2017-02-04 15:16:00

البابا فرنسيس يستقبل المشاركين في لقاء تنظّمه حركة فوكولاري حول اقتصاد الشركة


استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم السبت في قاعة بولس السادس بالفاتيكان المشاركين في لقاء تنظّمه حركة فوكولاري حول اقتصاد الشركة وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال اقتصاد وشركة: كلمتان تفصلهما الثقافة الحاليّة وغالبًا ما تعتبرهما نقيضتين. كلمتان جمعتموهما بقبولكم للدعوة التي وجّهتها لكم كيارا لوبيك في البرازيل عندما طلبت من رجال الأعمال أن يصبحوا دعاة شركة إزاء فضيحة عدم المساواة في مدينة ساو باولو، ودعتكم لتصبحوا لا مبدعين وكفوئين وحسب وإنما أدوات شركة. وإذ أدخلتم في الاقتصاد بذرة الشركة الصالحة شرعتم في تغيير عميق في أسلوب رؤية العمل وعيشه، إذ يمكن للعمل أيضًا أن يبني الشركة بين الأشخاص ويعزّزها. وبالتالي فقد أظهرتم من خلال حياتكم أنّه بإمكان الشركة والاقتصاد أن يصبحا أجمل عندما يسيران معًا.

تابع الأب الأقدس يقول وإذ أفكّر بالتزامكم أرغب في أن أتحدّث معكم حول ثلاثة أمور؛ الأول يتعلق بالمال. من الأهميّة بمكان أن يتمحور اقتصاد الشركة حول شركة الخيور، لأن اقتصاد الشركة هو أيضًا شركة أرباح وتعبير عن شركة الحياة. لقد تحدّثت مرارًا عن المال كـ "صنم" وعن هذا الموضوع يحدثنا الكتاب المقدّس بأساليب مختلفة. وبالتالي ليس من باب الصدفة أن يكون أول عمل علني ليسوع، بحسب إنجيل يوحنا، طرد الباعة من الهيكل. لا يمكننا أن نفهم الملكوت الجديد الذي حمله يسوع ما لم نتحرّر من الأصنام والتي يشكّل المال أقواها. فكيف يمكننا إذًا أن نكون باعة لا يطردهم يسوع؟ إن المال مهمّ ولاسيما عندما يغيب فيما يرتبط به الغذاء والمدرسة ومستقبل الأبناء؛ ولكنّه يصبح صنمًا عندما يصبح الهدف.

أضاف الحبر الأعظم يقول عندما تجعل الرأسماليّة السعي إلى الربح هدفها الوحيد تصبح هيكليّة عبادة أصنام، ويصبح "الإله الحظ" الإله الجديد لاقتصاد معيّن ولنظام مقامرة يدمِّر ملايين العائلات في العالم. إن عبادة الأصنام هذه هي بديل للحياة الأبديّة. لذلك وفي هذا الإطار يمكننا أن نفهم القيمة الأخلاقيّة والروحيّة لخياركم في المشاركة في الأرباح. إن الطريقة الأفضل والملموسة لعدم تحويل المال إلى صنم هي مشاركته مع الآخرين ولاسيما مع الفقراء أو استثماره من أجل توفير الدراسة والعمل للشباب فنتغلّب هكذا على تجربة عبادة الأصنام بواسطة الشركة. عندما تتقاسمون أرباحكم وتعطونها للآخرين، أنتم تقومون بعمل روحي سامي إذ تقولون للمال بواسطة الأعمال: أنت لست الله!

تابع البابا فرنسيس يقول أما الأمر الثاني الذي أريد أن أحدّثكم عنه فيتعلّق بالفقر، موضوع جوهري في حركتكم. نرى اليوم مبادرات عديدة مُشتركة وخاصة لمكافحة الفقر. يشكل هذا الأمر من جهة نموًّا في الإنسانيّة. في الكتاب المقدّس كانت تتمُّ مساعدة الفقراء والأيتام والأرامل، مهمشي مجتمع تلك الأيام، بواسطة العُشر وجمع القمح. لكنّ شرحة كبيرة من الشعب كانت تبقى فقيرة لأنَّ تلك المساعدات لم تكن كافية لإطعام الجميع والاعتناء بهم. لقد ابتكرنا اليوم أساليب عديدة للعناية بالفقراء وإطعامهم وتعليمهم وبعض بذار الإنجيل قد أزهرت في مؤسسات أكثر فعّاليّة من تلك القديمة. لكن الرأسماليّة تستمرّ في خلق مهمّشين تسعى بعدها للعناية بهم، وبالتالي تكمن المشكلة الأخلاقيّة لهذه الرأسماليّة في خلق المهمّشين وفي السعي بعدها لإخفائهم أو العناية بهم. إنَّ أحد أشكال الفقر الخطيرة في مجتمع ما هي عدم قدرته على رؤية فقرائه الذين يتمُّ تهميشهم أولاً ومن ثمّ يتمُّ العمل على إخفائهم.

أضاف الأب الأقدس يقول إن أراد اقتصاد الشركة أن يكون أمينًا لموهبته لا ينبغي عليه أن يعتني بالضحايا وحسب وإنما أن يبني أيضًا نظامًا لا يُسبب ضحايا البتة، لأنّه طالما لا يزال هناك شخص واحد يعيش ضحيّة للاقتصاد فالشركة لم تتحقق بعد وعيد الأخوّة الشاملة ليس كاملاً بعد. ينبغي علينا إذًا أن نعمل على تغيير قواعد اللعبة في النظام الاقتصادي الاجتماعي لأنَّ التشبّه بالسامري الصالح لا يكفي فقط. بالطبع عندما يلتقي رجل الأعمال أو أي شخص آخر بضحيّة ما، هو مدعو للاعتناء بها وعلى مثال السامري الصالح كي يربط السوق أيضًا (أي صاحب الفندق) بعمل الأخوّة الذي قام به. أعلم أنّكم تقومون بهذا منذ خمس وعشرين سنة، ولكن ينبغي عليكم أن تعملوا بشكل خاص قبل أن يلتقي الإنسان باللصوص من خلال مكافحة هيكليات الخطيئة التي تولّد اللصوص والضحايا. إن رجل الأعمال الذي يكون سامري صالح فقط لا يقوم بواجبه بشكل كامل: يعتني بضحايا اليوم ولكنّه لا يقلِّص عدد ضحايا المستقبل. إن الشركة تتطلّب منا أن نتشبّه بالآب الرحيم في مثل الابن الضال وأن ننتظر في البيت الأبناء العمال والمعاونين الذين أخطئوا ونعانقهم ونفرح معهم بدون أن نسمح أن يوقفنا نظام الـ "جديروقراطية" الذي طالب به الابن الأكبر وكثيرين غيره من الذين يرفضون الرحمة باسم الاستحقاق والجدارة.

وختامًا تابع البابا فرنسيس يقول يتعلّق الأمر الثالث بالمستقبل. إن هذه السنوات الخمس والعشرين لتاريخكم تؤكِّد أنه يمكن للشركة والاقتصاد أن يسيران وينميان معًا. خبرة لا تزال محدودة اليوم بعدد صغير من الشركات بالنسبة لرأسمال العالم الكبير. لكنّ التغييرات على صعيد الروح وبالتالي في الحياة لا ترتبط بالأعداد الكبيرة. فالقطيع الصغير والسراج والدرهم والخروف واللؤلؤة والملح والخميرة جميع هذه الأمور هي صور للملكوت الذي نجده في الأناجيل؛ والأنبياء قد أعلنوا مرحلة خلاص جديدة أشاروا  إليها بعلامة طفل صغير، العمانوئيل، وحدثونا عن البقيّة الأمينة كمجموعة صغيرة. لا ينبغي علينا أن نكون كثيرين من حيث العدد لنغيّر حياتنا يكفي فقط ألا يفقد الملح والخميرة طبيعتهما. وبالتالي فالعمل الذي ينبغي القيام به هو السعي لكي لا يفقدا "المُقوِّم الفاعل" الذي يحرّكهما. لأنّه في كلِّ مرّة سعى فيها الأشخاص والشعوب والكنيسة لتخليص العالم من خلال التزايد في الأعداد أنتجوا هيكليات سلطة ونسوا الفقراء. لننقذ اقتصادنا إذًا من خلال بقائنا ببساطة ملحًا وخميرة: إنّه عمل صعب لأن كلّ شيء ينحلُّ مع مرور الوقت فماذا ينبغي علينا أن نعمل لكي نحافظ على "المُقوِّم الفاعل" أي خميرة الشركة؟

أضاف الأب الأقدس يقول قبل الثلاجات ولكي يتمّ الحفاظ على خميرة الخبز كانت المرأة تعطي جارتها القليل من العجينة المخمّرة التي صنعتها، وعندما كانت تريد أن تحضّر الخبز مجدّدًا كانت تنال القليل من العجينة المخمّرة التي صنعتها جارتها. هذه هي المبادلة. فالشركة ليست فقط تقسيم وإنما هي أيضًا تزايد في الخيرات. إن عنصر الإنجيل الحي يبقى حيًّا فقط إن منحناه للآخرين أما إن تركناه لأنفسنا فقط فيعفن ويموت، وهكذا أيضًا يكون لاقتصاد الشركة مستقبلاً إن لم تحبسوه لأنفسكم. أعطوه للجميع ولاسيما للفقراء والشباب لأنهم بأمسِّ الحاجة إليه ويعرفون جيّدًا كيف يجعلون العطيّة التي نالوها تُثمر.

تابع الأب الأقدس يقول إن العطيّة الأولى التي ينبغي لرجل الأعمال أن يقدّمها هي شخصه لأن مالكم بالرغم من أنّه مهم يبقى قليلاً جدًّا، لأنَّ المال وحده لا يخلِّص ما لم يترافق بعطيّة الذات. إن الرأسماليّة تعرف الإنسانيّة ولكنها لا تعرف الشركة. من السهل أن نعطي جزءًا من أرباحنا بدون أن نعانق ونلمس الأشخاص الذين ينالون ذاك "الفتات"؛ لكن يمكن لخمسة أرغفة وسمكتان أن تشبع الجموع إن كانت مقاسمة حياتنا بأسرها. ففي منطق الإنجيل إن لم نعطِ كلّ شيء فنحن لم نعطِ بشكل كافٍ.

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أتمنى لكم أن تتابعوا السير على دربكم بشجاعة وتواضع وفرح. إن الله يحب من يعطي بفرح، وهو يحب أرباحَكم ومواهبكم التي تعطونها بفرح. أتمنى أن تكونوا على الدوام البذرة والملح والخميرة لاقتصاد آخر: اقتصاد الملكوت حيث يعرف الأغنياء كيف يتقاسمون ثروتهم وتُعطى الطوبى للفقراء.                                








All the contents on this site are copyrighted ©.