2005-03-25 16:16:26

الجمعة العظيمة... مسيرة الروح على دروب الجلجلة


"ولمَّا وصلوا إلى المكان المدعوّ "الجمجمة"، صلبوه هناك والمجرمَين. وكان يسوع يقول :"أيُّها الآب، إغفر لهم لأنَّهم لا يعلمون ماذا يفعلون." والجنود كانوا يهزأون به، وهم يدنون منه ويقدِّمون له الخلَّ ويقولون  له:إن كنت ملك اليهود فأحيي نفسك." فوقع الظلام على الأرض كلِّها، والشمس أظلمت، وحجاب الهكيل انشقَّ من وسطه. وصرخ يسوع صرخة عظيمة وقال:"يا أبت بين أيديك أضع روحي." قال هذا ولفظ روحه.RealAudioMP3

 

التأمل

ارتفعت يا ابن الله بين الأرض والسَّلام فرفعت إليك الإنسان كائنًا من كان: سقيمًا، خاطئًا، صدِّيقًا، بارًا. رفعت الكلَّ إليك بفدائك لهم على خشبة الصليب، مبارَكة آلامك المقدَّسة. عانقت خشبة العار يوم فقد الإنسان ما للقيم من معنى وللحبِّ من عطاء وللتضحية من عمق. آنذاك اخترت أن تموت لتعلِّم الجميع أنَّ المحبَّة الحقيقيَّة تتطلَّب التضحية حتَّى الموت من أجل بلوغ الحريَّة والنهوض بالإنسان والأوطان.

تصبو ألحاظنا إليك اليوم يا ابن الله، ونحن بأمسِّ الحاجة لفدائك وسط عالم فقد قيمه وتحوَّل الكلُّ فيه إلى باعة الهيكل، باعة للضمير، باعة للحريَّة والكرامة، باعة لقناعاتهم المقدَّسة ولشرفهم العائلي والوطني. نعم، نحن بأمسِّ الحاجة لفدائك وسط عالم يصف المجرم بالقوي، والكاذب بالذكي، والسارق بالحذق، والخائن بالوطني، والوطني بالمجنون، والجاهل بالعالِم، والشرف بالمغفَّل والوضيع بالضعيف.

جمعة آلامك لم تنته فصولاً يا ابن الله، إنَّك تُسمَّر كلَّ يوم على خشبة صليبك لتحمل خطايا من دعوا باسمك مسيحيين، من اتمنوا على وديعة الإيمان، لتحمل خطايا كاهن يزرع الشكَّ بمثله، وراهب يخلُّ بنذوره، وعلماني يخون الأمانة ويعبث بثقة الآخرين، ومسؤول يدوس شرف مواطنيه ويذلّ كراماتهم. من أجل كلِّ هذا تموت أنت: من أجل الفقراء والمشرَّدين، من أجل ضحايا الحروب العبثيَّة وعنف الإرهاب الأعمى، من أجل المضطهدين بسبب معتقدهم وإيمانهم، من أجل المحبطين بقمع الإحتلال الغريب الذي يمتصُّ مقوِّمات التطور الإقتصادي والإجتماعي في بلدانهم.

تموت أنت لتعلِّمنا أنَّ كلَّ هذا هباء وضياع وشريعة الحقّ الجديدة هي شريعة المحبَّة. لقد أحببتنا حتَّى الغاية، لعلَّنا نتعلَّم أن نحبَّ مثلك ولو مرَّة واحدة في حياتنا، فنغفر دون تكلّف ونحرِّر الآخرين من أعباء أثقال مفاهيمنا وقناعاتنا الشخصيَّة، ونصالح إخوتنا، ونحاور أعداءنا ومبغيضينا، ونقبل اختلال بعضنا عن بعض بالعرق واللون والإنتماء. هكذا فقط نستحقُّ أن نقوم معك من قبر الظلمة والخوف بعد ثلاثة أيام متلألئين بأنوار مجد القيامة.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.