2016-10-10 15:07:00

عظة البطريرك الماروني في قداس الأحد


ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي يوم الأحد التاسع من تشرين الأول أكتوبر في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة قال فيها إن إنجيل اليوم جزء من خطاب الربّ يسوع عن النهايات: فيكلّمنا اليوم تحديدًا عن الموت الذي يسمّيه مجيء الربّ، المشبَّه بالموكِّل، وعن الدينونة التي يؤدّيها كلّ إنسان المشبّه بالوكيل المؤتمن على تأمين الطعام لمَن هو موكَّل عنهم.

ومما جاء في عظة البطريرك الراعي نقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية في العائلة السيِّد الموكِّل هو الله وشريعته، لكونه هو مؤسِّس الزواج لخير الزوجَين والأولاد. والوكلاء هم الأزواج والوالدون المؤتمنون على تقديم "طعام" الإعالة والفرح ونقل الحياة البشرية وتربيتها. في الكنيسة، الموكِّل هو المسيح الربّ، مؤسّسها ورئيسها غير المنظور. والوكلاء هم الرؤساء الكنسيّون، الذين يتمّ انتخابهم أو تعيينهم وفقًا لقوانين الكنيسة. إنّهم مؤتمنون على تأمين "طعام" الحياة الروحية والراعوية وخدمة الفقراء في حاجاتهم. في الدولة الموكِّل هو الشعب، والوكلاء هم ممثِّلوه في البرلمان والسلطة الإجرائية والمؤسسات العامّة، المؤتمنون على توفير "طعام" الخير العام وتنظيم الحياة العامّة بكلّ قطاعاتها. عندما نقول "وكيل" و"موكِّل" نقول أيضًا "مساءلة ومحاسبة" وتأدية حساب.

تابع الكاردينال الراعي يقول لا يمارس الوكيل مهامّه وصلاحياته باسمه الشخصي، بل باسم موكِّله. فعندما يعمل باسم موكِّله وبالإخلاص له، ينال ثواب الخلاص. أمّا إذا تناسى أنّه وكيل، ويسيء استعمال مسؤولياته ويستبدّ ويخالف واجبه، فيعاقبه سيّده بالهلاك الأبدي. لذلك يطلب الربّ يسوع من كلّ وكيل أن يتحلّى بميزتَين: الأمانة والحكمة. الأمانة هي صفة الوكيل المحبّ. وهي أمانة لثلاثة: للموكِّل، وللأشخاص الموكَّل عليهم، وللواجب. والحكمة فضيلة تتّصف بفطنة التصرّف بدون نقص وعيب مقصودَين وتتّصل بموهبة أخرى من مواهب الروح، هي مخافة الله. ما يعني أنّ ممارسة المسؤوليّة بحكمة إنّما تبغي أساسًا مرضاة الله ومخافته في عباده.

أضاف البطريرك الراعي يقول عندما خاطبنا المسؤولين السياسيّين، كتلاً سياسيّة ونيابيّة، في عظة الأحد الماضي، وفي نداء السّادة المطارنة الأربعاء الفائت، كنّا نتكلّم باسم الشعب اللّبناني، ونحن منه وجزء أساسي فيه. ففعلنا بحكم مقدِّمة الدستور التي تنصّ على أنّ "الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، يمارسها عبر المؤسّسات الدستورية" (فقرة د). ما يعني أنّ الشعب هو "الموكِّل"، والسلطات والمؤسّسات الدستورية "الوكيل". فيرى الشعبُ اليوم أنّ الممارسة السياسيّة والإدارية تناقض هذا الواجب، ويا للاسف! ولذا، جاءت ردّات الفعل إيجابيّة من أكثر من مصدر، ومن مختلف مكوِّنات لبنان السياسيّة والمدنيّة، أفرادًا وأحزابًا ومؤسّسات، سواء عبر الوسائل الإعلامية، أم عبر لقاءات شعبية أو مع شخصيات سياسية في الكرسي البطريركي.

تابع الكاردينال بشارة الراعي يقول لقد طالبنا بما يُسمَّى في إنجيل اليوم "تأمين الطعام" أي "تأمين الخير العام" المطلوب من "الوكيل". "الوكيل" هو السلطة السياسية. وعليها إحياء المؤسّسات الدستورية، وفي مقدّمتها انتخاب رئيس للجمهورية بموجب المواد 73 و74 و75 من الدستور، وروح الميثاق الوطني الذي يوجب على كلّ شريك في الوطن حماية حقّ الشريك الآخر، ليتمثّلا معًا تمثيلاً سليمًا ومتوازيًا في الحكم والإدارة، بعيدًا عن "ثنائيات" و"ثلاثيات" تقوم على حساب هذا الحقّ الوطني. وبذلك تعود الحياة الطبيعية إلى المجلس النيابي وإلى مجلس الوزراء. 

أضاف البطريرك الراعي يقول إن "الطعام" المطلوب من السلطة السياسية هو النهوض بالاقتصاد اللبناني بكلّ قطاعاته التجارية والصناعية والزراعية والصحية والبيئية والسياحية والمالية، لكي يتوفّر لكلّ المواطنين العيش الرغيد والآمن. و"الطعام" على المستوى الوطني هو تحقيق لبنان الساهر على أمنه واستقراره ومصالحه ورسالته؛ لبنان الدولة العادلة والقادرة والمنتجة؛ لبنان القادر على تخطّي الأزمات الكبرى، بحيث يتوصّل دائمًا إلى التسويات السلميّة، وإلى إزالة الغموض، وإيجاد الحلول المناسبة. من أجل تأمين هذا "الطعام الوطني"، ينبغي البحث عن "وكلاء أمناء وحكماء"، يوكل إليهم تقديم "الطعام" للعائلة اللبنانية الكبرى، وفي مقدّمهم الشخص المناسب على رأس الدولة.

وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته بالقول واليوم، بعد سنتين وخمسة أشهر من الفراغ الهدّام في سدّة رئاسة الجمهورية، بات من واجب الكتل السياسيّة والنيابيّة أن تعلن بوضوح وتصارح، إيجابًا أو سلبًا، الأشخاص الذين صار ترشيحهم معروفًا، منعًا لرهن البلاد وشعبها ومؤسّساتها للعبة سياسيّة نجهل أهدافها ومآلها. لقد آن الأوان كي يفعلوا ذلك، ويتوجّهوا إلى المجلس النيابي، ويُجروا عمليّة الانتخاب وفقًا للدستور وللنظام البرلماني الديموقراطي، الذي يقرّه في مقدّمته. إنّنا نأمل من ذوي الإرادة الحسنة في المجتمعَين المدني والسياسي العمل من أجل هذه الغاية. ونرفع الصلاة إلى الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيدة لبنان، وقدّيسي لبنان، كي يقود خطى الكتل السياسيّة والنيابيّة نحو الهدف المنشود منّا جميعًا.








All the contents on this site are copyrighted ©.