2005-10-05 15:44:50

في مقابلة الأربعاء العامّة قداسة البابا يحذّر من يعبد الأوثان الميتة بأنّه عاجز وجامد لا حياة فيه


   أجرى قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبل ظهر اليوم مقابلته العامّة المُعتادة مع المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان بحضور نحو خمسين ألف حاج وزائر قادمين من بلدان عديدة من العالم.

   تابع البابا تعليمه الأسبوعي شارحاً القسم الثّاني من المزمور المائة والرابع والثّلاثين الذي جاء فيه:"...يا ربُّ اسمُكَ إلى الأبدِ. يا ربّ ذكرُكَ إلى جيلٍ فجيل. إنَّ الرّب يَدينُ شَعبَهُ ويرأفُ بعبيدِهِ. أوثانُ الأمَمِ فضَّةٌ وذهَبٌ صُنعُ أيدي البَشَر. لها أفواه ولا تتكلّم، لها عيونٌ ولا تُبصِر، لها آذانٌ لا تُصيخُ... يا بيت هرون باركوا الرّب، أيُّها المُتَّقون للرَّب باركوا الرّب. تباركَ السّاكنُ في أورشليم. هللويا".

   لهذا المزمور، قال البابا في مستهلّ تعليمه، وقعٌ فصحيٌّ، وبنوع خاص القسم الثّاني منه الذي يُختتم بالهللويا، نشيد التسبيح للرّب. فبعد أن تذكّر صاحب المزامير في القسم الأوّل حدث الخروج من أرض العبوديّة في مصر، وقلب الاحتفال الفصحي لدى الشعب المختار، يُقارن صاحب المزامير بطريقة واضحة نظرتَين دينيّتَين مختلفتَين في قراءة المزمور. فمن جهة تَبرزُ صورة الله الحي محور الإيمان الحقيقي. فحضوره فاعل ومُنقذ؛ الله ليس حقيقة جامدة وغابئة، ولكنه شخص حيٌّ يقود خطى المؤمنين به إلى الخلاص، "الرّب يُدين شعبَه ويرأف بعبيده".

    ومن جهة أخرى، تظهر صورة أوثان الأمم، وهي تعبير عن تقوى منحرفة وكاذبة. "فالأوثان فضّة وذهب صُنعُ أيدي البشر"، إنّها نِتاج رغبات الناس، وهي عاجزة عن تخطّي محدوديّة الخلق... فهي وإن كان لها أفواه وعيون وآذان، ولكنّها جامدة لا حياة فيها...

   إن مصير من يعبد هذه الأوثان الميّتة، أضاف البابا في تعليمه، مماثل لها، فهو عاجز وسريع العطب وجامد لا حياة فيه. في هذه الآيات برزت بوضوح تجربة الإنسان الخالدة في البحث عن الخلاص "بأعمالٍ من صنع يَدَيه" واضعاً رجاءه بالغنى والسلطة والنجاح والمادّة. ولكن مصير هذا الإنسان وللأسف هو كما وصفه لنا النّبي أشعيا قائلاً:"إنَّما يرعى رماداً. قد أزاغَه قلبُه المغرور فلا يُنقِذُ نفسَهُ ولا يقول أَمَا في يميني كذبٌ؟".

   إن المزمور المائة والرابع والثلاثين، أضاف البابا، وبعد هذا التأمّل حول الديانة الحقيقيّة والديانة الباطلة، وحول الإيمان الصّحيح بربّ الكون والتاريخ، وحول الأوثان، ينتهي بالبركة الطقسيّة التي تُعدّد سلسلة من وجوه الشعب المختار المجيدة المجتمعة في الهيكل لمباركة الرّب الخالق والمُخلِّص بتواضع الإيمان.

   الليتورجيّة هي المكان المفضّل لمساع كلمة الله التي تُجسّد أعمال الرّب الخلاصيّة، وهي أيضاً المكان الذي ترتفع منه صلاة الجماعة التي تعظّم المحبّة الإلهيّة. الله والإنسان يلتقيان في عناق خلاصي يجد تمامه في الاحتفال الليتورجي.

   إن القدّيس أغوسطينوس، وفي معرض شرحه لآيات المزمور التي تحكي عن تشابه الأوثان بعابديها قال:"في الواقع إخوتي إن صانعي الأوثان والمُتَّكلين عليها مثلها: ليس بالطبع بجسدهم، إنّما بإنسانهم الباطني. لهم آذان ولكنّهم لا يسمعون صراخ الرّب القائل:"من له أذنان سامعتان فليَمسع". لهم عيون ولا يرون: لأنّهم يفقدون بصيرة الإيمان. لهم أنوفٌ لا يشمّون: لأنّهم عاجزون عن شمّ تلك الرائحة التي قال عنها الرّسول بولس:"نحنُ رائحة المسيح الطيّبة في كلّ مكان". فما نفع هؤلاء أن يكون لهم أنوف ولا يستطيعون من خلالها تنشُّق رائحة المسيح الطيّبة؟".

   ويُقرّ القديس أغوسطينوس بأنه وبالرغم من استمرار وجود أناس متشبّثين بالأوثان، هناك كلّ يوم أناس آخرون، وبعد إقرارهم بعجائب الرّب يسوع، يعتنقون الإيمان المسيحي. كلّ يوم تنفتح عيون عميان، وآذان صمٍّ، وتنحلّ ألسنة بُكمٍ وتتشدّد أطراف كُسحِ وتستقيم أرجل عُرج، ومن كلّ تلك الحجارة يصنع الرّب أبناءً لإبراهيم...

   بعد الانتهاء من عرض تعليمه الأسبوعي حول المزمور المائة والرابع والثّلاثين، وجّه البابا تحياته للوفود الحاضرة بلغات عديدة وخصّ بالذكر المرضى والشبيبة والأزواج الجدد، وبنوع خاص ممثّلي الفرق الشبابيّة للعبادة الإفخارستيّة الذين قَدِموا إلى روما من بلدان عديدة لإحياء مؤتمر حول الإفخارستيّة. وقال قداسته:"فليَكن مثال القديس فرنسيس المنير، الذي احتفلنا بعيده يوم أمس، حافزاً لكم أيّها الشباب لتضعوا القربان المقدّس محوراً لحياتكم الخاصّة والجماعيّة، متعلّمين العيش من القوّة الروحيّة النابعة من هذا السرّ العظيم. وليكن مثال هذا القديس عوناً لكم أيها المرضى في مواجهة الألم بجرأة، مكتشفين بالمسيح المصلوب الهدوء والعزاء. وليَقُدْكُم مثال هذا القدّيس أعزائي الأزواج الجدد، ختم البابا، إلى بناء حبٍّ عميق لله وبين بعضكم البعض في خبرة فرح الحياة اليوميّة النابعة من العطاء المتبادل والمنفتح على الحياة".








All the contents on this site are copyrighted ©.