2017-04-05 13:34:00

البابا فرنسيس: رجاؤنا هو الربّ يسوع الذي نعترف به حيًّا وحاضرًا فينا وفي إخوتنا


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول تحمل رسالة الرّسول بطرس الأولى دفعًا رائعًا! لذلك ينبغي قراءتها مرّات عديدة لنفهم هذا الدّفع الرّائع: يمكنها أن تبعث تعزية كبيرة وسلامًا إذ تجعلنا نفهم كيف يكون الربّ بقربنا على الدّوام ولا يتركنا أبدًا لاسيّما في الأوضاع الأكثر حساسيّة وصعوبة في حياتنا. ولكن ما هو "سرُّ" هذه الرّسالة ولاسيّما سرُّ النصّ الذي سمعناه (۱ بط ۳، ٨- ۱٧)؟ كان هذا سؤالاً. أعرف أنّكم اليوم ستأخذون العهد الجديد وستبحثون عن رسالة القدّيس بطرس الأولى وستقرؤونها على مهل وبتأنٍّ لتفهموا سرَّ قوّة هذه الرّسالة. ما هو إذًا سرّ هذه الرّسالة؟

تابع الأب الأقدس يقول يكمن السرّ في واقع أن هذه الرسالة تجد جذورها مباشرة في الفصح، جوهر السرّ الذي سنحتفل به وتجعلنا ندرك هكذا النور والفرح اللذين ينبثقان من موت وقيامة المسيح. إن المسيح قد قام حقًّا، إنّها تحيّة جميلة نتبادلها في يوم عيد الفصح: المسيح قام! حقًّا قام! كما هي العادة عند العديد من الشّعوب. لنتذكّر على الدّوام أنّ المسيح قام وهو حيٌّ ويقيم في كلِّ فرد منا. ولذلك يدعونا القديس بطرس بقوّة لنعبده في قلوبنا (راجع الآية ۱٦). هناك أقام الرب لحظة عمادنا وهناك لا زال يجدّدنا ويجدد حياتنا ويملؤنا بمحبّته وملء الروح. لذلك يطلب منا الرسول دَليلَ ما نحن علَيه مِنَ الرَّجاء (راجع الآية ۱٦): رجاؤنا ليس فكرة ولا شعورًا، ليس هاتفًا محمولاً ولا كمًّا من الثروات! رجاؤنا هو شخص، إنّه الربّ يسوع الذي نعترف به حيًّا وحاضرًا فينا وفي إخوتنا، لأنّ المسيح قام. والشّعوب السلافيّة عندما يحيّون بعضهم البعض في أيام الفصح لا يستعملون التّحيّة المعتادة "صباح الخير" و"مساء الخير" بل يقولون: "المسيح قام!"، "Christos vorskrese!"، ويفرحون بهذا القول! هذه هي التحيّة التي يتبادلونها: "المسيح قام!".

أضاف الحبر الأعظم يقول نفهم إذًا أنّه لا يجب أن نقدّم دليلاً على هذا الرّجاء على الصّعيد النظريّ أو بالكلام، ولكن بالأخص من خلال شهادة الحياة وذلك داخل الجّماعة المسيحيّة كما خارجها. إن كان المسيح حيًّا ويقيم فينا وفي قلوبنا ينبغي علينا إذًا أن نسمح له بأن يظهر من خلالنا، لا أن نخفيه، بل نسمح له أن يعمل بنا. ويعني هذا أنّه ينبغي على الربّ يسوع أن يصبح أكثر فأكثر مثالنا في الحياة وأنّه ينبغي علينا أن نتعلّم أن نتصرّف مثله. ونقوم بما كان يسوع يقوم به. إذ لا يمكن للرّجاء الذي يقيم فينا أن يبقى في داخلنا وفي قلوبنا، لأنّه عندها سيكون رجاء ضعيفًا ولا يملك الشّجاعة ليخرج ويظهر للآخرين. لكن، وكما يظهر من المزمور الثالث والثلاثين الذي يذكره بطرس، ينبغي على رجائنا أن ينبعث خارجًا آخذًا الشّكل الرّائع والمميَّز للوداعة والوقار والمحبّة تجاه القريب وصولاً إلى المغفرة لمن يُسيء إلينا.

تابع الأب الأقدس يقول إنَّ الشّخص الذي لا يتحلّى بالرّجاء لا يمكنه أن يغفر، ولا يمكنه أن يمنح تعزية المغفرة وأن يكون لديه تعزية المغفرة. نعم، لأنَّ يسوع قد تصرّف بهذا الشّكل ولازال يتصرّف على هذا النحو من خلال الذين يُفسحون له المجال في قلوبهم وحياتهم مُدركين أنّه لا يتمُّ التغلّب على الشّر بالشرِّ، وإنّما بالتّواضع والرّحمة والوداعة. إنّ رجال المافيا يعتقدون أنّه بإمكانهم أن يتغلّبوا على الشرِّ بالشّر، ولذلك ينتقمون ويقومون بتلك الأمور التي نعرفها جميعًا. هم لا يعرفون معنى التّواضع والرّحمة والوداعة؛ ولماذا؟ لأنّهم لا يتحلّون بالرّجاء. فكِّروا بهذا الأمر.   

أضاف الحبر الأعظم يقول لذلك يؤكِّد القدّيس بطرس أنّه "خَيرٌ لَنا أَن نتألّم ونحن نَعمَل الخَير" (الآية ۱٧): لا يعني أنّه من الجيّد أن نتألّم ولكن أنّه عندما نتألّم في سبيل الخير نكون في شركة مع الربّ الذي قَبِل أن يتألّم ويُصلب من أجل خلاصنا. وعندما نقبل نحن أيضًا، في الأوضاع الصّغيرة أو الكبيرة في حياتنا، أن نتألّم في سبيل الخير يكون كما لو أنّنا ننشر من حولنا بذار قيامة وبذار حياة ونجعل نور الفصح يسطع في الظّلمة. لذلك يحثّنا الرّسول لنردَّ دائمًا بالبركة (الآية ٩): فالبركة ليست مجرّد شكليّات أو علامة تهذيب ودماثة وإنّما هي عطيّة كبيرة قد نلناها أوّلاً ويمكننا أن نتقاسمها مع الإخوة. إنّها إعلان محبّة الله، محبّة لا تُقاس ولا تنضب أو تنقص وتشكّل الأساس الحقيقيّ لرجائنا.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول أيّها الأصدقاء الأعزّاء نفهم أيضًا لماذا يعطينا الرّسول بطرس "الطّوبى" عندما يتحتّم علينا أن نتألّم من أجل البرّ (الآية ۱۳). ليس لسبب أخلاقيٍّ أو أمرٍ متعلِّقٍ بالزّهد والتّجرُّد وحسب، إنّما لأنّه كلّ مرَّة نقف فيها إلى جانب الأخيرين والمهمّشين أو لا نردَّ على الشرّ بالشرّ بل نغفر بدون رغبة بالإنتقام، نغفر ونبارك، نسطع كعلامات رجاء حيّة ومنيرة وهكذا نصبح أدوات تعزية وسلام بحسب قلب الله، وهكذا نسير قدمًا في التّواضع والرّحمة والوداعة والمحبّة وفي صنع الخير حتى للذين لا يحبّوننا أو يسيئون إلينا.          








All the contents on this site are copyrighted ©.