2004-12-26 14:11:57

بانوراما الميلاد


الميلاد في العالم علامة أمل ورجاء للبشرية

اهتزت الأرض صباح الأحد غداة ميلاد الرب يسوع في أعنف زلازل تضرب الكرة الأرضية منذ أكثر من مائة عام لتوقع الآلاف من الضحايا وتترك دمارا وخرابا وتشرد الآلاف. زلازل قوية وأمواج عاتية ضربت أجزاء من إندونيسيا، تايلاندا، ماليزيا، الهند، بنغلاديش، سريلانكا، المالديف وحوض المحيط الهندي. سجل مركز الزلزال في عرض جزيرة سومطرة الإندونيسية وبلغت شدته حسب مركز المسح الجيولوجي الأمريكي تسع درجات من مقياس ريختر. وهي أعنف من الهزة التي ضربت شيلي عام 1960. كما غرق ثلثا عاصمة المالديف بسبب توابع الزلزال.

تصدعات أرضية وأمواج ارتفاعها عشرة أمتار وفيضانات ورياح بسرعة مائة وخمسين كيلومترا في الساعة هبت زارعة الموت والدمار في جنوب شرق آسيا. انهيارات في المباني وتصدع في قعر المحيط. كما اختفت جزيرة أندمان الواقعة في المحيط الهندي. قال مسؤول في دائرة المسح الجيولوجي في إيطاليا إن الزلازل هزت الكوكب كله. ويتوقع أن تضرب هزات ترددية أخرى منطقة جنوب شرق آسيا. وقد أعلنت رئيسة سريلانكا حالة الطوارئ في البلاد. ومن الجدير بالذكر أن إندونيسيا المكونة من أكثر من سبعة عشر ألف جزيرة معرضة للزلازل بسبب موقعها على حواف الصفائح الأرضية المكونة لما يسمى بحلقة النار المحيطة بحوض المحيط الهادئ.

إلى جانب هذه الكارثة الطبيعية المأسوية يبقى الأمل غداة ميلاد المسيح بأن يعي العالم خطورة ما يحدث في أفق البشرية المتعبة التي أنهكت قواها حروب ونزاعات مستمرة. يكفي التفكير بالشرق الأوسط حيث لا يمر يوم واحد إلا ونسمع فيه عن مقتل بريء أو أكثر وعن وقوع قتلى في صفوف العسكريين في ما السياسة والدبلوماسية تسير ببطء ناهيك عن مصالح هذا الطرف أو ذاك. وما القول عن العراق وسيناريوهات العنف والانتقام وأعمال الخطف؟ وعن أفريقيا قارة الفقر والبؤس والاستغلال حيث يقضي كل يوم عدد كبير من الأطفال لافتقارهم إلى الغذاء ومياه الشرب أو ضحية الاستغلال الجنسي والتجنيد القسري؟

مشهد مشحون بالتشاؤم! لكن الإنسان بطبيعته وبعون الخالق لا يفقد الأمل بتصحيح مسيرته. فها هو البابا يوحنا بولس الثاني يرفع صوته عاليا ليندد بمساوئ الجنس البشري ويدعو إلى السلام والمصالحة. فعل هذا متعبا ومرهقا إذ بارك المدينة والعالم وعيناه متجهتان نحو الأرض المقدسة التي ولد فيها المسيح مخلص البشرية. وفي كنيسة المهد في بيت لحم رفع بطريرك القدس للاتين ميشال صباح في قداس الميلاد صوته ليؤكد أن السلام ممكن بين شعبين يتصارعان منذ عقود إذا ما سادت المصالحة والوفاق قلوب الإسرائيليين والفلسطينيين.

نداءات قداسة البابا من أجل السلام وقهر الشر بالخير لاقت صدى واسعا لدى رجال ونساء يعملون في ظروف صعبة لتحسين أوضاع أخوة وأخوات وقعوا ضحية الحرب والفقر والإرهاب. نفكر بالمرسلين والمرسلات الذين يجازفون بحياتهم كل يوم من أجل الآخرين. وما القول عن المتطوعين العلمانيين وأولئك الذين أمضوا عيد الميلاد مع البائسين والمشردين؟ ناهيك عن الهيئات الإنسانية الحكومية وغير الحكومية النشطة في مناطق ساخنة في العالم! مع ذلك لم يمنع الميلاد على الرغم من بهجته ومضامين السلام والمحبة التي يتضمنها من استئناف القتال والمعارك في العراق. ولم تكفِ تهاني الرئيس الأمريكي بوش للجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان لطمأنة أمهات وعائلات العسكريين.

مع ذلك لا بد من رؤية النواحي الإيجابية في هذه الكوارث الإنسانية. ففي العراق هناك إرادة في تسوية الأوضاع وتقليص هوة الخلافات بين الأطراف المتنازعة في ضوء الانتخابات القادمة لإقامة عراق حر ومستقل. وفي الأراضي الفلسطينية يبدو أن الميلاد حمل معه ليونة في مواقف السياسيين من الشارعين الإسرائيلي والفلسطيني على الرغم من انتصاب الجدار الفاصل. فقد سمح الإسرائيليون للفلسطينيين بالمشاركة في الاحتفالات الميلادية خلافا للسنوات الماضية. وظهرت مؤشرات التآخي عبر مشاركة سياسيين فلسطينيين مسلمين في قداس الميلاد بكنيسة المهد في بيت لحم. علها تكون علامات انفراج كي يعود الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني إلى العيش معا في ظل المسامحة والاحترام المتبادل.

 
مناخ من الاحتفالات والفرح والتسامح الديني ساد أيضا دول الخليج بمناسبة أعياد الميلاد المجيدة. باستثناء المملكة العربية السعودية حيث لا يزال بابا نويل ضيفا غير مرغوب فيه استقبلته معظم الدول الخليجية الغنية بالنفط بحفاوة وبرز ذلك خصوصا في المحال التجارية الكبرى والفنادق الفخمة. وبدا هذا بشكل خاص في دبي إحدى الإمارات السبع التي تتألف منها دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تشهد ازدهارا كبيرا وتطمح لتكون الواجهة الأولى على الخريطة السياحية للمنطقة. امتلأت الأسواق التجارية في دبي بزينة العيد بينما ازدانت الشوارع الرئيسية بالأضواء المختلفة الأشكال والألوان ونصبت أشجار الميلاد في ردهات الفنادق الكبرى وراحت الإذاعات المحلية تبث أغاني الميلاد لتضفي المزيد من الفرح على أجواء دبي حيث يعيش الآلاف من الأجانب.

لكن مظاهر العيد التي تنم عن تسامح ديني لا تقتصر على إمارة دبي حيث تغص الكنائس بالمصلين أيام الآحاد وتختلط أصوات المؤذنين بالتراتيل التي تنطلق من الكنائس القريبة. ففي مملكة البحرين المجاورة غمرت الفرحة قلوب أعضاء الجالية البريطانية الكبيرة وهم يرون الفنادق تغمرها زينة الميلاد. وفي سلطنة عمان حيث يعيش نحو 35 ألف كاثوليكي نصبت لافتات تدعو للقاء بابا نويل الذي قدم مباشرة من فنلندا ليتوقف في الساحات العامة ويستقبل الكبار والصغار على حد سواء. وتنافست الفنادق على استقطاب المشاركين في الأعياد التي تبلغ ذروتها بسهرة رأس السنة. وقالت إحدى الأمهات العاملات في مسقط:"نشعر هنا في عمان وكأننا في بلدنا وبإمكاننا أن نمارس شعائرنا الدينية كما نفعل في غوا في الهند". وثمة 250 ألف مسيحي يقيمون في الكويت بإمكانهم أن يحتفلوا بكل حرية بأعياد الميلاد في مختلف الكنائس في البلاد.

 

 

 








All the contents on this site are copyrighted ©.