2004-10-03 12:49:04

عظة قداسة البابا في احتفال تطويب خمسة من خدام الله


   ترأس قداسة البابا يوحنَّا بولس الثاني عند الساعة العاشرة من قبل ظهر هذا الأحد، قداساً إلهياً مَهيباً في ساحة القدِّيس بطرس في الفاتيكان رفع خلاله إلى مجد المذابح طوباويِّين خمسة من خدَّام الله هم: بيار فينيي، جوزف ـ ماري كاسَّان، أنَّا كاترينا إيمِّيريك، ماريا لودوفيكا دي أنجيليس وكارلوس إمبراطور النَّمسا.

   بعثات رسمية مثَّلت دول الطوباويِّين الجُدد، وحشود من المؤمنين غصَّت بهم الساحة الفاتيكانيَّة، تحلَّقوا جميعاً حول يوحنَّا بولس الثَّاني الذي ركَّز في كلمته بعد تلاوة الإنجيل المُقدَّس على معنى القداسة المسيحيَّة وارتباطها الوثيق بالسلام الداخلي والاجتماعي.

   "كلمة الله تبقى إلى الأبد". هذه العبارة التي شكَّلت نشيد مقِّدمات الإنجيل، قال البابا في مُستهلِّ عظته، تحملنا إلى جذور الإيمان. فأمام مرور الزَّمن وتغيُّرات التاريخ وأحداثه، يبقى ظهور الله من خلال المسيح ثابتاً إلى الأبد ويفتح أمام مسيرتنا الأرضية أُفقَ الخلود.

   وهذا، أضاف البابا، ما عاشه الطوباويُّون الخمسة الجُدد الذين انقادوا واثقين بكلمة الله كمنارة إشعاع وأمان لم تكفّ يوماً عن إنارة طريقهم نحو القداسة. فبالتأمُّل بالمسيح الحاضر في الإفخارستيا وبالآلام الخلاصيَّة، اقتيد الأب بيار فينيي ليكون تلميذاً حقيقياً ورسولاً أميناً للكنيسة. فليُشكِّل مثاله رغبة لدى المؤمنين للغوص في محبَّة سرّ القربان المُقدَّس وعبادته والشجاعة في عمل الرسالة! إنَّنا نسأله أن يلمُس قلوب الشباب ليَقبلوا دعوة الله لهم ويُكرِّسوا ذواتهم بكليَّتها إليه في الحياة الكهنوتية أو الرهبانيَّة. فلتَجِد الكنيسة الفرنسية في الأب فينيي مثالاً يستنهِضُ عزيمة ناشري بذار الإنجيل فيها.

   وفي كلامه عن الطوباوي الأخ جوزف ـ ماري كاسَّان، قال البابا: لقد وضع ثقته بالله من خلال التأمُّل بسرّ الألم والاتحاد مع المسيح الحاضر في الإفخارستيَّا، فامتلأ من الحبّ الإلهي مُستسلماً له، فبات الله "سعادته الوحيدة على هذه الأرض". انسلخَ عن العالم في صمت التوحُّد الرهباني في الدَّير مُقدِّماً آلامه للمسيح وللكنيسة. فليَقتِف معاصرونا، وبنوع خاص، المتوحِّدون والمرضى، بمثالِه ويسبروا سرّ الصلاة الذي يرفع العالم إلى الله ويمنح القوَّة في التجارب.

 "إنَّ الله لَم يُعطِنا روحَ الخوف، بل روحَ القوَّةِ والمحبَّةِ والفِطنَة" (2 تيموتاوس 7،1). إنَّ كلمات الرسول بولس هذه، أضاف البابا في كلامه عن الطوباويَّة لودوفيكا دي أنجيليس، تدعونا للتعاون في بناء ملكوت الله بحسب النظرة الإيمانية. إنَّها كلمات تنطَبِقُ جيِّداً على حياة الطوباوية لودوفيكا التي كرَّست ذاتها بكليَّتها لمجد الله وخدمة إخوتها البشر.

   بصورتها البهيَّة يظهر قلبُ الأم، كما تظهر قدرتها القياديَّة وشجاعة القدِّيسين. كانت للأطفال المرضى حبًّا ملموساً وسخياً بمواجهتها التضحيات من أجل التخفيف من آلامهم. ولِمن تعاون معها في المُستشفى في الأرجنتين، كانت مثالاً في روح المسؤولية والطباع المَرحة في جوٍّ عائلي مُريح... وكانت الصلاة عونها الوحيد في كلِّ ذلك...

   وعن الطوباوية الجديدة، كاترينا إمِّيريك، قال البابا في عظته: لقد تأمَّلَت "بآلام سيِّدنا يسوع المسيح المُبرِّحة" وخبِرَتها في جسدها. لقد تحوَّلت ابنة المزارعين الفقراء هذه ،التي كانت تبحث عن الاقتراب من الله بمثابرة وأناة، إلى "متوحِّدة أرض مانستر" وثمرةِ النعمة الإلهيَّة. غطَّى على فقرها المادي غنى حياتها الروحيَّة. استمدَّت قوَّتها الوحيدة من القربان المُقدَّس، ففتح مثالها قلوب الفقراء والأغنياء، والبسطاء والعلماء، إلى وهب ذواتهم بكليَّتها لمحبَّة يسوع المسيح. فهي لا تزال تُكرِّر على مسامعنا اليوم قائلة:"بجراح المسيح شُفينا جميعنا".

   في كلامه عن الطوباوي كارلوس آخر أباطرة النمسا قال البابا:"إنَّ واجب المسيحي يتجلَّى في البحث عن إرادة الله في كلِّ شيءٍ والعمل بما تقتضيه منه. إنَّ كارلوس، رجل الدولة، عاش هذا التحدي يومياً. كان صديقاً للسلام، وكانت الحرب بنظره "شيئاً مُرعباً". بلغ الحُكم في خضمِّ عواصف الحرب الكونية الكُبرى، وحاول تلقُّفَ وتبنِّي مبادرة السلام التي أطلقها سلفي السعيد الذكرى البابا بندكتس الخامس عشر.

   منذ البداية، أضاف البابا، فَهِمَ الإمبراطور كالوس واجبه كملك بمنطق الخدمة المُقدَّسة لشعوبه. فسعى لاتِّباع دعوة المسيح له إلى القداسة حتى في العمل السياسي. وحاز العمل الاجتماعي قسماً كبيراً من اهتماماته. فلَيكُن مثالاً للجميع، وبنوع خاص لمن يتحمَّلون اليوم مسؤوليَّات سياسية في أوروبا.

   وفي ختام عظته دعا البابا المؤمنين جميعاً لتمجيد الله وشكره على العظائم التي أتمَّها في خدّامه الصالحين والأمينين لإنجيله. وسأل العذراء مريم، في شهر سُبحتها الورديَّة، أن تساعدنا لنصير رسلاً أسخياء ومقدامين للإنجيل.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.