2005-10-23 12:00:12

البابا يختتم سينودوس الأساقفة ويرفع خمسة طوباويّين إلى مجد المذابح قدّيسين


   ذبيحة الشكران لله على جميع عطاياه رفعتها الكنيسة اليوم في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان باحتفال مهيب رئسه الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر واختتم خلاله أعمال الجمعيّة العامّة الحادية عشرة لسينودوس الأساقفة حول سرّ القربان المقدّس، كما رفع خمسة طوباويّين إلى مجد المذابح قدّيسين.

   آلاف المؤمنين والحجّاج، يتقدّمهم آباء سينودوس الأساقفة وحشدٌ من مواطني القديسين الجدد شاركوا البابا هذه المناسبة الفرحة الغنية بأفعال الشكر لله على جميع عطاياه التي أوصلت الطوباويّين الخمسة: المطران جوزف بيلشيفسكي، والأب غايتانو كاتانوزو، وسيغموند كورازدوفسكي وألبيرتو أورتادو والراهب الكبوشي فيليتشيه دا نيكوسيا، أوصلتهم إلى مجد القداسة.

   في بداية عظته بعد تلاوة الإنجيل المقدّس ذكّر البابا المؤمنين باحتفال الكنيسة هذا الأحد بيوم الرسالة العالمي، الذي بات موعداً سنوياً يُصحّي في قلب الجماعة الكنسية الاندفاع نحو الرسالة. إن احتفال اليوم، أضاف البابا، يدعونا جميعاً للتأمّل بسر القربان كينبوع قداسة وغذاء روحي للرسالة في العالم: إنّ هذا السر والعطيّة الساميَين يظهران لنا كمال محبّة الله.

   وفي تعليقه على آيات الإنجيل اعتبرها البابا تذكيراً لنا بأن المحبّة تلخّص كلّ الشريعة الإلهيّة. إن وصية محبّة الله ومحبّة القريب تجمع بين قلب الإنسان وحياته، يُكمل بها يسوع العهد القديم دون إضافة وصيّة جديدة، إنما حقّق في ذاته وعمله الخلاصي كلمات سفر الأحبار في العهد القديم:"أحبّب الرّب إلهكَ من كلِّ قلبِكَ..." و "أحبِب قريبَكَ كنفسِكَ". لقد قدّم يسوع لنا ذاته خلاصة لمحبّة الله ومحبّة الإخوة. وحبّه هذا يبلغنا عندما نتغذّى من جسده ودمه.

   إن القدّيس، أضاف البابا في عظته، هو المأخوذ بكليّته بجمال الله وبكمال حقيقته، ومن أجل هذا الجمال والحقيقة هو مستعدٌّ للتخلّي عن كلّ شيء، وحتّى عن ذاته. تكفيه محبّة الله التي يختبرها في الخدمة الوضيعة والمتجرّدة للقريب، وبنوع خاص لمن لا يُمكنهم مبادلته الخدمة.

   إنّ الكنيسة اليوم، أضاف البابا في عظته، تُقدّم لأبنائها خمسة قدّيسين جدد، تغذّوا من المسيخ الخبز الحَي وارتدّوا إلى محبّته وطبعوا حياتهم به بكليّتها. في أوضاع مختلفة وبمواهب مُتعدّدة أحبّوا المسيح بكلّ قلبهم وقريبهم كذواتهم، فصاروا مثالاً لكلّ المؤمنين.

   إن القدّيس جوزف بيلشيفسكي كان رجل صلاة، يقسّم أوقات يومه بالاحتفال بالذبيحة الإلهيّة وصلاة الفرض الإلهي، والتأمّل وتلاوة السبحة الورديّة وغيرها من العبادات التقويّة. إن معرفته اللاهوتيّة العميقة، وإيمانه وعبادته للقربان المقدّس جعلوا منه مثالاً للكهنة وشاهداً للمحبّة أمام جميع المؤمنين.

   كما أن القديس سيغموند، أضاف البابا في عظته، كان يكرّس وقتاً طويلاً لعبادة القربان المقدّس فاشتهر بعبادته لهذا السرّ العظيم. إن عيش التقدمة للمسيح دفعه نحو المرضى والفقراء والمحتاجين، فأسّس جمعيّة كهنة ورهبنة نسائيّة لراهبات القديس يوسف، وغيرها من المؤسّسات الإعانيّة...

   أمّا محبّة الله والقريب فكانت برنامج حياة القديس ألبيرتو أورتادو، فأحبّ الفقراء كمحبّة المسيح لهم. إن التنشئة التي تلقّنها في الرهبنة اليسوعيّة رسّخت فيه محبّة الصلاة والعبادة الإفخارستيّة. بهذه المحبّة العميقة للمسيح وجد قوّة الانطلاق لعمل الرسالة، فأسس مركزاً لمساعدة المشرّدين والفقراء بدون سقف يأويهم، ووفّر لهم أجواء عائليّة حارّة. طبعت حياته الكهنوتيّة صورة المسيح الوديع والمتواضع القلب، وفي نهاية حياته كان يردّد على فراش الألم والمرض قائلاً:"إنني فرحان يا رب فرحان".

   القديس غايتانو كاتانوزو، أضاف البابا في عظته، كان رسول وجه المسيح المقدّس. وكان يؤكّد قائلاً:"إنّ وجه المسيح المقدّس هو حياتي وقوّتي". ربط عبادته هذه بعبادة القربان إذ قال:"إذا أردنا عبادة وجه المسيح الحقيقي نجده في القربان المقدّس، حيث يحتجب تحت شكلَي الخبز والخمر. كرّس حياته للوعظ والتعليم وسماع الاعترافات ومساعدة الفقراء والمرضى والاهتمام بالدعوات الكهنوتيّة. ونقل إلى راهبات القديسة فيرونيك وجه يسوع المقدّس، اللواتي أسسّهنّ نقل روح المحبّة والتواضع والإماتة...

   القدّيس فيليتشيه دا نيكوسيا كان يردد في كل المناسبات المفرحة والمحزنة قائلاً:"من أجل محبّة الله". من هنا نفهم مدى عمق اختباره لمحبّة الله الذي تجلّى للبشر بيسوع المسيح. إنّ هذا الراهب الكبوشي الوديع، وابن أرض صقليّة، طبعته محبّة الله التي ترجمها بمحبّة القريب. فهو يساعدنا على اكتشاف قيمة الأشياء الصغيرة التي تُغني حياتنا، ويُعلّمنا فهم قيمة العائلة وخدمة الإخوة مُظهراً لنا أنّ السعادة الحقيقيّة والدائمة التي يصبو إليها قلب كلّ إنسان، هي ثمرة المحبّة.

   بعد كلامه عن القديسين الجدد، انتقل البابا لمخاطبة آباء السينودوس الذين شاركوا في أعمال الجمعيّة العامّة الحادية عشرة لمدّة ثلاثة أسابيع عاشوا فيها مناخاً متجدّداً بظل القربان المقدّس. فعبركم أيها الإخوة أودُّ أرسل تحيّة أخويّة لأساقفة الكنيسة في الصّين. لقد شعرنا حقيقة بغياب ممثّليهم. وعلى الرغم من ذلك أريد التأكيد لكلّ الأساقفة الصينيّين أننا قريبون منهم بالصلاة من أجلهم ومن أجل كهنتهم ومؤمنيهم. إنّ مسيرة ألم الجماعات الموكلة لعنايتهم الراعويّة، حاضرة في قلوبنا: وهي لن تبقى بدون ثمر، لأنها مشاركة في السرّ الفصحي، لمجد الله الآب. لقد سمحت لنا أعمال السينودس، أضاف البابا، التعمّق في النواحي البارزة من سر القربان الذي وهبه الله للكنيسة منذ البدء. وحثّ البابا جميع الأساقفة والكهنة والمؤمنين على التأمّل بهذا السرّ العظيم الذي تُبنى عليه بتوليّة الكهنة التي نالوها كطيّة ثمينة وعلامة حبّ لا ينقسم نحو الله والقريب. كما أن روحانيّة الإفخارستيّة يجب أن تكون محرّك المؤمنين العلمانيّين في كلّ عمل يقومون به.

   ومع ختام السنة القربانيّة قال البابا، نرفع الشكر لله على العطايا الكثيرة التي منحها للكنيسة، منطلقين من دعوة البابا الحبيب يوحنّا بولس الثاني لنا بأن ننطلق من المسيح... ونُبشّر بقيامته شاهدين لمحبّته التي تمنح العالم الرجاء.








All the contents on this site are copyrighted ©.