2017-03-13 14:40:00

الكاردينال بارولين: أربع سنوات مع الأب الأقدس، بابا "إصلاح القلب"


تُصادف اليوم الذكرى الرابعة لانتخاب البابا فرنسيس. أربع سنوات عاشها بعمق الراعي الذي أتى من "أقاصي العالم" والذي يقوم بعمل تجديد كبير في الكنيسة. لقد كانت هذه السنة الرابعة مليئة باللحظات المهمّة والوثائق التعليميّة. لقد كانت سنة الإرشاد الرسولي "فرح الحب" وسنة العناق التاريخي مع البطريرك كريلس في كوبا، وسنة اللقاء العالمي للشباب في كراكوفيا ولزيارة أوشفيتز، وسنة إعلان قداسة الأم تريزا دي كالكوتا والزيارة المسكونيّة إلى لوند لمناسبة إحياء الذكرى المئوية الخامسة لبداية الإصلاح اللوثري، وقد رُبطت جميع هذه الأحداث بخيط الرحمة – أساس الحبريّة – والذي بلغ ذروته في اليوبيل الاستثنائي للرحمة. وفي تأمّل حول أهم المواضيع خلال هذه السنوات الأربعة للحبريّة وحول الآفاق التي فتحها البابا فرنسيس على حياة الكنيسة أجرت إذاعة الفاتيكان مقابلة مع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين استهلّها بذكرى الثالث عشر من آذار مارس لعام 2013 عندما تمّ انتخاب الكاردينال الأرجنتيني خورخي ماريو برغوليو حبرًا أعظم والأول الذي يحمل اسم فرنسيس في تاريخ الكنيسة.

قال أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان في ذلك اليوم لم أكن في روما، كنت لا أزال في كراكاس كسفير بابوي في فنزويلا. بالتأكيد شعرت أولاً بمفاجأة كبيرة لهذا الاسم، ولانتخاب الكاردينال برغوليو الذي كنت قد سمعت عنه ولكن لم يكن متوقع – بحسب الصحافة – أن يتم انتخابه. وبالتالي كانت مفاجأة كبيرة أيضًا بالنسبة للاسم الذي اختاره والذي لم يكن في سلسلة البابوات والذي أظهر مباشرة ما سيتميّز به الحبر الأعظم الجديد. ومن ثم وفي أول خطاب له والذي ألقاه ببساطة وسلام تأثّرتُ بذاك التسليم المتبادل الذي رأيناه أي أنه أوكل بنفسه إلى الشعب - شعب الله المقدّس كما يحب البابا فرنسيس أن يدعوه – وطلب من الجميع أن يصلّوا من أجله لكي يباركه الله. من جهة أخرى رأينا أيضًا التسليم الكامل لله راع وشعب ومن هنا ظهرت صورة الكنيسة كمسيرة معًا، راع وشعب، بثقة واستسلام في الصلاة وبالتالي إلى نعمة الرب ورحمته.

بعدها تحدّث الكاردينال بييترو بارولين عن الأهميّة التي أولاها البابا فرنسيس للكنيسة التي تخرج وتنطلق والتي تسير في أسلوب سينودسي وقال إنها مسيرة طويلة وفي نمو، بدأت مع المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني الكبير ويريد البابا فرنسيس أن يتابع في تطبيقها في حياة الكنيسة. تبدو لي ذات أهميّة كبيرة هذه الكنيسة التي تسير وتنفتح: أولاً على الرب، كنيسة تنطلق نحو ربّها يسوع المسيح لأنّه وحدها الكنيسة التي تنطلق نحو يسوع المسيح يمكنها أن ترافق الناس أيضًا وتلتقي بهم وتسير معهم في واقعهم اليومي. وهذا لأمر مهمٌّ جدًّا ويبدو لي أن هذه المسيرة ينبغي علينا أن نقوم بها معًا: وهذه هي السينودسيّة! والمسيرة في الكنيسة تتمُّ معًا تحت إرشاد الروح القدس، وبالتالي تكون كنيسة يجمعها الروح القدس ويكون فيها كلُّ فرد متنبّه لصوت الروح القدس وحيث يشارك كل فرد مع الآخرين ما يملكه من عطايا ومواهب يمنحه إياها الروح من أجل تحقيق هذه المهمّة.

هذا وتحدّث أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان عن الرحمة في حبريّة البابا فرنسيس وقال إن هذا الإصرار على الرحمة ليس لأن الأب الأقدس يحب الحديث عنها وإنما ليسلّط الضوء والاهتمام على السرّ الأساسي الذي هو محبّة الله. إن تاريخ الخلاص ليس إلا تاريخ ظهور محبّة الله ورحمته وحنانه تجاه البشريّة، والبابا قد ذكّرنا بهذا الجوهر، وبالتالي أعتقد أنّه ينبغي على الكنيسة أن تجتهد كي تكون الوسيط والقناة لهذا اللقاء بين رحمة الله وإنسان اليوم في واقعه الملموس وفي أفراحه وآلامه، في ضماناته وضعفه وشكّه. لقد كانت السنة المقدّسة للرحمة هديّة من الأب الأقدس للكنيسة لكي تصبح أداة الرحمة هذه. وبالتالي وكما قال البابا، يُغلق الباب المقدّس ولكن باب الرحمة يبقى مفتوحًا على الدوام! أما فيما يتعلّق بثمار الرحمة أريد أن أسلّط الضوء على أمرين: الأول وهو من قبل العديد من المسيحيين والمعمّدين وهو إعادة اكتشاف الاعتراف كسرّ رحمة الله حيث يجعلنا الرب يسوع نختبر رحمة الآب ومغفرة الخطايا ومحبّته كلها تجاهنا. لقد سمعت أيضًا أنّه تمّ التيقُّن لهذا السرّ وقد اقترب العديد من الأشخاص من هذا السرّ، ونأمل أن يستمرّ الأمر هكذا ويُترجم إلى اقتراب متجدّد من سرِّ المصالحة. أما الثاني فهو الاهتمام والتنبّه لوضع الفقر والبؤس، وقد أظهر لنا البابا فرنسيس من خلال التصرّفات عيش الرحمة والذي يُطلب منا بشكل خاص في زمن الصوم: فالارتداد يولد من عيش المحبّة الأخويّة، وبالتالي فهو تنبّه متجدّد تجاه الأشخاص الذين يعيشون أوضاعًا صعبة وتجاه الفقراء والمهمّشين والذين يحتاجون للمساعدة والقرب. وأعتقد أيضًا أن هذا هو بعد ينبغي أن نستمرّ في التركيز عليه.

بعدها تحدّث الكاردينال بييترو بارولين عن الإرشاد الرسولي "فرح الحب" وقال ينبغي علينا أن ننظر إلى هذا الإرشاد الرسولي كهديّة مُنحت لنا، فالبابا كان يقول قبل انعقاد الجمعية الأولى لأعمال السينودس حول العائلة "ينبغي على هذا السينودس أن يجعل إنجيل العائلة يسطع ويضيء". وإنجيل العائلة يعني من جهة مخطط الله حول العائلة، أي ذلك المخطط الذي أراده الله للعائلة منذ البدء وفي الوقت عينه الأوضاع الحقيقيّة التي تعيش فيها هذه العائلة: عائلة تطبعها الخطيئة الأصليّة كالواقع البشري بأسره. وبالتالي أعتقد أن الإرشاد الرسولي "فرح الحب" قد أعطى دفعًا كبيرًا لراعوية العائلة، وهو يعطي ثمار تجديد ومرافقة لأوضاع العائلات التي تعيش حالات ضعف وصعوبات.

هذا وتحدّث أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان عن الإصلاح الذي يقوم به البابا فرنسيس في الكوريا الرومانيّة وقال إن الكنيسة هي في إصلاح مُستمر وهذا ما نراه عبر التاريخ وما يقوله لنا أيضًا المجمع الفاتيكاني الثاني! إنه بعد جوهري للكنيسة وهي أن تكون في إصلاح مُستمر وارتداد دائم. وإنه أمر حقٌّ وواجب ويذكّرنا به الأب الأقدس على الدوام: لكي تكون الكنيسة نفسها وتصبح حقيقيّة أكثر فأكثر ينبغي عليها أن تزيل الرواسب التي تتراكم خلال مسيرتها عبر التاريخ فتسطع مجدّدًا كانعكاس للإنجيل. هذا هو المعنى الأساسي للإصلاح ولذلك يشدد البابا فرنسيس على "إصلاح القلب"، لأن كل إصلاح – حتى على صعيد الكوريا الرومانية – ينطلق من القلب ومن داخل الإنسان، وبالتالي فالمعايير التي ينبغي عليها أن تقود هذا الإصلاح هي معايير العودة إلى الله وإظهار طبيعة الكنيسة الحقيقيّة.

وختم أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين حديثه شاكرًا الرب على البابا فرنسيس وقال تؤثر في نفسي جدًّا قراء ته بأعين الإيمان للأمور والأوضاع والتي تولد من سلام داخلي، لقد قاله بنفسه مرات عديدة ولكنني قد اختبرته أيضًا في العلاقة معه: هو يملك ذاك السلام الداخلي حتى إزاء الأوضاع الأكثر صعوبة، لديه تلك القدرة على النظر إلى الأمور بسلام عالمًا أنّه بيد الله وبالتالي يسير قدمًا بقوّة وبشجاعة، ومثاله هذا يساعدني كثيرًا في قيامي بمسؤولياتي ومهمّتي. 








All the contents on this site are copyrighted ©.