2017-05-24 13:50:00

في مقابلته العامة البابا فرنسيس يتحدّث عن تلميذي عماوس


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول أريد اليوم أن أتوقّف عند خبرة تلميذي عماوس اللذين يتحدّث عنهما إنجيل لوقا. لنتخيّل المشهد: رجلان يسيران يائسَين وحزينَين، مقتنعَين بأنهما تركا خلفهما مرارة قصة انتهت بطريقة سيّئة. قبل ذلك الفصح كانا مليئَين بالحماس: مقتنعَين أنَّ تلك الأيام كانت حاسمة بالنسبة لإنتظاراتهم ورجاء الشعب بأسره. يبدو أنَّ يسوع الذي كانا قد سلَّماه حياتهما قد وصل إلى المعركة النهائيّة: سيظهر الآن قوّته بعد فترة طويلة من الاستعداد والاختباء. لكن الأمر لم يكن كذلك.

تابع الأب الأقدس يقول لقد كان هذان الحاجان يعززان فقط رجاء بشريًّا يتحطّم. ذلك الصليب الذي رُفع على الجلجلة كان العلامة البليغة لهزيمة لم يكونا يتوقّعاها. إن كان يسوع هذا حقًا بحسب قلب الله كان عليهما أن يستنتجا أن الله أعزل بين أيدي العنيفين وغير قادر على مقاومة الشر. هكذا هرب هذان الاثنان من أورشليم. في أعينهما كانت لا تزال حيّة أحداث آلام وموت يسوع، وفي نفسيهما حسرة على أحداث راحة السبت القسريّة. ذاك الفصح الذي كان ينبغي عليه أن يُعلنَ نشيد التحرير، تحوّل إلى أكثر يوم مؤلم في حياتهما. تركا أورشليم ليذهبا إلى مكان آخر، إلى قرية هادئة. كانا يشبهان شخصين يحاولان إزالة ذكرى تُحرق. وبالتالي هما يسيران في الطريق. لقد كان هذا المشهد – أي الطريق – مهمًّا في روايات الأناجيل، ولكنّه سيصبح الآن أكثر أهميّة إذ سيبدأ الآن بإخبار تاريخ الكنيسة.

أضاف الحبر الأعظم يقول يبدو أن لقاء يسوع بهذين التلميذين هو مجرّد صدفة: يشبه العديد من اللقاءات العابرة التي تصادفنا في حياتنا. سار التلميذان غارقين في تفكيرهما فيما غريب يسير بجانبهما. إنّه يسوع ولكنَّ أَعيُنَهُما كانت قد حُجِبَت عن مَعرِفَتِه، ولذلك بدأ يسوع معهما "علاج الرجاء". سألهما أولاً وأصغى إليهما لأنَّ إلهنا ليس إلهًا مُتطفِّلاً. حتى وإن كان يعرف سبب اليأس ترك لهما الوقت لكي يسبرا غور المرارة التي كانت قد استولت عليهما. وبالتالي اعترفا، وشكّل اعترافهما لازمةً للحياة البشريّة: "كُنَّا نَحنُ نَرجو..." (الآية 21). كم من الحزن والهزيمة والفشل نجد في حياة كل شخص! في الواقع جميعنا في العمق نشبه هذين التلميذين. كم مرّة قد رجونا في حياتنا وكم مرّة شعرنا أن خطوة واحدة تفصلنا عن السعادة ولكننا وجدنا أنفسنا في النهاية محطّمين يائسين. لكن يسوع يسير مع جميع الأشخاص الذين فقدوا الثقة ويسيرون مهزومين، وبمسيرته معهم، بشكل مُتحفّظ، ينجح في منحهم الرجاء مجدّدًا.

تابع البابا فرنسيس يقول حدَّثهم يسوع أولاً من خلال الكتب. ومن يقرأ كتاب الله لا يجد قصص بطولات سهلة وحملات احتلال عنيفة. فالرجاء الحقيقي ليس أبدًا سهلاً لأنّه يمرّ على الدوام عبر الخسارة والفشل. وكذلك أيضًا رجاء من يتألَّم. فالله لا يرضى أن يُحَبَّ كما نحبُّ قائدًا مرتزقًا يقود شعبه إلى النصر ويغرق أعداءه في دمائهم. إلهنا هو نور خفيف يتّقد في يوم برد وعواصف، وبالرغم من أن حضوره يبدو ضعيفًا في هذا العالم اختار لنفسه المكان الذي نزدريه جميعًا.

أضاف الحبر الأعظم يقول بعدها كرّر يسوع للتلميذين التصرّف الأساسي لكلّ إفخارستيا: أَخذَ الخُبزَ وبارَكَ ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما. ألا نجد في هذه السلسلة من التصرّفات قصّة يسوع بكاملها؟ ألا نجد في كلِّ إفخارستيا أيضًا العلامة لما ينبغي على الكنيسة أن تكونه؟ فيسوع يأخذنا ويباركنا و"يكسر" حياتنا – لأنّه لا وجود للحب بدون تضحية – ويقدّمها للآخرين وللجميع. إنّه لقاء سريع، لقاء يسوع بتلميذي عماوس، لكننا نجد فيه مصير الكنيسة بأسرها. يخبرنا أن الجماعة المسيحيّة لا تنغلق في قلعة محصّنة بل تسير في بيئتها الأكثر حيويّة أي على الطريق. وهناك تلتقي بالأشخاص وآمالهم وخيباتهم. فالكنيسة تصغي إلى قصص الجميع، لتقدِّم بعدها كلمة الحياة وشهادة محبّة الله، محبّة أمينة حتى النهاية، فتتّقد قلوب الأشخاص مجدّدًا بالرجاء.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول نعيش جميعنا في حياتنا أوقاتًا صعبة ومُظلمة نسير خلالها حزينين غارقين في أفكارنا وبدون آفاق لا نجد أمامنا إلا جدرانًا. لكن يسوع يسير دائمًا بالقرب منا ليمنحنا الرجاء ويدفئ قلوبنا قائلاً لكل فرد منا: "سر قدمًا! أنا معك!". هذا هو سرّ الدرب الذي يقود إلى عماوس: حتى من خلال المظاهر المُعاكسة هناك من لا يتوقّف أبدًا عن حبِّنا لأن الله يحبّنا على الدوام. الله يسير معنا على الدوام حتى في الأوقات السيّئة والأليمة، حتى في أوقات الفشل نجد الرب حاضرًا هناك؛ وهذا هو رجاؤنا. لنسر قدمًا بهذا الرجاء لأن الرب بقربنا ويسير معنا على الدوام! 








All the contents on this site are copyrighted ©.