2016-11-09 10:51:00

في مقابلته العامة البابا فرنسيس: يمكننا جميعًا أن نكون أدوات لرحمة الله


أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول لقد شكّلت حياة يسوع، لاسيما خلال السنوات الثلاثة لخدمته العلنيّة، لقاء متواصلاً مع الأشخاص، ومن بينهم كان للمرضى مكانة خاصة. ما أكثر صفحات الإنجيل التي تخبرنا عن هذه اللقاءات! الكسيح، والأعمى والأبرص والممسوس وكثيرًا مِنَ المَرضى المُصابينَ بِمُخَتَلِفِ العِلَل... لقد اقترب يسوع من كل واحد منهم وشفاهم بحضوره وقوّته الشافية. ولذلك لا يمكن أن تغيب من أعمال الرحمة زيارة المرضى والعناية بهم.

تابع الأب الأقدس يقول بالإضافة إلى عمل الرحمة هذا يمكننا أن نضع أيضًا القرب من المساجين. إن المرضى والمساجين في الواقع يعيشون حالة تحُدُّ من حريّتهم، وعندما تنقصنا الحريّة نتنبَّه فعلاً لقيمتها! لقد منحنا يسوع الإمكانيّة لنكون أحرارًا بالرغم من محدوديّة المرض، فهو يقدِّم لنا الحريّة الناتجة عن اللقاء معه وعن المعنى الجديد الذي يحمله هذا اللقاء إلى حالتنا الشخصيّة.

من خلال أعمال الرحمة هذه، أضاف الحبر الأعظم يقول، يدعونا الرب إلى علامة بشريّة كبيرة: المقاسمة. فالمريض غالبًا ما يشعر بأنّه وحيد، ولا يمكننا أن نخفي أنه، ولاسيما في يومنا، نعيش في المرض الخبرة الأعمق للوحدة التي تجتاز جزءًا كبيرًا من حياتنا. وبالتالي يمكن لزيارة أن تجعل الشخص المريض يشعر أقل بوحدته إذ يشكل القليل من الرفقة دواء رائعًا! ابتسامة أو لمسة حنان أو مصافحة جميع هذه الأمور هي تصرفات بسيطة ولكنّها مهمّة جدًّا لمن يشعر بأنه متروك لوحده. كم من الأشخاص يكرّسون أنفسهم لزيارة المرضى في المستشفيات أو في بيوتهم! إنه عمل تطوّعي لا يمكننا مكافأته. وعندما يتمّ باسم الرب يصبح أيضًا علامة واضحة وفعالة للرحمة. لا نترُكنَّ المرضى وحدهم أبدًا! لا نمنعهم من الشعور بالارتياح ونمنع أنفسنا من الاغتناء من القرب من الشخص المتألّم. تشكِّل المستشفيات اليوم "كاتدرائيات حقيقيّة للألم"، حيث تظهر بوضوح قوّة المحبّة التي تعضد وتشفق.

تابع البابا فرنسيس يقول في الطريقة عينها أفكِّر بالمساجين، لأنَّ يسوع لم ينسهم أيضًا. فمن خلال وضع زيارة المساجين بين أعمال الرحمة أراد أن يدعونا أولاً لكي لا نجعل أنفسنا قضاة لأحد. بالطبع إن كان أحد في السجن فلأنّه أخطأ ولم يحترم القانون والتعايش المدني، لذلك فهو في السجن يمضي عقوبته. ولكن مهما كان الأمر الذي قام به السجين يبقى على الدوام محبوبًا من الله. من يمكنه أن يدخل إلى عمق ضميره ليفهم ما يشعر به؟ من يمكنه أن يفهم ألمه وندامته؟ من السهل أن نغسل أيدينا مؤكِّدين أن هذا الشخص قد أخطأ، لكن المسيحي مدعو ليأخذه على عاتقه لكي يفهم هذا الشخص الشرّ الذي ارتكبه ويعود إلى ذاته. إن غياب الحريّة هو بلا شك أحد أكبر أنواع الحرمان بالنسبة للكائن البشري، وإن أُضيف إليه الانحطاط بسبب الأوضاع التي غالبًا ما تفتقدُ للإنسانيّة والتي يعيش فيها هؤلاء الأشخاص فهي إذا الحالة التي يشعر أمامها المسيحي بأنّه ينبغي عليه أن يفعل كلَّ ما بوسعه ليعيد إليهم كرامتهم.

أضاف الحبر الأعظم يقول إن زيارة المساجين هو عمل رحمة يأخذ لاسيما اليوم قيمة مميّزة بسبب تعدد أشكال التشدُّد في تطبيق العدالة. فلا يوجِّهنَّ أحدٌ إصبع الاتهام إلى أحد وإنما لنجعل من أنفسنا جميعًا أدوات رحمة من خلال مواقف المقاسمة والاحترام. أفكّر غالبًا في المساجين وأتساءل ما الذي حملهم على ارتكاب الجرائم وكيف تمكنوا من الانصياع لأشكال الشرّ المختلفة، وبالرغم من هذه الأفكار أشعر بأنّهم يحتاجون جميعًا للقرب والحنان لأن رحمة الله تصنع العجائب. كم من الدموع رأيتها تسيل على خدود مساجين لم يبكوا أبدًا في حياتهم وذلك فقط لأنهم شعروا بأنّهم مقبولون ومحبوبون.

ولا ننسينَّ أبدًا، تابع الأب الأقدس يقول، أن يسوع والرسل أيضًا قد اختبروا السجن. في رواية الآلام نعرف الآلام التي عاناها الرب: أُلقي القبض عليه، وساقوه كالمجرمين، هُزِّء وجُلِد وكُلِّل بإكليل شوك... وهو البريء! كذلك سُجن القديس بطرس والقديس بولس، وفي السجن أيضًا صلّيا وبشّرا. عصر يوم الأحد الماضي – الذي احتفلنا به بيوبيل المساجين – جاءت لزيارتي مجموعة من المساجين من مدينة بادوفا، فسألتهم عما سيقومون به في اليوم التالي قبل عودتهم إلى بادوفا، فأجابوني: "سنذهب لزيارة سجن القديس بولس لنتقاسم خبرته"، لقد فرحت لسماع هذا الأمر... لقد أراد هؤلاء المساجين أن يلتقوا ببولس السجين أيضًا. إنها لمؤثِّرة جدًّا تلك الصفحة من أعمال الرسل التي تُخبر عن سجن بولس: لقد كان يشعر بالوحدة ويرغب في أن يزوره أحد الأصدقاء. بولس العظيم... كان يشعر بالوحدة لأن الأكثريّة قد تركته وحده.

وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول إن أعمال الرحمة هذه، كما نرى، قديمة ولكنها آنيّة على الدوام. فيسوع قد ترك ما كان يقوم به ليذهب لزيارة حماة بطرس، هذا عمل محبّة قديم قام به يسوع. فلا نقعنَّ في اللامبالاة وإنما لنصبح أدوات رحمة. يمكننا جميعًا أن نكون أدوات لرحمة الله وهذا الأمر سيساعدنا ويساعد الآخرين أيضًا لأنّ الرحمة تمرُّ عبر تصرُّف أو كلمة أو زيارة، وهذه الرحمة هي عمل يعيد الفرح والكرامة لمن فقدهما.         








All the contents on this site are copyrighted ©.