2005-09-14 15:55:35

"عهد الرّب لداود الملك": موضوع مقابلة قداسة البابا مع المؤمنين


   أجرى قداسة البابا بندكتس السادس عشر مقابلته العامّة المعتادة مع المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان وجميع مع استمعوا إليه مباشرة عبر الإذاعة والتلفزيون في مختلف أنحاء العالم، وركّز تعليمه هذا الأسبوع حول المزمور المائة والحادي والثلاثين الذي ينقل لنا في آياته وعد الله لداود الملك. وممّا جاء فيه:"أُذكُر يا ربّ داود وكلَّ عنائِهِ. كيفَ أقسَمَ للرّب نَذَرَ لعزيزِ يعقوبَ أن لن أدخل خباءَ بيتي ولن أعلوَ سريرَ مضجعي... إلاَّ أن أجد مُقاماً للرّبِ مساكِنَ لعزيز يعقوب... لندخل إلى مساكن الرّب لنسجد لموطئ قدمَيه... لِيَلبَس كهنتها البرَّ وليُرنِّم أصفياؤكَ...".

   إنّ المزمور المائة والحادي والثّلاثين، قال البابا في تعليمه، يدخل في إطار صلوات المساء ويوقفنا أمام حقبتَين مختلفَتَين: الأولى يقول الباحثون، تحملنا إلى أورشليم، العاصمة الجديدة التي اختارها الملك داود، أثناء نقل تابوت العهد، علامة الحضور الإلهي وسط شعبه المختار. ويُخبرنا الكتاب المقدّس أن داود كان يرقص بفرح عارم أمام تابوت العهد على عُشاريّ الأوتار وألحان الكنّارة، فيما الحقبة الثانية تحملنا، حسب باحثين وشراح آخرين للكتاب المقدّس، إلى احتفال تذكاري لهذا الحدث القديم بعد تأسيس مكان لعبادة الله على يد داود الملك.

   هذا النّشيد بالنسبة لنا، أضاف البابا في تعليمه، يحمل بعداً ليتورجياً، إذ كان يُستعمل أثناء القيام بطواف بحضور الكهنة والمؤمنين في جوق صلاة وإنشاد واحد. ثمّ توقّف قداسته عند شرح الآيات العشر الأولى من المزمور، مركّزاً على قَسَم الله لداود الملك الذي ردّد بعد أن تذكّر عناءَه مع سلفه شاوول الملك، كيف أقسم للرّب ونَذَرَ لعزيزِ يعقوب أن لن يدخُلَ خباء بيته إلاّ بعد أن يجِدَ مُقاماً لتابوت عهد الرّب.

   في قلب الحياة الاجتماعيّة، قال البابا، يجب أن يكون هناك حضور يُذكّر الناس بسرّ الله المتسامي. الله والإنسان يسيران معاً في التاريخ، وهيكل الرّب يُشكّل علامة منظورة لهذه الوحدة الإلهيّة والإنسانيّة.

   ويتحدّث داود في سياق النّشيد عن العثور على تابوت العهد في أفرائيم حيث مكث مدّة طويلة إلى أن أرجعه الفلسطينيّون إلى الإسرائيليّين على أثر فقدانه أثناء إحدى المعارك بينهما. ومن أفرائيم حمله داود إلى المدينة المقدّسة وسط أجواء الفرح والعيد وعلى وقع الموسيقى والأناشيد. إن لُبّ صلاة المزمور، أضاف البابا، تكمن في هذا التلاقي بين الكهنة والمؤمنين من جهة، وبين عظمة الرّب وجبروته من جهة أخرى.

   في ختام القِسم الأوّل من المزمور، تتردّد الهتافات المصليّة من أجل الملوك الذين سيخلفون داود على عشر إسرائيل، "من أجل داود عبدِكَ لا تَردُد وجه مَسيحِكَ". وهذا يُبرز البُعد المسيحاني في هذه الطلبة التي بدأت بسؤال الرّب أن يذكُر داود وكلّ عنائِه. أمّا عبارة "مسيحِكَ" فتعكس البعد الروحي عند المصلي، وهو بعد يتخطّى أحداث المُلك في إسرائيل ليصل إلى حالة انتظار المسيح الذي يحمل الخلاص التام لشعب الله المختار.

   التقليد المسيحي، ختم البابا تعليمه الأسبوعي يقول، رأى في هذا المزمور وعداً مسيحانياً إذ كتب أحد كهنة أورشليم في القرن الخامس ميلادي صلاة للعذراء مريم قال فيها:"لكِ ولمن وُلِدَ منكِ لم يكفَّ داود عن الإنشاد على ألحان الكنارة مردّداً:"قُم أيُّها الرّبُّ إلى راحَتِكَ أنتَ وتابوتُ عزّتِكَ". وما تابوت عهدِكَ سوى العذراء أمِّ الله، فإن كنتَ جوهرة يا ربّ فالعذراء إناؤها، وإن كنت الشمس فهي سماؤها، وإن كنتَ الزّهرة المنزّهة فهي الغرسة التي لا تعرف الفساد وفردوس الخلود".

   بعد الانتهاء من تعليمه الأسبوعي انتقل البابا لتحيّة المؤمنين الحاضرين في الساحة الفاتيكانيّة بلغات عديدة وخصّ بالذكر المشاركين في المؤتمر الوطني الإيطالي للكهنة المخوّلين طرد الأرواح الشّريرة، مشجّعاً إياهم على الاستمرار في واجباتهم المهمّة في خدمة الكنيسة، مستندين إلى سهر أساقفتهم وصلوات الجماعة المسيحيّة. ثم توّجه البابا بتحيته إلى الشبيبة والمرضى والأزواج الجدد، مذكّراً الجميع بأن الكنيسة تحتفل اليوم بعيد ارتفاع الصّليب المقدّس، ومتمنياً عليهم أن يجدوا بإشارة الصليب الخلاصيّة على الدوام، العزاء والعون لتخطّي كلّ العراقيل والمشاكل اليوميّة. بعدها صلّى البابا "الأبانا" ومنح الجميع بركته الرّسولية.

   إلى ذلك وبعد انتهاء البابا من مقابلته العامّة مع المؤمنين، توجّه إلى باحة مقر القديسة مارتا في الفاتيكان ليُبارك تمثالاً من الرخام للقديس الإسباني خوسيه ماريا إسكريفا دي بالاغير مؤسسّ حبريّة "الأوبوس داي"، سيوضع في إحدى الفجوات الجدرانية الخارجيّة لبازيليك القديس بطرس. يبلغ طول التمثال الرخامي خمسة أمتار.

   يُذكر أن الفجوات الجدرانيّة الخارجيّة في البازيليك الفاتيكانيّة قد خصّصها البابا الراحل يوحنّا بولس الثّاني لوضع تماثيل قدّيسين ومؤسّسي رهبانيّات معاصرين. كما وتحوي بازيليك القديس بطرس من الخارج ومعها أعمدة برنيني، أكثر من مائة وخمسين منحوتة رخاميّة تمثّل قديسين كبار في الكنيسة، والمغذى من كلّ ذلك أن سلسلة التماثيل هذه تُذكّر المؤمنين والعالم بأن الكنيسة جميلة بحياة قدّيسيها الذين هم مثالٌ وحافزٌ لكلّ المسيحيّين.








All the contents on this site are copyrighted ©.