2004-12-15 08:49:11


   "وسمع يوحنّا وهو في السّجن بأعمال المسيح، فأوفد إليه بعض تلاميذه ليقولوا له:"أأنتَ الآتي، أم ننتظر آخر؟ فأجابهم يسوع:"اذهبوا فأخبروا يوحنّا بما تسمعون وترون: إنّ العمي يُبصرون، والكسحان يمشون، والبرص يبرأون، والصمّ يسمعون، والموتى يقومون، والفقراء يُبشّرون، وطوبى لمن لا يشكّ فيّ". فلمّا انصرفوا، أخذ يسوع يقول للجموع في شأن يوحنّا:"ماذا خرجتم إلى البريّة تنظرون؟ أقصبة تهزّها الريح؟ بل ماذا خرجتم ترون؟ أرجلاً يلبس الثياب الناعمة؟ ولكنّ الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في قصور الملوك. بل لماذا خرجتم؟ ألكَي تروا نبياً؟ أقول لكم: أجل، بل أعظم من نبيّ. فهذا الذي كُتِبَ في خبره:"هاءنذا أُرسل رسولي قدّامك ليُعدّ الطريق أمامكَ".

   الحقّ أقول لكم: لم يظهر في أولاد النّساء أكبر من يوحنّا المعمدان، ولكنّ أصغر الذين في ملكوت السماوات أكبر منه...".RealAudioMP3

 

التأمّل:

 

   سؤال يوحنّا المعمدان:"أأنتَ الآتي، أم ننتظر آخر؟"، الذي يورده لنا إنجيل هذا الأحد، يُقسّم الزّمن إلى قسمَين ويُنهي مرحلة الانتظار ليبدأ مسيرة تحقيق الوعود. فكلّ ما كان سابقاً: موسى وإليّا، الشريعة والأنبياء، كان وعداً ونبوءة تُبشّر بمجيء الرّب. ولكن الآن هو حاضر، لقد أتى وآيات كثيرة تؤكّد وتُشير إلى هذا الحضور الإلهي:"العميُ يُبصرون والموتى يقومون والمساكين يُبشّرون...". لهذا إنّ من أتى ليُعدّ الطريق أمام المخلّص، أي يوحنّا المعمدان " لم يظهر في أولاد النّساء أكبر منه، ولكن أصغر الذين في ملكوت السماوات أكبر منه".

   إنجيل هذا الأحد يُظهر لنا أيضاً التواصل العميق بين وعود الشّريعة والأنبياء وبين المسيح. فهو الذي لا محال من مجيئه، وقد أتى ليثبّت صواب ما وعد به الأنبياء وانتظروه بصبر وأناة وألم.

   إنّ تجسّد المسيح هو إعلان بأنّ الشرّ والخطيئة الحاضرَين في العالم ليسا مبدأ موازياً للخير، أو معارضاً له على الدوام، وأنّ يسوع المسيح القائم من الموت سيسحق الشرّ والخطيئة تحت قدمَيه. العالم بأسره ينتظر كيوحنّا المعمدان مجيء المسيح ابن الله، وانتظاره ليس لجسد غريب يفرض نفسه على أحداث التاريخ ومساره، إنما لقاء لعلّة الوجود والحياة الذي خُلقَ به كلّ شيء، لذلك الذي تجسّد ليُعيد صورة الله إلى وجه كلّ إنسان، ويكشف الإنسان للإنسان.

   هذا هو صلب إيماننا المسيحي: إنّ يسوع المسيح هو الآتي ولا يجب أن ننتظر آخر. علينا أن نُحبّه فوق كلّ شيء، وألاّ نؤلّه مخلوقات هذا العالم. فلنُحبّ المخلوق كمخلوق والخالق كخالق مُعطين "ما لقيصر لقيصر وما لله لله". آمين.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.