2016-12-27 11:22:00

رسالة البطريرك الراعي لمناسبة عيد الميلاد 2016


بمناسبة عيد الميلاد المجيد وجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رسالة الميلاد إلى اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، كتب فيها حالما أشرقَ نورُ مجدِ الله حول رُعاة بيتَ لحم، في ظلمة اللَّيل، وبشّرَهم بالفرح، الذي سيعمُّ العالم أجمع، "أنّ اليوم وُلِدَ المُخلّص، وهو المسيحُ الرّبّ، المُقمَّط والمضّجع في مذود"، أسرعَ الرّعاة ليرَوا هذه الكلمة، "فوجدوا مريم ويوسف والطّفل مضّجعًا في مذود". وكان أوّل إعلان لإنجيل العائلة. إنّها العائلة المقدّسة، أيقونة كلّ عائلة: هو كلمة الله يتجسّد في عائلة بشريّة.

تابع البطريرك الماروني أودُّ في هذه الرسالة الميلاديّة أن أرفعَ معكم صلاة الشّكر لله على السّنة 2016 التي وصلَتْ إلى غروبِها، وقد أتاح بنعمته للكتَل السياسيّة والنيابيّة عندنا أن تتوافق على انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة بشخصِ العماد ميشال عون، وعلى تشكيل حكومة جديدة برئاسة الشيخ سعد الدين الحريري. إنّنا إذ نهنِّئهم، نُهنّئ أيضًا اللّبنانيِّين مقيمين ومنتشرين، وندعو لهذا العهد الجديد بالنّجاح في مواجهة التحدّيات الكبيرة والمتفاقمة، وفي طليعتها استكمال الوحدة والمصالحة الوطنيّة على المستوى السياسي، وتسريع صدور قانون انتخابات يضمن التوازن في التمثيل والإتيان بنخب جديدة، ومحاربة الفساد في المؤسّسات العامّة، والمباشرة في معالجة الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة والإجتماعيّة، رحمةً بالمواطنين الذين يتآكلهم الفقر، وبالشّبيبة الباحثة عن مستقبلها وترجوه داخل الوطن.

أضاف الكاردينال الراعي يقول كلّ هذه التّحديات، بالإضافة إلى غرق المجتمع والبلاد بمليونَي نازح ولاجئ ينتزعون لقمةَ العيش من فم اللّبنانيِّين الذين أصبحوا في ثلثهم تحت مستوى الفقر، ويهدّدون بالخطر الأمن الداخلي، إنّما تُصيبُ العائلة الصّغيرة والوطنيّة. وكم يؤلمُنا أن تأتي ذكرى الميلاد المجيد، ومعظم العائلات عندنا في حالة معاناة إقتصاديّة ومعيشية ومعنوية، وفي حالة تبدّد بسبب هجرة الأولاد والأحفاد عن والديهم والأجداد، وفي حالة تفكّك الرّباط الزّوجي بداعي جفاف الحبّ والأمانة، واللّجوء المفرط إلى الطّلاق وإبطال الزّواج، وفي حالة الضّرر النفسي والعاطفي الذي يُصيبُ الأولاد سواءَ كانوا قاصرينَ أم راشدين. إنّنا نحملُ في صلاتنا العائلات المنكوبة من جرّاء الحروب وممارسات العنف والإرهاب في مشرقنا وبلدان أخرى، وكان آخرها في القاهرة والكرك وبرلين. ونعلن قربنا من كلّ الذين فقدوا دفء العائلة بسبب حاجاتهم الماديّة وقساوة الدهر عليهم وفقدانهم مشاعر الحبّ والحنان. ونُعربُ عن شكرنا للمؤسّسات والهيئات التي تُعنى بالتّعويض عن هذا الدِّفء المفقود. ولكن علينا أن نضاعف جهودنا في توجيه عملنا الرّاعوي، ومؤسّساتنا التّربويّة والإستشفائيّة والإجتماعيّة، إلى حماية العائلة وتعزيزها ومساعدتها. فإنّ "خيرها مصيري بالنّسبة إلى مستقبل العالم والكنيسة عامّة، كما وإلى مجتمعنا ووطننا.

تابع البطريرك الماروني يقول بميلاده في عائلة بشريّة، أعاد ابن الله الزواج والعائلة إلى حالتهما الأصليّة، على صورة الثالوث الأقدس الذي منه ينبع كلّ حبّ حقيقي، طاهر ومعطاء. وأعلن للعالم إنجيل العائلة الذي تحمل الكنيسة بشراه في أعمالها ونشاطاتها ومؤسّساتها. لهذا إنجيل العائلة دعانا المسيح في الحياة المكرَّسة والكهنوت، ونذرنا نفوسنا، فباتت الأبرشيّات والرهبانيّات بهيكليّاتها ومؤسّساتها علامة رجاء لكلِّ عائلة، تحمل صدى البشرى الأولى التي اجتذبت رعاة بيت لحم إلى المذود حيث وجدوا دفء العائلة الجديدة: مريم ويوسف والطفل، وامتلأوا فرحًا، وعادوا يسبِّحون الله ويهلِّلون. فلتكن مطرانياتُنا ورعايانا وأديارنا ومؤسّساتنا "المذودَ الجديد"، حيث تجد العائلة ذاتها وفرحها، وترى تجلّيات حبّ الله.

أضاف الكاردينال الراعي يقول إنجيل العائلة لا يقتصر بُشراه على عائلتنا الشخصيّة، بل يشمل كل عائلة بشرية، أيًّا كان دينها ولونها وعرقها وثقافتها. الكنيسة، بحكم أمومتها، تشمل كلّ العائلات. وإنّنا معكم نناشد الدولة، التي هي بمثابة أمّ لجميع المواطنين، أن تحمل همَّ كلّ عائلة لبنانيّة، وتعيد للعمل السياسي أصالته، فيلتزم توفير الخير العام، الذي منه خير كلّ واحد وخير الجميع، في التشريع والإجراء، في الإدارة والإنماء، في الاقتصاد بكلّ قطاعاته، في المعيشة والتربية وفرص العمل. ونطالب الدولة مساعدة عائلاتنا اللبنانيّة في مواجهة حاجاتها لتأمين العلم والاستشفاء والعناية لأفرادها. ونطالبها الإيفاء بمتوجِّباتها المالية تجاه مؤسّسات الكنيسة ومثيلاتها التي تعنى بخدمة العائلة من مستشفيات ومدارس مجّانية ومراكز لمسنّين ويتامى ومعوَّقين وذوي احتياجات خاصّة. فالدولة هي المسؤولة أصلًا عن إقامة مثل هذه المؤسّسات، لقاء ما يؤدّي لها المواطنون من ضرائب ورسومات متوجّبة.

وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالته بمناسبة عيد الميلاد بالقول نناشد معكم الأسرتَين الدوليّة والعربيّة، وضع حدّ للإرهاب والتطرّف، وللحروب والنزاعات الجارية في بلدان الشّرق الأوسط، التي تفتك بالعائلة قتلًا وتهجيرًا وشرذمة وإفقارًا، والتي تشرِّد عائلاتنا المشرقيّة على دروب العالم، فتقف بأفرادها كبارًا وصغارًا، مسنِّين وأطفالاً، على بوابات حدود الدول مخذولين ومحرومين من حقوقهم الأساسية وكراماتهم. ونطالب منظَّمة الأمم المتّحدة ومجلس الأمن العمل الجدِّي على إيجاد حلول سياسيّة تهدف إلى إحلال سلام عادل وشامل ودائم، وإلى إعادة جميع اللاجئين والنازحين والمخطوفين إلى أوطانهم وممتلكاتهم وحماية حقوقهم وكرامتهم كمواطنين. إذا تمّ كلّ ذلك، يحقّ لنا وللعالم أن يبتهج بعيد ميلاد المسيح فادي العائلة، وبعيد رأس السنة الجديدة 2017 التي نرجوها سنة سلام واستقرار لكلّ عائلة وللجميع، فنهتف: وُلد المسيح! هللويا!

 








All the contents on this site are copyrighted ©.