2006-08-13 19:22:44

مقابلة مع البابا بندكتس السادس عشر أجرتها 3 محطات تلفزيونية ألمانية إضافة إلى إذاعة الفاتيكان حول زيارته المقبلة إلى ألمانيا


سؤال: أيها الأب الأقدس ستزورون ألمانيا في شهر سبتمبر وتحديدا منطقة بافيرا. "البابا يحنّ لوطنه"، هذا ما قاله معاونو البابا خلال مرحلة التحضير للزيارة. ما هي المواضيع التي ستتطرقون إليها خلال الزيارة؟ وهل يدخل مفهوم "الوطن" في إطار القيم التي تريدون اقتراحها بشكل خاص؟ 

 

البابا بندكتس السادس عشر:  بدون شك. الهدف من الزيارة هو رغبتي في رؤية تلك المناطق مرة أخرى والأشخاص الذين ترعرعت وسطهم والذين اهتموا بتهيئتي وتعليمي وأريد أن أشكرهم، وطبعا أريد توجيه رسالة تذهب أبعد من أرضي وفقا لخدمتي كخليفة بطرس. سأتطرق إلى المسائل التي استوحيتها من الاحتفالات الليتورجية. أما الموضوع الأساسي فهو أنه علينا أن نكتشف الله ولكن لا إلها أيا كان إنما الله الذي له وجه بشري لأننا عندما نرى يسوع المسيح إنما نرى الله. وانطلاقا من هذه النقطة علينا أن نجد الوسائل للالتقاء في العائلة وبين الأجيال  ثم بين الثقافات والشعوب أيضا، والدروب لتحقيق المصالحة والتعايش السلمي في هذا العالم وتلك التي تقود نحو المستقبل. لم أختر بالتالي مواضيع خاصة لأن الليتورجية تقودني للتعبير عن رسالة الإيمان الأساسية والتي تندرج بالطبع في الأحداث الراهنة حيث نرغب قبل كل شيء في تحقيق التعاون بين الشعوب وسبل المصالحة والسلام.

 

سؤال: بصفتكم حبرا أعظم فأنتم مسؤولون عن الكنيسة في العالم كله. وطبعا فإن زيارتكم تستقطب الاهتمام نحو وضع الكاثوليك في ألمانيا. يتفق المراقبون على أن الأجواء حسنة وذلك أيضا بفضل انتخابكم. مع ذلك تبقى المشاكل القديمة. فعلى سبيل المثال: ينخفض عدد الذين يؤدون واجباتهم الدينية وعدد العمادات ولا سيما نقص التأثير على الحياة الاجتماعية. كيف ترون الوضع الراهن للكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا؟    

 

البابا بندكتس السادس عشر:  أقول قبل كل شيء إن ألمانيا هي للغرب، ولو بلون خاص بها، وفي العالم الغربي اليوم نشهد موجة مأسوية من الإشراقية الجديدة والعلمنة بغض النظر عن التسمية. أن يؤمن المرء اليوم أضحى أمرا أكثر صعوبة لأن العالم الذي نتواجد فيه مصنوع من قبلنا حيث الله، إذا صح التعبير، لا يظهر بشكل مباشر. لم نعد نشرب اليوم من الينبوع بل من الوعاء الذي يُقدَم لنا مليئا. لقد صنع البشر بأنفسهم العالم وأضحى من الصعب أن يجد الإنسان الله وراء هذا العالم. وليس هذا الأمر خاصا بألمانيا لكنه يحصل في العالم كله وبخاصة في الغرب. ومن جهة أخرى فإن الغرب يتأثر اليوم وبقوة بثقافات أخرى، حيث العامل الديني الأصيل أكثر قوة، وهي ثقافات تنظر بهلع إلى البرودة تجاه الله في الغرب. إن حضور المقدس في الثقافات الأخرى، ولو ظهر بطرق مختلفة، يمس من جديد العالم الغربي، لا بل يمسنا، نحن المتواجدين في ملتقى ثقافات كثيرة. مع ذلك، تنطلق من عمق الإنسان في الغرب وفي ألمانيا أيضا الحاجة إلى شيء "أعظم وأكبر". نرى في الشبيبة رغبة في البحث عن "الأكثر"، نرى أن ظاهرة الدين ـ كما يقال ـ تعود من جديد بطريقة أو بأخرى حتى ولو تعلق الأمر بمحاولة بحث غالبا ما تكون غير محددة. مع ذلك فإن الكنيسة حاضرة من جديد لتقدم الإيمان كجواب. أعتقد أن هذه الزيارة ، شأن الزيارة إلى كولونيا، ستكون سانحة كي يعي الجميع أن الإيمان أمر جميل وأن فرح جماعة كبيرة يحتوي على قوة تخفي وراءها شيئا هاما وبالتالي هناك، إلى جانب حركات البحث الجديدة، منافذ جديدة على الإيمان تقودنا الواحد نحو الآخر وهي إيجابية بالنسبة للمجتمع.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس. لسنة خلت كنتم في كولونيا مع الشبيبة. وأعتقد أنكم اختبرتم كون الشبيبة جاهزة للقبول مثلما حصل معكم إذ رحبت الشبيبة بكم بكل سرور. هل تحملون معكم، في هذه الزيارة المقبلة، رسالة خاصة إلى الشبيبة؟

 

البابا بندكتس السادس عشر:  أقول قبل كل شيء إني سعيد لغاية بوجود شبان وشابات راغبين في البقاء معا في الإيمان ويريدون أن يقوموا بعمل جيد. استعداد الشبيبة لفعل الخير قوي جدا. يكفي التفكير بمختلف أشكال التطوع. إن الالتزام في الخطوط الأولى من أجل الإسهام في التجاوب مع احتياجات العالم أمر عظيم. وبالتالي فإن الحافز الأول قد يكون التشجيع على القيام بهذا العمل: سيروا إلى الأمام! ابحثوا عن فرص عمل الخير! العالم بحاجة إلى هذه الإرادة. إنه بحاجة إلى هذا الالتزام! ثم هناك كلمة أخرى: شجاعة القرارات النهائية! تملك الشبيبة سخاء كبيرا ولكن، وأمام المجازفة بالالتزام مدى الحياة، أكان في الزواج أم في الكهنوت، يشعر المرء بالخوف. العالم يتحرك بشكل مأسوي: بإمكاني الآن أن أدير حياتي على الرغم من الأحداث المستقبلية غير المحسوبة. وبقرار نهائي لا أقيد حريتي ولا أحرم نفسي من حرية التحرك؟ إيقاظ الشجاعة بالجرأة على اتخاذ قرارات نهائية هي، في الواقع، الوحيدة التي تسمح بالنمو وبالسير إلى الأمام وبلوغ شيء عظيم في الحياة، ولا تدمر الحرية لا بل تعطيها الاتجاه الصحيح. المجازفة بهذا، بهذه القفزة ـ إنْ صح التعبير ـ في نهاية المطاف وبالتالي قبول الحياة بشكل كامل، هذا ما يسعدني أن أنقله.  

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، سؤال عن وضع السياسة الخارجية. في الأسابيع القليلة الأخيرة تقلص الأمل بإحلال السلام في الشرق الأوسط. ما هي برأيكم الإمكانات المطروحة أمام الكرسي الرسولي نظرا إلى الوضع الراهن؟ ما التأثير الإيجابي الذي بإمكانكم ممارسته على الوضع والتطورات في الشرق الأوسط؟

   

البابا بندكتس السادس عشر: بالطبع ليس لدينا أي إمكانية سياسية، ونحن لا نريد أي سلطة سياسية إنما نريد أن نتوجه إلى المسيحيين وإلى جميع الذين يشعرون، بطريقة أو بأخرى، بأنهم يقاسمون كلمة الكرسي الرسولي كي تجند جميع القوى التي تقر بأن الحرب هي الحل الأسوأ للجميع، لأنها لا تحمل خيرا لأحد، وحتى للمنتصرين. نحن نعرف هذا الأمر خير معرفة في أوروبا من جراء الحربين العالميتين. إن ما يحتاج إليه الجميع هو السلام. وهناك جماعة مسيحية قوية في لبنان، وهناك مسيحيون بين العرب، وهناك مسيحيون في إسرائيل، فليلتزم مسيحيو العالم كله من أجل هذه البلدان العزيزة على الجميع. نريد تعبئة هذه القوى: وعلى السياسيين أن يجدوا السبل كي يحصل هذا في أقرب وقت ممكن وبخاصة بشكل دائم.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس. بصفتكم أسقف روما وخليفة بطرس. كيف تظهر خدمة بطرس بشكل ملائم في عالم اليوم؟ وكيف ترون علاقة التوتر والتوازن بين أولوية البابا من جهة والشركة بين الأساقفة من جهة أخرى؟ 

 

البابا بندكتس السادس عشر:  بالطبع هناك علاقة توتر وتوازن، وأقول إنه يجب أن تكون مثل هذه العلاقة. على التعددية والوحدة أن تجدا من جديد علاقتهما المتبادلة. وعلى هذه العلاقة أن تندرج بطريقة جديدة في تبدل الأوضاع في العالم. لدينا اليوم تعددية الثقافات، حيث أوروبا لم تعد الطرف الوحيد الحاسم، فيما الجماعات المسيحية في مختلف القارات بدأت باستعادة ثقلها ولونها. علينا أن نتعلم من جديد هذا الانصهار بين مختلف العناصر. ولهذا بالذات لجأنا إلى وسائل عديدة: شأن ما يسمى "بزيارات الأساقفة التقليدية للأعتاب الرسولية"، وهي وسيلة كانت قائمة دائما، ولقد ازدادت اليوم بهدف التحاور مع مختلف محافل الكرسي الرسولي ومعي أيضا. إني أتكلم شخصيا مع كل أسقف. تكلمت مع جميع أساقفة أفريقيا تقريبا ومع كثيرين في آسيا. والآن سيأتي دور أساقفة أوروبا الوسطى، ألمانيا، سويسرا، وفي هذه اللقاءات حيث المركز والخارج يلتقيان معا في تبادل صادق، تنمو العلاقة المتبادلة السليمة في هذا التوتر المتوازن. لدينا وسائل أخرى أيضا شأن السينودس والكونسيستوار، الذي سأعقده بشكل انتظامي لمناقشة،  حتى بدون جدول أعمال ضخم، المشاكل الراهنة وإيجاد الحلول. نعلم جيدا من جهة أولى أن البابا ليس ملكا مطلقا ولكن عليه ـ إنْ صح التعبير ـ أن يشخِّص الشمولية عبر الإنصات إلى المسيح. هناك وعي بضرورة وجود محفل موحِّد يضمن أيضا استقلال القوى السياسية، وشعور مسيحي لا يفرط في البحث عن هويته داخل المشاعر القومية. هناك حاجة إلى هذا الوعي أي وجود محفل أعلى وأوسع يولِّد الوحدة في الاندماج الديناميكي للكل، ومن جهة أخرى، يقبل وينمي التعددية. وإن هذا الوعي قوي جدا. لهذا أعتقد أن هناك تلاحما حميما مع الخدمة البطرسية التي تعبر عن ذاتها عبر الإرادة في إنماء هذا الوعي أكثر فأكثر بشكل يتجاوب فيه مع مشيئة الرب  وحاجات الأزمنة.  

 

سؤال: ألمانيا كأرض الإصلاح ميزتها بشكل خاص العلاقات بين مختلف الطوائف. العلاقات المسكونية واقع حساس يلقى دائما صعابا جديدة. ما هي الاحتمالات بتحسين العلاقة مع الكنيسة الإنجيلية، أو بالأحرى ما هي الصعاب التي ترونها على هذا الطريق؟

 

البابا بندكتس السادس عشر: من الأهمية بمكان أولا القول إن الكنيسة الإنجيلية تتميز باختلاف كبير. في ألمانيا لدينا ثلاث جماعات رئيسية: اللوثيران، الكنائس المصلَحة، اتحاد البروسيان. وهناك اليوم كنائس أخرى حرة، وفي داخل الكنائس التقليدية هناك حركات مثل "الكنيسة المعترَفَة" الخ... . إنها مجموعة متعددة الأصوات علينا أن نتحاور معها بحثا عن الوحدة مع احترام تعددية الأصوات وأن نتعاون معها. أعتقد أن الأمر المهم في مجتمعنا اليوم أن يهتم الجميع بتحديد الاتجاهات الخلقية الرئيسية وترجمتها عمليا وبالتالي ضمان التركيبة الخلقية للمجتمع والتي بدونها لا يمكنه أن يحقق الأهداف السياسية وهي العدالة للجميع والتعايش الحقيقي والسلام. وأعتقد أيضا أنه تم تحقيق الكثير في هذا الاتجاه إذ نتفق معا على الأساس المسيحي المشترك حيال التحديات الأدبية الكبرى. وبالطبع لا بد من الشهادة لله في عالم، يجد صعابا في التقرب من الله، كما قلنا سابقا، وفي رؤية الله في صورة يسوع المسيح البشرية، وفي تمكين البشر من دخول تلك الينابيع التي بدونها تفقد الأخلاقية مرجعيتها لتصبح عقيمة، وكذلك أيضا منحهم الفرح لأننا لسنا منعزلين في هذا العالم. بهذه الطريقة فقط يولد الفرح أمام عظمة الإنسان الذي ليس وليدا غير ناجح للتطور إنما صورة لله. علينا أن نسير على هذين الصعيدين ـ إنْ صح التعبير ـ أي المراجع الخلقية الكبرى ومن ثم، وانطلاقا من الداخل باتجاه هذه المراجع، حضور الله، إله ملموس. وإذا ما فعلنا هذا، ولا سيما إذا حاولنا في تجمعاتنا البشرية تحاشي عيش الإيمان بشكل فردي إنما انطلاقا من أسسه الأصيلة، عندئذ ربما لن نصل قريبا إلى أشكال تعبير ظاهرية للوحدة، ولكننا سننضج نحو وحدة باطنية قد تقود بنا يوما ما، وإن شاء الله، نحو أشكال وحدة ظاهرية.

 

سؤال: موضوع العائلة. لشهر خلا تقريبا كنتم، يا صاحب القداسة، في فالنسيا لمناسبة اللقاء العالمي للعائلات. من أنصت بانتباه ـ كما حاولنا أن نفعل هذا في إذاعة الفاتيكان ـ لاحظ أنكم لم تلفظوا أبدا كلمة "الزيجات بين المثليين"، لم تتحدثوا أبدا عن الإجهاض ولا عن وسائل منع الحمل. قال مراقبون يقظون: أمر هام! ما من شك أن نيتكم هي إعلان الإيمان ولا التنقل في بلدان العالم "كرسول الأخلاقية". ما هو تعليقكم؟

 

البابا بندكتس السادس عشر: بالطبع نعم. لا بد من القول أولا إنه كان لدي عشرون دقيقة للكلام مرتين. ومن لديه مثل هذا الوقت القليل لا يمكنه أن ينهي حديثه بالقول لا. علينا أولا أن نعرف ماذا نريد. أليس هذا صحيحا؟ المسيحية والكثلكة ليست مجموعة من المحرمات إنما خيار إيجابي. ومن الأهمية بمكان إعادة النظر فيها من جديد لأن هذا الإدراك اختفى اليوم تقريبا. سمعنا الكثير عن أشياء غير مسموح بها يجب قولها الآن: لدينا فكرة إيجابية نطرحها، أن الرجل والمرأة صُنعا الواحد من أجل الآخر، وأن سلم الترتيب ـ إن صح التعبير ـ: الجنس والحب، إنما يشير إلى أبعاد الحب، وعلى هذا الطريق ينمو أولا الزواج كلقاء بين الرجل والمرأة ويكون مليئا بالسعادة والبركة، ثم العائلة التي تضمن التواصل بين الأجيال وحيث تتصالح الأجيال في ما بينها وحيث بإمكان الثقافات أن تلتقي فيها. من الأهمية بمكان إذا أن نسطر ما نريد. ثم بإمكاننا بعدها أن نرى لماذا لا نريد شيئا ما. لا بد من الرؤية أولا ثم التأمل في كون الرجل والمرأة صُنعا الواحد من أجل الآخر كي تستمر البشرية في البقاء ليس ابتكارا كاثوليكيا: جميع الثقافات تدرك هذا الأمر. في ما يتعلق بالإجهاض فهو لا يدخل في الوصية السادسة إنما في الخامسة:"لا تقتل!". وهذا أمر بديهي يحملنا على التأكيد دائما على أن الكائن البشري يولد من أحشاء الأم ويبقى كائنا بشريا حتى لحظة وفاته. لا بد من احترام الإنسان دائما كإنسان. ويتضح هذا الأمر إذا أشرنا أولا إلى الناحية الإيجابية.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، يرتبط سؤالي بمعنى ما بسؤال الأب فون غيمينغين. ينتظر المؤمنون في العالم كله من الكنيسة الكاثوليكية أجوبة على المعضلات الشاملة الملحة شأن الإيدز وكثافة السكان. لماذا تصر الكنيسة الكاثوليكية على الناحية الأدبية بدل الإصرار على محاولات إيجاد حلول عملية لهذه المشاكل الرئيسية بالنسبة للبشرية وعلى سبيل المثال في القارة الأفريقية؟ 

 

البابا بندكتس السادس عشر: هذه هي المشكلة: نصر حقا على الناحية الأدبية؟ أقول ـ اقتناعا مني بضرورة الحوار مع الأساقفة الأفارقة ـ إن المسالة الأساسية، إذا ما شئنا تحقيق خطوات إلى الأمام في هذا المجال، اسمها التربية والتهيئة. فالتقدم قد يكون تقدما حقيقيا إذا كان في خدمة الكائن البشري وإذا نما الكائن البشري ذاته، ولا أعني نمو معرفته التقنية فقط إنما أيضا قدراته الأدبية. أعتقد أن المشكلة الحقيقية للوضع التاريخي الراهن هي الخلل بين النمو السريع لمعرفتنا التقنية ونمو قدراتنا الأدبية التي لم تنمو بشكل متكافىء. ولهذا فإن تهيئة الشخص البشري هي الوصفة الحقيقية والمدخل الرئيسي وبالتالي فهي دربنا. ولهذه التهيئة بُعدان. بالطبع علينا قبل كل شيء اكتساب المعرفة والقدرات والتكنولوجيا كما يقال اليوم. وفي هذا الاتجاه قدَّمت الكثير أوروبا، وفي العقود الأخيرة الولايات المتحدة  الأمريكية، وهذا أمر بالغ الأهمية. ولكن إذا انتشرت التكنولوجيا فقط وإذا تعلم البشر فقط كيفية تصنيع الآلات واستخدامها وكيفية استخدام وسائل منع الحمل فلا عجب أن نجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام الحروب والأوبئة شأن الإيدز. نحن نحتاج إلى بُعدين: لا بد في الآن معا من تهيئة القلوب ـ إذا سُمح لي بالتعبير بهذه الطريقة ـ بشكل يكون فيه للشخص البشري أهداف فيتعلم كيف يستخدم التقنية بطريقة سليمة. وهذا ما نسعى إلى القيام به. في أفريقيا كلها وفي بلدان آسيوية أخرى لدينا شبكة كبيرة من المدارس، من مختلف المستويات، حيث بالإمكان التعلم واكتساب معرفة حقيقية وقدرات مهنية وبالتالي البلوغ إلى الاكتفاء الذاتي والحرية. في هذه المدارس نسعى إلى تهيئة أشخاص بشر وليس فقط تلقينهم التكنولوجيا، أشخاص يريدون أن يتصالحوا في ما بينهم يعرفون أنه علينا أن نبني ولا أن ندمر، أشخاص تكون لهم أهداف ضرورية للعيش. إن العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في بقاع مختلفة في أفريقيا مثالية. وشكَّل الأساقفة، مع المسلمين، لجانا مشتركة بهدف إحلال السلام في حالات النزاع. إلى جانب هذه الشبكة من المدارس والتهيئة البشرية هناك شبكة من المستشفيات ومراكز الإعانة تصل بشكل متفرع إلى القرى النائية. وفي أماكن أخرى كثيرة، وبعد الدمار الذي خلفته الحروب، فإن الكنيسة هي القوة الوحيدة التي بقيت متماسكة. وهذا هو واقع حقيقي! وحيث يعالج المصابون بداء الإيدز توفر الكنيسة التربية التي تساعد على إقامة علاقات متزنة مع الآخرين. لذا أعتقد أنه لا بد من تصحيح الصورة التي تدعي أننا نزرع حولنا رفضا وحسب. في أفريقيا نعمل كثيرا حيث تندمج أبعاد التهيئة ما يساعد على تخطي العنف والأوبئة أيضا بما فيها المالاريا والسل.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، المسيحية منتشرة في مختلف أرجاء العالم انطلاقا من أوروبا. يعتقد كثيرون أن مستقبل الكنيسة يوجد في القارات الأخرى. أهل هذا صحيح؟ أو بكلمات أخرى، ما هو مستقبل المسيحية في أوروبا حيث يبدو أنها آخذة بالتحول إلى مسألة خاصة وانحصرت بأقلية؟  

 

البابا بندكتس السادس عشر:  بداية أريد أن أقول إن المسيحية نشأت في الشرق حيث نمت لفترة طويلة لتنتشر في آسيا أكثر مما نفكر به نحن اليوم بعد التبدلات التي أدخلها الإسلام. ولهذا السبب بالذات انتقل محورها بشكل ملموس إلى الغرب وأوروبا؛ ونحن فخورون من كون أوروبا نمَّت المسيحية في ما بعد في أبعادها الفكرية والثقافية. ولكن من الضرورة بمكان التذكير بمسيحيي الشرق، وهم أقلية هامة نظرا إلى الظروف التي يتواجدون فيها، لأن هناك خطر أن يهاجروا. وهنا أيضا خطر أن تبقى هذه الأماكن حيث توجد أصول المسيحية بدون مسيحيين وبالتالي علينا أن نساعدهم على البقاء. نأتي الآن إلى سؤالك. لقد أصبحت أوروبا بالطبع مركز المسيحية وحركتها الإرسالية. واليوم تنخرط القارات والثقافات الأخرى بنفس المعيار في معزوفة تاريخ العالم. ما ينمي أصوات الكنيسة وهذا أمر حسن. ومن المفيد أن يعبِّر كل طرف عن هويته: أفريقيا، آسيا وأمريكا وبشكل خاص أمريكا اللاتينية. والكل طبعا وصلتهم ليس فقط المسيحية إنما أيضا رسالة هذا العالم التي تحمل إلى القارات الأخرى ما اختبرناه بأنفسنا. يقول أساقفة العالم كله: لا زلنا بحاجة إلى أوروبا حتى ولو كانت أوروبا جزءا فقط من شيء أكبر. نحمل كل المسؤولية المتأتية من خبراتنا، من علم اللاهوت الذي نما هنا، من خبرتنا الليتورجية، من تقاليدنا وكذلك أيضا من خبراتنا المسكونية. وكل هذا شديد الأهمية بالنسبة للقارات الأخرى. ولهذا علينا أن نتحاشى القول: نحن أقلية. علينا أن نحافظ على عددنا الصغير! ولكن علينا أيضا أن نبقي على حيويتنا حية ونفتح علاقات تبادل كي تقصدنا قوى جديدة. هناك اليوم كهنة هنود وأفارقة في أوروبا، وفي كندا أيضا، حيث يعمل كهنة أفارقة كثيرون. هناك عطاء وقبول بشكل متبادل. ولكن إذا تلقينا أكثر في المستقبل فعلينا أن نواصل العطاء بشجاعة وحيوية متنامية.

 

سؤال: إنه موضوع تطرقنا إليه بمعنى ما. أيها الأب الأقدس، المجتمعات الحديثة لا تستوحي قراراتها الحاسمة بشأن السياسة والعلم من القيم المسيحية والكنيسة ـ ونعرف هذا من التحقيقات ـ إذ إن الكنيسة تُعتبر صوتا مؤنبا وبالأحرى كابحا. ألا ترون أن على الكنيسة الخروج من هذا الموقف الدفاعي واعتماد تصرف أكثر إيجابية بشأن بناء المستقبل؟ 

 

البابا بندكتس السادس عشر:  أقول إنه علينا أن نؤكد على الإيجابيات التي نريدها. وعلينا أن نفعل هذا في حوار الثقافات والديانات لأن القارة الأفريقية، كما قلت سابقا، والروح الأفريقي والروح الآسيوي يعاني من برودة عقلانيتنا. من الأهمية بمكان أن يدركوا أن لدينا أيضا أشياء أخرى. ومن الأهمية المتبادلة أيضا أن يدرك عالمنا المعلمن أن الإيمان المسيحي ليس مانعا إنما جسر للحوار مع العوالم الأخرى. وليس من العدل التفكير بأن الثقافة العقلانية البحتة، بفضل طابعها المتسامح، لها تقارب أسهل من الديانات الأخرى إذ ينقصها في جزء كبير منها  "العنصر الديني" وبالتالي نقطة الالتقاء التي منها ونحوها يريد الآخرون إقامة علاقات. ولذا علينا لا بل بإمكاننا التأكيد، نظرا للترابط الثقافي الجديد الذي نعيشه، على أن العقلانية البحتة المنفصلة عن الله ليست كافية ولا بد من عقلانية أوسع تضع الله بتجانس مع العقل وتعي بأن الإيمان المسيحي الذي نما في أوروبا هو وسيلة أيضا لتوافق بين العقل والثقافة لدمجهما بشكل تفاعلي في رؤية موحَّدة وسهلة الإدراك. وبهذا المعنى أعتقد أن أمامنا مهمة كبيرة وهي التأكيد على أن هذه الكلمة، التي نملكها، ليست ـ إذا صح التعبير ـ من التاريخ الماضي إنما هي ضرورية اليوم بشكل خاص.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، لنتكلم عن زياراتكم. أنتم في الفاتيكان، وربما البقاء بعيدا عن الناس ومنفصلا عن العالم قد يتطلب تضحية منكم، حتى في هذه الأجواء الجميلة في كاستل غندولفو. بعد فترة قليلة سيناهز عمركم الثمانين عاما، هل تفكرون، بمساعدة الله، بالقيام برحلات كثيرة؟ هل لديكم فكرة إلى أين؟ إلى الأرض المقدسة، البرازيل؟ 

 

البابا بندكتس السادس عشر:  لست وحدي. طبعا هناك السور الذي يجعل الدخول صعبا، ولكن هناك "العائلة البابوية"، وكل يوم هناك زيارات، وبخاصة عندما أكون في روما. يأتي الأساقفة وأشخاص آخرون وهناك زيارات رسمية وأخرى لشخصيات تريد الكلام معي شخصيا وليس فقط في ما يتعلق بالمسائل السياسية. هناك لقاءات عديدة أشكر الله عليها. ومن الضرورة أن يكون مقر خليفة بطرس مكان التقاء، أليس من الصحيح هذا؟ منذ عهد البابا يوحنا الثالث والعشرين تغيرت الاتجاهات بمعنى أن الأحبار الأعظمين بدأوا بالقيام بزيارات. علي أن أقول إني لست قويا كي أضع في الأجندة رحلات كثيرة، لكني أريد التوجه حيث هناك حاجة لتوجيه رسالة تتجاوب مع رغبة معينة، طبعا "بالجرعة" التي يُسمح لي بها. سيعقد السنة القادمة لقاء في البرازيل لمجلس أساقفة أمريكا اللاتينية، وأعتقد أن حضوري هناك يشكل خطوة هامة في إطار الأحداث التي تعيشها أمريكا اللاتينية بهدف تقوية الرجاء الحي في تلك المنطقة. بعدها أريد زيارة الأرض المقدسة، وآمل بأن أقوم بهذه الزيارة في فترة سلام، والباقي في أيدي العناية الإلهية.

 

سؤال: أسمح لنفسي بالإصرار. النمساويون أيضا ينطقون بالألمانية وينتظرونكم في ماريازيل.

 

البابا بندكتس السادس عشر:  أجل، لقد تم الاتفاق. لقد قطعت عهدا بشكل فيه القليل من الحذر. إنه مكان طالما أعجبني. نعم، سأعود إلى النمسا. طبعا لقد أصبح وعدا، وسوف أفي به.

 

سؤال: أواصل إصراري. أنا أرافقكم كل أربعاء لمناسبة المقابلة العامة التي يحضرها خمسون ألف شخص. إنها مناسبة متعبة للغاية. هل تقاومون العناء؟

 

البابا بندكتس السادس عشر:  أجل، الرب القدير يعطيني القوة اللازمة. ولدى رؤية الترحيب الودي تتملكني الشجاعة.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، قلتم منذ قليل إنكم قطعتم عهدا بشكل فيه القليل من الحذر. هذا يعني أنكم لا تتخلون عن عفويتكم على الرغم من ارتباطاتكم؟

 

البابا بندكتس السادس عشر: على كل حال، أحاول وحسب. فعلى الرغم من الأجندات والارتباطات المحددة أسعى للقيام بأمور شخصية.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، النساء ناشطات في مهام مختلفة داخل الكنيسة الكاثوليكية. ألا تعتقدون أن إسهامهن يجب أن يكون أكثر بروزا حتى في مناصب المسؤولية في الكنيسة؟ 

 

البابا بندكتس السادس عشر: يجري التعمق في هذا الموضوع. كما تعلم إن إيماننا ودستور شركة الرسل يجبراننا ولا يسمحان لنا بمنح النساء السيامة الكهنوتية. ولكن لا يظنن أحد أن المسؤوليات كلها داخل الكنيسة محصورة بالكهنة فقط. تاريخ الكنيسة حافل بالمهام والمناصب. بدءا من أخوات آباء الكنيسة وصولا إلى القرون الوسطى حيث نساء عظيمات لعبن دورا رئيسيا وحتى عصرنا الحديث. يكفي التفكير بـِ إيلديغارد دي بينغين التي كانت تحتج بقوة ضد الأساقفة والبابا؛ و كاترينا السيانية و بريجيدا من السويد. على النساء في العصر الحديث أن تبحثن ـ ونحن معهن ـ عن دورهن الصحيح. النساء حاضرات اليوم في دوائر الكرسي الرسولي. ولكن هناك مسألة قضائية: وهي مسألة الصلاحيات أي أن سلطة اتخاذ القرارات حسب القانون الكنسي مرتبطة بالسيامة المقدسة. من وجهة النظر هذه هناك حدود، لكني أعتقد أن النساء، بقوتهن واندفاعهن، وبتفوقهن، وبما أسميه "قوتهن الروحية"، قادرات على إيجاد مكانهن. علينا أن ننصت إلى كلمة الله كي لا نكون نحن عائقا لا بل نفرح حين يحتل العنصر النسائي في الكنيسة مكانة فاعلة بدءا من والدة الله ومن مريم المجدلية.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، يحكى مؤخرا عن سحر جديد للكثلكة. ما هي حيوية وقدرة هذه المؤسسة، العريقة في القدم، في المستقبل؟

 

البابا بندكتس السادس عشر:  إن حبرية البابا يوحنا بولس الثاني استقطبت اهتمام البشر وجمعت بينهم. وإن ما حصل لمناسبة وفاته يبقى أمرا فريدا من نوعه في التاريخ: مئات الآلاف من الأشخاص هرعوا إلى ساحة القديس بطرس وبقوا على أقدامهم ساعات وساعات تحركهم قوة داخلية. ثم لاحظنا هذا خلال بداية حبريتي ثم في كولونيا. من الجميل في الوقت نفسه أن تصبح خبرة الجماعة خبرة إيمان، وأن نعيش خبرة الجماعة ليس فقط في أي مكان إنما أن تصبح هذه الخبرة أكثر حيوية وتعطي للكثلكة قوتها المشعة في أماكن الإيمان. ويجب أن يحصل هذا في الحياة اليومية. على الأمرين أن يسيرا معا. من جهة أولى اللحظات الكبيرة حيث نختبر جمال وجودنا ووجود الرب لنشكل جماعة كبيرة متصالحة بغض النظر عن كل الحدود. ثم علينا أن نستمد الانطلاقة لنتحمل خلال حياتنا اليومية الأعباء والمشقات ونعيش استنادا إلى هذه الإشعاعات النيرة ونتعلم أن ندعو الآخرين للانخراط في المسيرة الجماعية. أريد أن أقول: أشعر بالارتباك أمام الاستعداد والتحضير لزيارتي وأمام ما يفعله الجميع. لقد أُعيد ترتيب بيتي وقامت مدرسة مهنية بتصليح السور. وساهم أستاذ تعليم ديني إنجيلي في تصليح السور. إنها أمور صغيرة لكنها علامة تدل على أشياء كثيرة. أرى أنها أمور رائعة وعلامة إرادة في الانتماء إلى هذه الجماعة في الإيمان وفي الخدمة المتبادلة. التعبير عن هذا التضامن  والاتكال على الله: أمر يثير فيَّ مشاعر عميقة ولهذا أريد أن أوجه شكري من صميم قلبي.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس. تحدثتم عن خبرة الجماعة. ستزورون ألمانيا للمرة الثانية بعد انتخابكم حبرا أعظم، لمناسبة اليوم العالمي للشبيبة وبمعنى آخر لمناسبة بطولة العالم لكرة القدم، لقد تبدلت الأجواء بمعنى ما. ويبدو أن الألمان أضحوا أكثر انفتاحا على العالم وأكثر تسامحا وأكثر بهجة. ماذا تنتظرون من الألمان؟

 

البابا بندكتس السادس عشر: مع نهاية الحرب العالية الثانية بدأت مرحلة تبدل داخلي للمجتمع الألماني وكذلك أيضا للعقلية الألمانية التي تقوت بفعل توحيد شطري ألمانيا. لقد انخرطنا بعمق في المجتمع العالمي وكان من البديهي أن نتحول بفعل عقلية هذا المجتمع. ما أدى إلى بروز نواح للميزات الألمانية لم تكن معروفة من قبل. ربما وصفنا البعض بأننا نظاميون بشكل مفرط ومتحفظون، وهذا أمر صحيح بمعنى ما. أما ما نراه اليوم فهو جميل للغاية: أي أن الألمان ليسوا فقط نظاميين ومتحفظين إنما أيضا عفويين، فرحين ومضيافين. وهذا أمر جميل. وآمل أن تنمو هذه الفضائل وتستمد اندفاعها من الإيمان المسيحي.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس. لقد أعلن سلفكم عددا كبيرا من المسيحيين طوباويين وقديسين. ويفكر البعض وربما كثيرون، وهذا هو سؤالي: تطويب وإعلان قداسة المسيحيين يحمل جديدا للكنيسة إذا ما كان هؤلاء الأشخاص نموذجا حقا. ألمانيا تعطي طوباويين وقديسين قلائل مقارنة بالبلدان الأخرى. هل بالإمكان تنمية هذا البعد الرعوي كي تعطي الحاجة لتطويب وإعلان قداسة المسيحيين ثمارا رعوية حقيقية؟   

 

البابا بندكتس السادس عشر: بداية كان لدي إحساس بضخامة هذا العدد الكبير من الطوباويين  وبضرورة اختيار أشخاص يسهل على ضمائرنا استيعابهم. ولهذا قمت بوضع لامركزية للتطويب بهدف إبراز هذه الشخصيات على الصعيد المحلي. ربما قديس من غواتيمالا قد لا يحظى باهتمام كبير في ألمانيا أو العكس قديس من ألتوتينغ لا يستقطب الاهتمام في لوس أنجلوس، أليس هذا صحيحا؟ أعتقد أن هذه الخطوة جاءت بموافقة الأساقفة والهيئات الكنسية، وكانت متلائمة مع الواقع المحلي للبلدان الأفراد بمعنى أن لكل بلد شخصيات تحظى بتقدير خاص. ولاحظت أيضا أن هذه الشخصيات تستقطب في أوطانها مشاعر كثيرين. وسمعت الناس يقولون: "وأخيرا، واحد منا!" ويتجهون صوبه فيكون لهم مصدر وحي. الطوباوي هو لهم. ونحن سعداء بوجود عدد كبير من الطوباويين. وإذا استطعنا نحن أيضا وبشكل تدريجي، مع نمو المجتمع العالمي، التعرف عليهم فهذا حسن. لا بد من وجود التعددية حتى في هذا المضمار وبالتالي من الأهمية بمكان أن نتعلم نحن أيضا في ألمانيا التعرف على شخصياتنا البارزة لنفرح بها. إلى جانب الطوباويين هناك تقديس شخصيات عظيمة وهامة بالنسبة للكنيسة جمعاء. أقول إن على المجالس الأسقفية الأفراد أن تختار ما يلائم الكنيسة وتبرز هذه الشخصيات ـ بدون أن تكون كثيرة ـ التي تترك انطباعا عميقا. وبإمكانها أن تقوم بهذا عن طريق التعليم الديني والكرازة وربما عن طريق فيلم. بإمكاني أن أتصور أفلاما جميلة. شخصيا أعرف جيدا آباء الكنيسة: فيلم عن القديس أغسطينوس وآخر عن غريغوريوس النزينزي وتهربه المستمر من المسؤوليات الكبيرة التي كانت تلقى على عاتقه. يجب أن نتعمق أكثر فأكثر إذ ليس هناك دائما حالات سيئة فقط حيث تصور أفلام كثيرة إنما هناك شخصيات تاريخية رائعة لا تثير الملل وهي ذات طابع حالي. بكلمة لا بد من تحاشي الضغط على الناس بشكل مفرط، لا بل يجب العمل على تبيان عظمة هذه الشخصيات الحالية الطابع والتي تشكل مصدر وحي لنا.

 

سؤال: قصص تحتوي على نوع من الفكاهة؟ في عام 1989 في موناكو مُنحتم، أيها الأب الأقدس، ميدالية كارل فالنتين أوردين. ما هو دور الفكاهة في حياة حبر أعظم؟

 

البابا بندكتس السادس عشر: (يضحك) لست رجلا تخطر على باله فورا نكات. ولكن لا بد من رؤية الناحية المسلية من الحياة وبُعدها الفَرِح وبالتالي تحاشي المواقف المأسوية. وهذا أمر هام برأي وضروري لخدمتي. قال أحد الأدباء إن الملائكة قادرون على التحليق طالما أننا لا نأخذهم على محمل الجد. وربما بإمكاننا نحن أيضا أن نحلق أكثر فأكثر لو تخلينا عن إعطاء ذواتنا أهمية كبيرة.

 

سؤال: أيها الأب الأقدس، بحكم أهمية منصبكم، فإن الاهتمام منصب عليكم. يتحدث عنكم الآخرون. ولقد اندهشت بعد أن قرأت أن البابا بندكتس السادس عشر شخصية تختلف عن الكردينال راتسينغير. كيف ترون نفسكم، يا صاحب القداسة، إنْ صح السؤال؟

 

البابا بندكتس السادس عشر: لقد تم تشريحي مرات كثيرة. البروفسور في الفترة الأولى وتلك المتوسطة، وفي الفترة الأولى كردينالا  ثم في الفترة اللاحقة. والآن هناك تشريح جديد. ما من شك أن الظروف والأوضاع والبشر أيضا أمور لها تأثيرها بسبب المسؤوليات المختلفة. ولكن لنقل إن شخصيتي الأساسية نمت ومعها أيضا رؤيتي الأساسية لكن النواحي الرئيسية لم تتبدل. وأنا سعيد اليوم عندما تبرز اليوم بعض النواحي في شخصيتي لم ينتبه إليها أحد في الماضي.

 

سؤال: بإمكاننا أن نقول إن مهمتكم تعجبكم ولا تشكل عبئا عليكم؟

 

البابا بندكتس السادس عشر: هذا أمر فيه شيء من المبالغة، لأن مهمتي في الواقع فيها شيء من العناء. مع ذلك أحاول البحث عن الفرح في أداء مهامي.

 

خاتمة: أشكركم يا صاحب القداسة باسم زملائي أيضا على هذه المقابلة "غير المسبوقة". نحن سعداء لزيارتكم القادمة إلى ألمانيا، إلى بافيرا، إلى اللقاء.








All the contents on this site are copyrighted ©.