2005-08-21 11:42:53

القداس الختامي للأيام العالميّة للشّبيبة وعظة قداسة البابا بندكتس السادس عشر


   بلغت الأيام العالميّة للشّبيبة هذا العام نهايتها، وبات كلّ شاب وشابّة كالمجوس الأربعة الذين اختاروا طريقاً للعودة إلى أوطانهم من حيث أتوا. مئات الآلاف عاشوا مع البابا في قلب السنة القربانيّة معنى هذا السرّ العظيم، سرّ حضور المسيح في الخبز والخمر المقدّسَين.

   إنّه اختبار مميّز عاشه بندكتس السادس عشر بنجاح باهر في رحلته الأولى خارج الفاتيكان التي حملته لزيارة بلده الأم ألمانيا وأحياء اليوم العالمي العشرين للشّبيبة. اختبار حاول فيه الحبر الأعظم أن يُفهِم شبيبة العالم أن حضور المسيح الحقيقي بين المؤمنين هو نقطة انطلاق لحياة الإنسان برمّتها فرديّة كانت أم جماعيّة. نقطة التقاء جوهرية في بناء دينامية الحياة الاجتماعيّة.

   رسالة البابا التي لخّص فيها معنى الأيام العالميّة للشّبيبة وأهميّة التعلّق بيسوع المسيح، جاءت سطورها جليّة في العظة التي ألقاها أثناء القداس الإلهي الختامي الذي رئسه عند السّاعة العاشرة من قبل ظهر اليوم بتوقيت ألمانيا في ساحة مارينفيلد بكولونيا.

   نقطة الانطلاق في عظة قداسة البابا بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، هي القربان المقدّس الذي صار من خلال يسوع خبزاً يقوّي ويُغذّي من الداخل حياتنا. بجعله من الخبز جسده ومن الخمر دمه، يستبق يسوع حدث موته ويقبله بعمقه ويحوّله إلى عمل محبّة. مع يسوع يتحوّل العنف إلى محبّة والموت إلى حياة. بواسطة الإفخارستيا صارت ساعة يسوع ساعتنا، وبات حاضراً فيما بيننا.

   إن التحوّل الجوهري الذي تمّ في عليّة صهيون في العشاء السرّي الأخير، أضاف البابا في عظته، هو نفسه الذي يتم كلّ يوم ليحوّل العالم فيصير الله فيه كلاًّ في الكلّ. ينتظر البشر على الدوام تغييراً ما في قلوبهم يحوّل العالم. بهذا الخير الإلهي المُتدفّق ينتصر الإنسان على الشرّ فتنطلق ثورة التحوّلات التي تُغيّر العالم رويداً رويدا. إن كلّ تغيير خارج عن منطق الله يبقى تغييراً سطحياً لا خلاص فيه للإنسان.

   إن جسد المسيح ودمه أعطيا لنا كيما نتحوّل نحن أيضاً إلى مسحاء جدد تربطنا علاقة الدّم مع المسيح الذي يخترقنا بفعل الروح القدس وينتشر من خلالنا إلى الآخرين ومنهم إلى العالم أجمع فتُصبِح محبّته مقياس العالم الأوحد.

   لقد أولانا المسيح مهمّة الدخول في ساعته، أضاف البابا في عظته، فساعة يسوع هي ساعة انتصار المحبّة. انتصار الله لأنّه محبّة. بواسطة الذبيحة الإلهيّة ندخل طوعاً في عمليّة التحوّل التي أرادها الله لنا، ومن هنا سطّر البابا بندكتس السادس عشر دور يوم الأحد والذبيحة الإلهيّة في حياة المسيحيّين، فالوقت الحرّ يبقى فارغاً بدون الله، لذا إذا التزمتم بيوم الرّب، قال البابا للشبيبة، تُدركون أن التزامكم هذا يُعطي طعماً ومعنى لوقتكم الحرّ.

   ثمّ حذّر البابا في عظته من أن أنحاء كثيرة من العالم يسودها نسيان الله، ويسودها في الآن معاً الشعور بالذّنب وعدم الرضى من كل ما يدور حولنا من بشر وأشياء. ومع نسيان الله نشهد تفشياً لظواهر دينيّة، مما يجعل الديانة هي أيضاً سلعة للاستهلاك، نختار ما يعجبنا لنستفيد منه مادياً. إن الديانة التي يبحث عنها المرء على مزاجه الخاص لا تساعدنا، إنها مريحة ولكنّها تتركنا لمصيرنا أمام أوّل منعطف وصعوبة نلتقيهما.

   ويحث البابا في عظته الشبيبة في قدّاس ختام الأيام العالميّة للشّبيبة في كولونيا، على الانخراط في روح الكثلكة في العمق ناصحاً الجميع بقراءة ملخّص التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة الذي صدر مؤخراً في الفاتيكان. ثمّ سطّر البابا أهميّة الارتداد الشخصي والمصالحة مع الله الذي يكتشفه المؤمن من خلال سرّ القربان المقدّس، وفيه يكتشف رحمة الله العظيمة التي تسمح له ببدء حياة جديدة بعيدة عن الخطيئة والضياع. ولم ينسَ البابا البعد الجماعي في الحياة المسيحيّة. ففي الجماعة المصليّة تتجلّى قوّة الإنجيل وحيويّته. إنّ عفويّة الجماعات الجديدة مهمّة، قال البابا، ولكنّ الأهم الحفاظ على الوحدة مع البابا والأساقفة الذين يضمنون عدم التفرّد في طرق خاصّة والعيش ضمن عائلة الله الكبيرة التي أسَّسها الرّب يسوع مع رسله الإثنَي عشر.

   وحثّ البابا الشبيبة في الختام على عيش صلاتهم اليوميّة كما رسمها ووصفها الرّسل القدّيسون ولخّصها بولس الرّسول في رسالته الأولى إلى الكورنثيّين بالقول:"نحنُ جسدٌ واحدٌ لأنّه ليس هناك إلاَّ خُبزٌ واحد، ونحنُ على كثرتنا جسدٌ واحد لأنّنا نشترك في هذا الخبز الواحد". (1كور: 17،10). وأن نكون مسيحيّين قادرين على الصلاة كجسد واحد يجب أن تمتلكنا القدرة على الغفران، والشعور بحاجات الآخر، والاستعداد لتقاسم ما لدينا من خيور مع المحتاجين، والالتزام في مساعدة القريب والبعيد على السّواء من خلال مبادرات التطوّع على سبيل المثال في مساعدة المُسنّين للخروج من وحدتهم وعزلتهم، والتخفيف من أوهان المتألّمين. إن العيش مع المسيح يفتح عيوننا على إتمام الخير وأعمال الصّلاح.

   في نهاية الذبيحة الإلهية تلا قداسة البابا صلاة التبشير الملائكي التي أرفقها بكلمة ضمّنها شكره الحار لجميع منظّمي هذه الأيام المباركة من سلطات مدنيّة وروحيّة في ألمانيا وحدَّد موعد اللقاء العالمي القادم للشّبيبة في عام 2008 في العاصمة الأستراليّة سيدني مودعاً مسيرة شباب العالم المُستقبليّة إلى شفاعة العذراء مريم الكليّة القداسة.








All the contents on this site are copyrighted ©.