسيح قام! تتمّ هذه الفرحة بأنْ أشارك في آلام وصليب المسيح ثمّ في قيامته. وتتمّ الفرحة بالأكثر إذا كنتُ أنا سبب قيامة وحياة للآخرين. بحيث نشجِّع بعضنا بعضًا على الحياة، وعلى عيش إيماننا المسيحيّ، وعلى الفرح والأمل والرجاء والشجاعة والالتزام في المجتمع اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وعلميًّا. التزامنا هذا هو حقًّا قيامة لنا ولمجتمعنا.

هذه هي الفرحة الحقيقيّة بالقيامة، بعيدًا عن الكسل والتخاذل، واليأس والاتّكاليّة والأنانيّة، وعن التفاهة والسطحيّة وعبوديّة الأصنام المعاصرة، منها الموضة والمال والأكل والشرب واللذّة والسهولة والاكتفاء والطمأنينة الكاذبة. فرحتنا بالقيامة تعني أن نعيش قيم الانجيل، متّبعين كلمات يسوع الذي قام من بين الأموات، وهي كلمات الحياة.

ختـــام
يا لفرحتي المسيح قام!

إلى هذا الفرح أدعوكم أيّها الأحبّاء الذين تصلكم رسالتي الفصحيّة! إنّنا بحاجة إلى هذا الفرح المقدّس، لكي نقوى، بقوّة إيماننا وبالسيّد المسيح القائم والحيّ فينا، على صعوبات الحياة والمهنة والأسرة والمدرسة والتحصيل العلميّ والعمل والجهاد اليوميّ. يا لفرحتي بالعيد الكبير المشترك الواحد!
إلى هذا الفرح تدعونا صلواتنا وأناشيد كلّ الأعياد وبنوع خاصّ عيد القيامة، عيد الفصح المجيد!

إلى هذا الفرح ندعو جميع أبناء كنيستنا الأحبّاء في عيد القيامة المجيدة. ونصلّي ضارعين أن يدخل الفرح قلوب الجميع وضمائرهم وبيوتهم وعائلاتهم ومرضانا وشيوخنا ورجالنا ونساءنا وشبابنا وشابّاتنا. لا بل نصلّي لكي يدخل الفرح إلى واقع مجتمعنا بخاصّة في المشرق العربيّ، حيث لا تزال نيران الحروب والسلاح والبغض والعنف والقتل والإرهاب مشتعلة!

ليكنْ عيد القيامة قيامة روحيّة واجتماعيّة واقتصاديّة لعالمنا. وبأمل القيامة نهتف معلنين إيماننا بالمسيح القائم: "المسيح قام من بين الأموات".

ولننشد معًا: "المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور"








All the contents on this site are copyrighted ©.