2006-05-26 15:47:01

قداسة البابا يحتفل بالقداس الإلهي في ساحة بيوسودسكي في وارصو: أيُعقل اليوم ألاّ نشكر الرب على ما تحقق في أرضكم والعالم أجمع خلال حبرية يوحنا بولس الثاني؟


تحدى أكثر من 200 ألف مؤمن الأمطار الغزيرة المفاجئة للمشاركة صباح اليوم الجمعة بالقداس الإلهي الذي ترأسه قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة بيوسودسكي التاريخية في وارصو، حيث ولـ 27 سنة خلت، احتفل كارول فويتيوا بالقداس الإلهي خلال زيارته الأولى لمسقط رأسه، بعد اعتلائه السدة البطرسية، وتحديدًا في الثاني من شهر حزيران يونيو من العام 1979. استهل الحبر الأعظم عظته بالبولندية مذكّرا بكلمات سلفه الحبيب يوحنا بولس الثاني التي قالها لـ 27 عامًا خلا، في أول عظة ألقاها في وارصو:"أرغب معكم برفع نشيد شكر للعناية الإلهية التي سمحت لي اليوم بأن أكون حاجًا بينكم".

وفي هذه الساحة التاريخية بالذات، وعشية عيد العنصرة، أضاف قداسة البابا يقول، صلى يوحنا بولس الثاني قائلا:"أرسل روحك أيها القدوس وجدِّد وجه الأرض... وجه هذه الأرض!" وفي هذا المكان، جرت مراسم جنازة رئيس أساقفة بولندا الكردينال ستيفين فيشينسكي، ويُحتفل هذه الأيام بالذكرى السنوية الـ 25 لوفاته. وتابع البابا يقول:"أيُعقل اليوم ألاّ نشكر الرب على ما تحقق في أرضكم والعالم أجمع، خلال حبرية يوحنا بولس الثاني؟" فأمام أعيننا، تبدّلت أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية برمتها، واستعاد الناس الحرية ومعنى الكرامة في بلدان عديدة.

وبعدها ذكّر الحبر الأعظم بشعار زيارته الرسولية لبولندا "أثبتوا في الإيمان" وقال: أصغينا معًا إلى كلمات يسوع:"وإذا كنتم تحبّوني حفظتم وصاياي. وأنا أسأل أبي فيهبَ لكم مؤيدًا آخرَ يبقى معكم إلى الأبد، روح الحق." (يوحنا 14، 15 ـ 17) بكلماته هذه، أضاف البابا يقول، يُظهر يسوع الرباط الوثيق بين الإيمان وإعلان الحقيقة الإلهية، بين الإيمان وتكريس الذات للمسيح في المحبة، وبين الإيمان والحياة المستوحاة من الوصايا. وأبعاد الإيمان الثلاثة هذه، هي ثمرة عمل الروح القدس الذي يبان قوةً داخلية توحّد قلوب التلاميذ بقلب المسيح، وتجعلهم قادرين على محبة الأخوة. وهكذا، فإنّ الإيمان عطية ومهمة في الآن معا.

وتابع قداسة البابا عظته في ساحة بيوسودسكي، مذكرًا بكلمات القديس بولس في رسالته إلى أهل روما (روما 17،10) "الإيمان هو من السَّماع، والسَّماعُ من المناداةِ بكلامِ المسيح"، وقال:على مر تاريخ الكنيسة، بشر الرسل بكلمة المسيح، وبذل كثير من الواعظين بالإنجيل حياتَهم للبقاء أمناء لكلمة المسيح. وهكذا، فمن الإهتمام بالحقيقة وُلد تقليد الكنيسة. وعلى غرار القرون الغابرة، يريد اليوم أشخاص، وباهمال هذا التقليد، تزييف كلمة المسيح وإلغاء حقائق الإنجيل، لأنّها متعِبة للإنسان المعاصر، بالنسبة إليهم، غير أنّ الكنيسة، أضاف البابا يقول، لا تستطيع إسكات روح الحق.

وأضاف البابا يقول إنّ كل مسيحي مدعو لمقارنة اقتناعاته الخاصة، وباستمرار، مع تعاليم الإنجيل وتقليد الكنيسة، ومن خلال الأمانة لكلمة المسيح، حتى عندما تكون متطلبة ويصعب فهمها إنسانيًا. لا يجوزُ أن نقع في تجربة النسبية والتفسير الإنتقائي للكتب المقدسة. وحدها الحقيقة تفتحنا على الإتحاد الكامل بالمسيح المائت والقائم من أجل خلاصنا.

وتابع البابا يقول إنّ الإيمان لا يعني قبول عدد معين من الحقيقة حول أسرار الله والإنسان والحياة والموت. إن الإيمان يكمن في علاقة وثيقة بالمسيح، علاقة مرتكزة إلى محبة ذاك الذي أحبّنا وبذل ذاته من أجلنا. "والله قد دلَّ على محبّته لنا بأنّ المسيح قد مات من أجلنا إذ كنّا خاطئين". (روما 8،5). بالإتكال على المسيح لا نخسر شيئًا، إنما ننال كل شيء. بين أيديه، تتّخذ حياتنا المعنى الحقيقي.  

ومحبة المسيح قال البابا، يُعبَّرُ عنها بإرادةِ تناغمِ حياتنا مع أفكار ومشاعر قلبه. وكل ذلك يتحقق بواسطة الإتحاد الداخلي المرتكز إلى نعمة الأسرار، والذي يتقوّى بالصلاة المتواصلة والتسبيح والتوبة. إنّ محبة المسيح تعني البقاء على حوار معه لمعرفة مشيئته وتحقيقها، وأضاف قداسته يقول:" أنْ يحبَّ الإنسان الله بجميع قلبه وجميع ذهنه وقدرته، وأن يحبَّ قريبه حبَّه لنفسه أفضلُ من كل محرقة وذبيحة".

وختم قداسة البابا بندكتس السادس عشر عظته في ساحة بيوسودسكي قائلا: "إخوتي وأخواتي الأعزاء، إنّ الإيمان بالمسيح يبان محبةً تدفعنا إلى تنمية الخير الذي وضعه الخالق في طبيعة كل منا. ومن يؤمن ويحب يصبح باني "حضارة المحبة"، ومركزها المسيح. وتابع الأب الأقدس يقول: أسألكم أن تحافظوا على إرث الإيمان الغني الذي نقلته إليكم الأجيال الماضية، إرث تفكير البابا البولندي العظيم يوحنا بولس الثاني. أثبتوا في الإيمان ولترشدكم مريم العذراء، ملكة بولندا، إلى طريق ابنها، وترافقكم في مسيرتكم نحو مستقبل سعيد يغمره السلام.

 

المحطة الثانية بعد وارصو ستكون في معبد عذراء يازنا غورا في تشيستوهوفا. فمنذ القرن 15، يشكّل هذا المعبد المريمي مكانًا لإكرام والدة الإله، المعروفة بالعذراء السوداء وملكة بولندا. ومن ثمّ سيزور قداسة البابا كراكوفيا التي عاش فيها كارول فويتيوا أربعين عامًا من حياته: طالبًا، عاملاً، كاهنًا، أسقفًا وكردينالاً إلى حين انتخابه حبرًا أعظم.

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.