2005-05-15 10:00:16

عظة الكردينال مارتينس في احتفال تطويب خادمتَي الله أسونسيون غوني وماريانا كوب: القديسون عمل الروح القدس المُبدع الذي يحفر وجه المسيح على محيّاهم ويزرع في قلوبهم محبّة الله


   احتفل الكردينال خوسيه سارايفا مارتينس، رئيس مجمع دعاوى القدّيسين، هذا السّبت في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان، بالذبيحة الإلهية التي تخلّلها إعلان تطويب خامتَي الله أسونسيون غوني وماريانا كوب.

   بعد تلاوة الإنجيل المقدّس ألقى نيافته أمام المشاركين في احتفال التطويب عظة تحدّث فيها عن العلية التي اجتمع فيها الرّسل بانتظار حلول الروح القدس عليهم، ومشهد العليّة يتكرّر اليوم أيضاً في كنيسة القديس بطرس حيث يشعر الجميع بحضور مريم الوالدي وقربها من الرّسول بطرس الذي تقوم هذه البازيليك على ضريحه المقدّس. ثم استلهم نيافته حلول الروح القدس ليمنح لنا من السّماء نور حكمته، فهو أب الفقراء ومعطي المواهب ونور القلوب...

   ثمّ توجّه نيافته بالشكر لجميع من تركوا مدنهم وبيوتهم واجتازوا المحيطات والقارّات ليتقاسموا مع الجميع في روما نعمة العنصرة وفرحة إعلان تطويب الأم أسونسيون غوني والأم ماريانا كوب... وأضاف نيافته أنّ آيات الإنجيل التي تليت على مسامع المؤمنين تساعدنا على تذكّر سرّ العنصرة العظيم الذي طبع بهيبته بداية رسالة الكنيسة في العالم. لقد حملت لنا آيات الإنجيل نداء يسوع القائل لنا:"من كان عطشاناً فليأتِ إليّ ويشرب". إنّ إنسان كلّ زمن وكلّ ثقافة مُتعطّش للحياة والحقيقة والسّلام والسعادة. مُتعطّش للخلود ولله، ويسوع قادر أن يروي عطشه... مياه يسوع هي الروح القدس، الروح البارئ والمعزّي الذي يُبدّل قلب الإنسان ويُفرّغه من الظلام ويملأه حياة إلهيّة، وحكمة ومحبّة وإرادة طيّبة وفرحاً...

   إنّ الروح القدس، أضاف نيافة الكردينال خوسيه سارايفا مارتينس في عظة احتفال التطويب، يُبدّل وجود من يستقبله في قلبه، ويجدّد وجه الأرض والخليقة... إنّ اختبار عيش الروح القدس الذي حوّل الرسل إلى شهود المسيح القائم من الموت ورسل الإنجيل على دروب العالم، يتكرّر اليوم في كلّ من قبلوا المسيح وانفتحوا على الله والبشريّة، ويتكرّر بنوع خاص في القديسين المجهولين أو المرفوعين إلى مجد المذابح. القديسون عمل الروح القدس المُبدع الذي يحفر وجه المسيح على محيّاهم ويزرع في قلوبهم محبّة الله.

   إنّ الطوباويّتَين الجديدتَين، أضاف نيافته، شرّعتا حياتهما لروح الله وتركتاه يقودهما في خدمة الكنيسة والفقراء والمرضى والشبيبة.

الطوباويّة أسونسيون كانت من بين أكبر مرسلي القرن المنصرم، فمنذ صباها فهِمَت الحياة كعطية لله وللقريب واختارت أن تكون لله وحده وليس لسواه فكرّست ذاتها راهبة دومينيكانيّة في دير القديسة روزا بإسبانيا.

   أوّل مجال عمل راعوي لها كان في حقل التعليم في معهد تابع للدّير، فكانت مربية ممتازة، قويّة مُتفهّمة ومتطلّبة. ولكنّ الله اختار لها طريقاً آخر عبر دعوتها لتكون مرسلة في البيرو، فانطلقت باندفاع كبير وترك عملها السّخي أثره العميق والإيجابي في تاريخ الكنيسة الإرسالي. زرعت كثيراً وحصدت الكثير، بلغت زياراتها الرّسولية الربوع الصينيّة. كرّست كلّ طاقاتها من أجل خلاص الأنفس مردّدة عبارتها الشّهيرة "لا خلاص للأنفس من دون التضحية بذواتنا". تاقت لحبّها الصافي حتّى قدّمت ذاتها ذبيحة لمراحم المحبّة الإلهيّة.

   وممّا أبدع الروح القدس من نعمه في الكنيسة حياة الطوباويّة ماريانا كوب التي تحمل لنا معها نسيم الروحانيّة الفرنسيكانيّة الطيّب وروعتها. إن خدمتها لمرضى داء البرص تذكّرنا باختبار القديس فرنسيس المؤثّر الذي يوصي في وصيّته قائلاً:"أشعر بالمرارة عندما أرى مرضى البرص الذي قادني الرّب إليهم ليصنع رحمة". إن لقاء القدّيس فرنسيس مع البرص لم يكن فقط اختبار قرب وتضامن إنساني، إنما كان عناقاً مع المسيح المصلوب وبداية مسيرته نحو القداسة البطوليّة.

   إنّ لقاء الأم ماريانا كوب مع البرص، أضاف نيافته، جاء بعد عشرين سنة من حياتها الروحية الغنية في رهبنة القديس فرنسيس الثالثة، ودعاها الله إلى مواجهة مخاطر الرسالة في جزر مولوكاي، أُرسلت كرئيسة إقليميّة من ثمّ تخلّت عن كلّ شيء ونزلت بين مرضى داء البرص لخدمتهم غير آبهة بالمخاطر المحدقة بها فكرّست خمساً وثلاثين سنة من حياتها لعيش الحب السّامي في خدمة الله والقريب. أحبّت المرضى المتألّمين بالمسيح ومشت على خطى السامري الصالح فصارت "أمّا للبرص" قوّتها يسوع وغذاؤها جسده ودمه وصلاتها مريميّة. لم تنتظر عرفان جميل من أحد وكانت تردّد قائلة:"لا أنتظر مكاناً سامياً في السماء، إنّما أرتضي بزاية صغير أتمكّن من خلالها محبّة الله إلى الأبد".

   ثمّ ختم نيافة الكردينال خوسيه سارايفا مارتينس عظته في احتفال التطويب مسطّراً حضور الروح القدس في حياة الطوباويّتَين الجديدتَين اللّتَين تكلّمتا لغة الحقيقة والمحبّة القادرة وحدها على هدم الحواجز الثقافيّة والعرقيّة، وبناء وحدة العائلة البشريّة التي يُفرّقها الكبرياء وشهوة السلطة والهرب من سلطان الله... وفي الختام استودع نيافته صلاة الجماعة لشفاعة الطوباويّتَين أسونسيون وماريانا سائلاً الله أن يمنحنا "ماء الحياة الأبديّة".








All the contents on this site are copyrighted ©.