2005-08-19 16:14:16

البابا بندكتس السادس عشر يزور الكنيس اليهودي في كولونيا: بعون الله يُمكننا بناء عالم أكثر عدالة وسلاماً يعيش فيه الجميع بالتساوي في الحقوق والواجبات


   في يومه الثاني في مدينة كولونيا الألمانيّة لمشاركة الشباب أيّامهم العالميّة، وزيارته الأولى لبلده الأم بعد اعتلائه السدّة البطرسيّة، احتفل قداسة البابا بندكتس السادس عشر صباحاً بالقداس الإلهي في كابللة رئاسة أبرشية كولونيا من ثمّ انتقل إلى فيلاّ هاميرشميدت، حيث مقرّ رئاسة الجمهورية، من أجل إتمام زيارة مجاملة إلى الرئيس الألماني هورست كوهلر.

   بعد زيارة رئيس الجمهوريّة انتقل البابا عند الثانية عشرة ظهراً إلى كنيس كولونيا اليهودي حيث كان في استقباله حاخام ألمانيا الأكبر وثلاثة رؤساء من الجماعة اليهوديّة المحليّة...

   بعد قراءة مقطع من سفر التكوين في العهد القديم باللغة العبرية، أنشدت الجماعة المزمور الثاني والعشرين، من ثمّ نُفخ في البوق، لتليها كلمة رؤساء الجماعة اليهوديّة والحاخام الأكبر. ثمّ جاءت كلمة قداسة البابا بندكتس السادس عشر التي ابتدأها بالعبارة العبرانيّة "شالوم ليكيم"، أي السّلام عليكم، وعالج فيها مسائل هامّة وعديدة استهلّها بالتعبير عن رغبته الحارّة بلقاء الجماعة اليهوديّة وممثّليها في كولونيا بعد انتخابه حبراً أعظم. وربط البابا زيارته للكنيس اليهودي بحدث السابع عشر من تشرين الثّاني نوفمبر من عام 1980، ذكرى زيارة سلفه السّعيد الذكر البابا يوحنّا بولس الثّاني الأولى إلى ألمانيا ولقائه أعضاء اللجنة اليهوديّة المركزيّة الألمانية في مدينة ماكونزا. وأكّد البابا بندكتس السادس عشر في كلمته على استمرار المسيرة نحو تحسين علاقات الصداقة مع الشّعب اليهوديّ، والتي قطع البابا الراحل شوطاً كبيراً فيها إلى الأمام.

   ثمّ اعتبر البابا أن الجماعة اليهوديّة في كولونيا يُمكنها الشعور حقيقة بأنها في بيتها، والكنيس اليهودي هو أقدم أماكن الجماعة اليهوديّة على التراب الألماني، ويعود للحقبة الرومانيّة. إن العلاقات اليهوديّة المسيحيّة في كولونيا اجتازت مراحل معقّدة، وأحياناً مؤلمة، أضاف البابا، فهناك مراحل طُبعت بالتعايش السّلمي والهادئ تبعتها حقبة طرد اليهود من كولونيا عام 1424. وفي القرن العشرين، أظلم مرحلة يجتازها تاريخ ألمانيا وأوروبا، قامت إيديولوجيّة عنصريّة مجنونة جذورها غارقة بالوثنيّة الجديدة، بمحاولة مُنظّمة لإبادة اليهوديّة الأوروبيّة، فكانت محرقة اليهود التي ذهب ضحيّتها في كولونيا فقط نحو سبعة آلاف يهودي عُرفت أسماؤهم فيما قضى بالواقع أكثر بكثير من هذا العدد. لقد أنكر النظام الحاكم قداسة الله فداس قدسيّة الحياة البشريّة.

   ثمّ تذكّر قداسة البابا في كلمته في الكنيس اليهودي، الذكرى الستين للتحرّر من مخيّمات التعذيب النازيّة والتي أحيتها أوروبا هذا العام، حيث قضى ملايين اليهود، من رجال ونساء وأطفال، قتِلوا بغرف الغاز وحُرقوا في الأفران، لذا أضاف البابا قائلاً:"أتبنّى ما قاله سلفي السّعيد الذكر البابا يوحنّا بولس الثّاني بمناسبة الذكرى الستين لتحرير مخيّم أوشفيتز:"أُحني رأسي أمام جميع من اختبروا سرّ الظلم هذا". إنّ أحداث الماضي المُرعبة، عليها أن تحثّ على الدوام الضمائر لإبعاد الصراعات والحثّ على السّلام...

   ثمّ تذكّر البابا في كلمته الإعلان المجمعي "في عصرنا" الذي صدر عن المجمع الفاتيكاني الثاني وفتح آفاقاً جديدة في العلاقات بين المسيحيّين واليهود على أساس الحوار والتضامن... ويُدين الإعلان المجمعي المذكور أيضاً جميع أشكال الحقد والاضطهاد ومناهضة الساميّة التي تطال اليهود في كلّ زمان، لأنّ الله خلقنا جميعاً على صورته وألبسنا الكرامة عينها لذا كُلّنا سواسية أمامه شعوباً كنّا أم ثقافات أم أديان...

   وتطرّق البابا في كلمته أثناء زيارته الكنيس اليهودي إلى الإسهام الكبير الذي أدّاه الإعلان المجمعي "في عصرنا" في تعميق العلاقة بين اليهود والمسيحيّين في ألمانيا على جميع الأصعدة الرّسمية وغير الرّسميّة ممّا أعاد الثقة المتبادلة والشعور بالعيش في البيت الواحد، ولكن يبقى أمامنا الكثير من العمل لتفعيل الحوار الجريء والبناء بين اليهود والمسيحيّين، وهذا الحوار كيما يكون صادقاً لا يُمكنه الصمت عن الاختلافات الموجودة أو التقليل من أهميّتها: فحتّى في الأشياء التي تميّزنا عن بعضنا البعض بسبب معتقداتنا الدينيّة، قال البابا، علينا أن يحترم الواحد الآخر.

   وفي ختام كلمته حثّ البابا الجميع على النظر إلى الأمام وليس فقط إلى الماضي، للسير قدماً نحو تحقيق تطلّعات اليوم والغد. فالإرث الغني المشترك والعلاقة الأخويّة المبنيّة على الثقة، تُلزمنا على تقديم شهادة في الوئام والتضامن والتعاون في جميع المجالات... بعون الله يُمكننا بناء عالم أكثر عدالة وسلاماً يعيش فيه الجميع بالتساوي في الحقوق والواجبات...








All the contents on this site are copyrighted ©.