2004-10-04 15:42:04

نية الكنيسة العامة لشهر تشرين الأول ـ أكتوبر 2004


   تُصلِّي الكنيسة في نيَّتها العامَّة لشهر تشرين الأوَّل ـ أكتوبر ـ "من أجل أن يبقى المسيحيُّون ثابتين بالإيمان، ويكونوا جسوراً للحوار مع من ينتمي إلى تقاليد دينيَّة أخرى".

   نعيش اليوم، جاء في نيَّة الكنيسة العامَّة لهذا الشَّهر، في عالم مطبوعٍ بسرعة الاتصالات والتحرُّك والتواصل بين الأفراد. ويُضاف إلى ذلك التعدُّديَّة الدينيَّة، إذ إنَّ عوامل الهجرة والسَّفر والاتصالات الاجتماعية، تقودنا للقاء تيَّارات دينيَّة أخرى للتعايش معها أو للعيش عندها. لذا من الضروري أن نفهم نحن المسيحيّين جيّداً قناعات وقيم وتقاليد المعتقدات الأخرى، ونكون مُستعدِّين لتأدية الشهادة الملائمة لما يحمله إيماننا المسيحي من مواهب وعطايا غزيرة.

   يبقى الحوار بين المسيحيِّين ومؤمني الأديان الأخرى، لدى الكثيرين من الأشخاص، هدفاً صعب المنال. فمسيحيُّون عديدون لا يُمكنهم إدراك القيمة الكبيرة للحوار بين الأديان، ويعتقدون أن ممارسة هذا الحوار يُمكنه أن ينسِفَ إيمانهم ويُهدِّد هويَّتهم المسيحيَّة.

   إنَّ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثَّاني فتح أمام الكنيسة طريق الحوار بين الأديان مُقيِّماً التقاليد الدينيَّة الأخرى تقييماً إيجابياً. فقد تكلَّم آباء المجمع عن "شعاع الحقيقة التي تُنير كُلَّ الناس"، وعن "بذور الكلمة الإلهي" و "الكنوز التي وزَّعها الله بسخائه على الأمم". إنَّ هذا التقرُّب الإيجابي من التقاليد الدينيَّة الأخرى وتطبيق الحوار الديني، قوَّت دعائمها عبر السنين تعاليم الكنيسة، وبنوع خاص تعاليم البابا يوحنَّا بولس الثَّاني. فالبابا يعترف بوضوح بحضور الروح القدس الفاعل في حياة أتباع الديانات غير المسيحيَّة.

   إنَّ الاعتراف بحضور الروح القدس في حياة التقاليد الدينيَّة الأخرى لا يعني أنَّ كُلَّ ما في هذه الديانات هو من ثمار الروح القدس. فبالواقع، ما تزال الخطيئة عاملة في العالم بطريقة جعلت من الديانات الأخرى، وبغض النظر عن قيمها الإيجابيَّة، تَعكس محدوديَّة الروح الإنساني، الذي يميل أحياناً لاختيار الشرّ. وهذا لا يُخفي التعارض بين هذه الديانات وبين المسيحيَّة. لذا علينا الاعتراف بالتعارض بين بعض العناصر الأساسية في المسيحيَّة مع غيرها من عناصر التقاليد الدينيَّة الأخرى.

   الهدف الحقيقي من الحوار هو تنقية المعتقدات من الشوائب التاريخيَّة والاجتماعية العالقة بها، وقبول الانتقادات... فالحوار لا يقوم إلاَّ بالمساواة: ما من تنازل انهزامي فيه أو انتقاد لاذع وهدَّام، إنَّما انفتاح متبادل للأخذ والرَّد. على أطراف الحوار أن يلتزموا معاً في قبول الحقيقة بانفتاح دون التقليل من شأن معتقداتهم الدينيَّة أو تهميشها بسبب هذا الحوار، بل على العكس، إنَّ الحوار الصادق يتطلَّب من الأطراف المتحاورة الالتزام بهذا الخط كلٌّ حسب إيمانه الشخصي القوي والراسخ.

   إنَّ كمال الحقيقة التي نلناها بيسوع المسيح لا يُعطي كلَّ مسيحي الضمانة بمُفرده على أنَّه بلغ هذه الحقيقة، فهي ليست خيراً نمتلِكُهُ، إنما شخصٌ هو يسوع المسيح الذي علينا أن نُفسِحَ المجال أمامه ليمتلِكنا. علينا إذاً، وبالحفاظ على هويَّتنا المسيحيَّة، أن نتعلَّم ونستمدّ القيم الإيجابيَّة من التقاليد الدينيَّة الأخرى.

   بهذه الروح يُمكننا قطاف ثمار الحوار البناء فتنفتِح أفُق إيماننا المسيحي من أجل اكتشاف سرّ يسوع المسيح الفاعل ما وراء حدود الكنيسة المنظورة.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.