2016-12-22 14:43:00

عظة البطريرك الراعي في جنازة المثلّث الرّحمة المطران إدمون فرحات


ترأس صاحب الغبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عصر أمس الأربعاء في كنيسة مار روحانا في عين كفاع الصلاة لراحة نفس المطران إدمون فرحات وللمناسبة ألقى البطريرك الراعي عظة تحت عنوان "كما علّمني الآب أتكلّم، والّذي أرسلني هو معي"، قال فيها إن المثلّث الرّحمة المطران إدمون فرحات السّفير البابوي، الّذي نودّعه بكثير من الأسى وبصلاة الرّجاء، فتح قلبه منذ الصّغر للتعليم الإلهي ولتعليم الكنيسة. وظلّ كذلك في سنوات الدّراسة الكهنوتيّة في لبنان والاختصاص في فرنسا وروما، وفي سنوات خدمته للكرسي الرّسولي ولشخص قداسة البابا في دوائر حاضرة الفاتيكان أوّلاً، ثمّ في السّفارات البابويّة. عاش مخلصًا لهذا التّعليم، وعلّمه في جامعات روما، وكتبه في مؤلّفاته ومقالاته ومحاضراته. فكان شعاره باللاتينيّة  "In libro gaudium" أي "في الكتاب الفرح"؛ ليقينه مع بولس الرّسول أنّ "كل كتاب من وحي الله يفيد في التعليم والتقويم، لكي يكون رجل الله كاملاً متأهّبًا لكلّ عمل صالح". في ضوء هذا التعليم عاش، ونعمة الله الذي أرسله كانت تعضده. فهو يغادرنا وعلى شفتَيه كلمة الربّ يسوع : "كما علّمني الآب أتكلّم، والّذي أرسلني هو معي".

ونقلاً عن الموقع الإلكتروني للبطريركيّة المارونيّة، أضاف غبطته يقول إنّه رجل الكتاب والعلم والعمل. وهبه الله نباهة وذكاء وقابليّة عالية للعلم والتعلّم. وُلد في بيت كريم من عين كفاع العزيزة، محبٍّ للعلم، هو بيت المرحوم يوسف فرحات. فتربّى فيه على الإيمان والأخلاق والمعرفة، إلى جانب ثلاثة أشقّاء لمعوا كلّ واحد في قطاعه، وثلاث شقيقات. وشدّته إليهم وإلى عائلاتهم أخلص مشاعر الأخوّة. لبّى الدّعوة الإلهيّة إلى الكهنوت، وغادر لبنان حالما أنهى دروسه الثّانويّة في إكليريكيّة غزير البطريركيّة، فأُرسِل إلى باريس لدراسة الفلسفة واللاّهوت في جامعتها الكاثوليكيّة. وبعد رسامته الكهنوتيّة سنة 1959 توجّه إلى روما حيث تابع اختصاصه في الكتاب المقدّس والحقّ القانوني في الجامعة الحبريّة الأوربانيانا. وأتقن اللّغات القديمة: اللاتينيّة والعبريّة واليونانيّة والسريانيّة. وتعمّق في اللغات الحيّة: الفرنسيّة والإيطاليّة والألمانية والإنكليزيّة والإسبانيّة، وكان يجيد نطقها وكتابتها. وأُتيح له أن يواكب من الدّاخل جميع دورات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني، فتعرّف على كبار شخصيّات الكنيسة من كرادلة وأساقفة ورؤساء عامّين، وشدّته إليهم روابط مودّة واحترام. وكان من أهمّهم الكردينال كارول Wojtyla الّذي أصبح سنة 1978 حبرًا أعظم، وهو القدّيس البابا يوحنا بولس الثّاني الّذي كان يشمل المثلّث الرّحمة بمحبّة وتقدير خاصّين.

تابع الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقول للمطران فرحات أيادٍ بيضاء في خدمة الكرسي الرّسولي وحاضرة الفاتيكان: تولّى إدارة القسم العربي في إذاعة الفاتيكان لمدّة تسع سنوات. فأعطاه وطوّره من كلّ قلبه وعلمه. وعُيّن في الوقت عينه عضوًا في مجمع عقيدة الإيمان بفضل ثقافته اللاّهوتيّة والكتابيّة العالية، لمدّة سنتين. ثمّ عيّنه الطوباوي البابا بولس السادس في الأمانة العامّة لسينودس الأساقفة حيث عمل لمدّة اثنتين وعشرين سنة، كعضو فيها أوّلاً ثمّ كنائب لأمينها العام. فأرسى مع الرعيل الأوّل أساسات هذه المؤسّسة الكنسيّة الّتي أنشأها الطوباوي البابا بولس السّادس في أعقاب المجمع الفاتيكان الثّاني. وفي سنة 1989 رقّاه القدّيس البابا يوحنا بولس الثّاني إلى درجة رئيس أساقفة بيبلوس شرفًا، وعيّنه سفيرًا بابويًا في الجزائر وتونس وليبيا، ثمّ على التوالي حتى سنة 2009 في كلّ من سلوفينيا وماكيدونيا وتركمانستان وتركيا والنمسا. فخدم الديبلوماسيّة الفاتيكانيّة بكلّ مهارة وإخلاص. فقدّره وأحبّه رؤساء الدّول وأساقفتها وشعوبها.

أضاف غبطته يقول وبفضل حبّه ومعرفته العميقة والواسعة للكرسي الرّسولي وحاضرة الفاتيكان، نشر "كتابًا وثائقيًا" بالإيطاليّة بعنوان Gerusalemme ضمّنه جميع الوثائق الرّسميّة الصادرة عن البابوات وأمانة سرّ دولة الفاتيكان بشأن القدس والأراضي المقدّسة. وأصدر في السنة الماضية كتابًا بالعربية بعنوان "الفاتيكان في مبانيه ومعانيه"،  ونقل من الألمانية إلى العربية كتاب البابا بندكتس السادس عشر "نور العالم". وهذه السّنة وهو في المستشفى بروما أصدر كتابًا  شيّقًا بالإيطاليّة بعنوان "سيرتي مع سينودس الأساقفة: ذكريات واعتبارات". وأرسل كتابًا آخر بعنوان "الدبلوماسية الفاتيكانية"، وكان في طور إعداد كتاب رابع يتضمّن كل "مداخلات البطريرك الماروني والمطارنة الموارنة في أعمال المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني"، وكان منكبًّا على ترجمة هذه المداخلات من لغّتها الأصليّة اللاتينيّة إلى الفرنسيّة. لكن شدّة مرضه ووفاته حالا دون إكمال هذا الحلم الّذي راوده لسنين. وله العديد من المقالات في مختلف المجلّات، وبخاصة في جريدة الفاتيكان الأوسرفاتوري رومانو، الأسبوعيّة باللغة الفرنسيّة، وهي تتناول بنوع خاصّ لبنان والكنيسة المارونيّة والشّرق الأوسط والأحداث الكنسيّة.

تابع البطريرك الماروني يقول عاش حياته كلّها خارج لبنان، لكن قلبه ظلّ متعلّقًا به وبخاصّة ببلدته عين كفاع العزيزة على قلبه، الّتي كان يأتيها في كلّ سنة ولاسيّما بمناسبة عيد شفيعها مار روحانا، ليعيش فيها وبين أهلها ويستعيد الروح والدفع. وكم كان يشتهي أن يغمض عينيه فيها لكنّ بلوغ المرض ذروته في هذَين الشّهرين الأخيرَين جعل رغبته غير ممكنة، غير أنها تحقّقت جزئيًّا إذ نُقل جثمانه الطّاهر إلى لبنان، وتقام الجنازة في كنيسة مار روحانا، ويُدفن بقرب المرحومَين والدَيه. حمل قضيّة لبنان إلى حاضرة الفاتيكان والمحافل الدولية. وتعلّق به شديدًا. في خطاب تخريج طلّاب الجامعة الأنطونية في تموز 2007 قال: "أينما كنتم، أيّها الخرّيجون والخرّيجات، حافظوا على صدقكم وإخلاصكم لوطننا لبنان. لا تقطعوا الرباط معه. فمهما صعب الأمر عليه، وضاقت الظروف أمامه، هو أولنا وآخرنا، فخرنا وألمنا. منه ننطلق وإليه نعود، وهو ثابت لن يزول".

أضاف غبطته يقول لقد أحبّ كنيسته المارونية، وغار عليها وعلى تراثها، ودورها المسكوني والوطني. وكم كان يبدو ذلك جليًّا في مداخلاته أثناء انعقاد دورات السينودس المقدس السنوية في الصرح البطريركي. وبعد تقاعده لبلوغ السّن القانونية سنة 2009، عاش في رحاب حاضرة الفاتيكان يصلّي ويواصل البحث والتنقيب والكتابة. وأتاه المرض المميت فقاومه بالصلاة والإرادة الصلبة وكنّا نشهد ذلك في كلّ مرّة نزور روما، ونعوده في منزله أو في المستشفى.

وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته بالقول واليوم تودّعونه بالأسى والصلاة، فيما تتأهّبون للاحتفال بذكرى ميلاد ابن الله على أرضنا، وأنتم على يقين من أنّ عيد ميلاد الفادي الإلهي يتزامن مع عيد ميلاد المطران ادمون في السماء، على ما ردّد آباء الكنيسة القدّيسون: "تأنّس الله ليؤلّه الإنسان". وعلى هذا الأمل، إنّي وإخواني السّادة المطارنة، أعضاء سينودس كنيستنا المقدّس، في لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار، نعرب عن تعازينا الحارّة لعائلات أشقّائه وسائر ذويهم وأنسبائهم، ولجميع عائلات عين كفاع العزيزة. ونسأل لنفسه الراحة في الملكوت السماوي بين رعاة الكنيسة وآبائها القدّيسين، وأن يعوّض على كنيستنا برعاة صالحين مثل قلب المسيح الكاهن الأزلي "وراعي الرعاة العظيم"، وأن يسكب على قلوبكم بلسم العزاء. 








All the contents on this site are copyrighted ©.