2016-10-01 09:44:00

البابا فرنسيس: لا نتعرّف على الله من خلال الأفكار البليغة وإنما من خلال صغر قلب متواضع وواثق


ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة الثامنة من صباح اليوم السبت بالتوقيت المحلّي القداس الإلهي في استاد ميكائيل مسخي في تيبليزي بحضور السلطات المدنيّة الجورجيّة وبطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو وممثلين عن الكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكية وحشد كبير من المؤمنين وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلّها بالقول بين العديد من كنوز هذا البلد الرائع تسطع قيمة النساء الكبيرة. فهن – تكتب القديسة تريزيا الطفل يسوع، التي نحتفل بعيدها اليوم – "يحببن الله أكثر بكثير من الرجال". نجد في جورجيا العديد من الجدات والأمهات اللواتي لا تزال تحافظ وتنقل الإيمان الذي زرعته القديسة نينو في هذه الأرض، وتحمل المياه المنعشة لعزاء الله إلى العديد من أوضاع الجفاف والنزاع.

تابع الحبر الأعظم يقول يساعدنا هذا الأمر لنفهم جمال ما يقوله لنا الرب اليوم في القراءة الأولى: "كمَن تُعَزِّيهِ أمُّهُ أُعَزِّيكُم أنا" (أشعيا 66، 13). كما تأخذ الأم على عاتقها أثقال وأتعاب أبنائها هكذا يحب الله أن يحمل على عاتقه خطايانا وما يُقلقنا؛ هو يعرفنا ويحبّنا بشكل لامتناهي، هو يتأثّر بصلاتنا ويعرف كيف يمسح دموعنا. إن التعزية التي نحتاج إليها وسط أحداث الحياة المشوِّشة هي حضور الله في قلوبنا. لأن حضوره في داخلنا هو مصدر التعزية الحقيقيّة التي تبقى وتحرّر من الشرّ، تحمل السلام وتنمّي الفرح. فإذا أردنا أن نعيش كأشخاص يُعزَّون ينبغي علينا أن نفسح مجالاً للرب في حياتنا. وبالتالي هناك أبواب تعزية ينبغي علينا أن نتركها مفتوحة على الدوام لأن يسوع يحب أن يدخل من خلالها: أن نقرأ الإنجيل يوميًّا ونحمله معنا على الدوام، الصلاة الصامتة والتأمّليّة، الاعتراف والافخارستيا. من خلال هذه الأبواب يدخل الرب ويعطي طعمًا جديدًا للأمور، ولكن عندما نغلَقُ أبواب قلوبنا، يتوقف نوره عن الوصول إليها ونبقى في الظلام، فننغلق في الحزن وحيدين داخل أنفسنا.

لكن الله لا يعزينا في قلوبنا وحسب، تابع البابا فرنسيس يقول؛ وبالتالي ومن خلال النبي أشعيا يضيف قائلاً: "وفي أورُشليمَ أنتُم تُعَزَّونَ". في أورشليم أي في مدينة الله، في الجماعة: عندما نكون متّحدين وعندما يكون هناك شركة بيننا تعمل عندها تعزية الله؛ الكنيسة هي بيت العزاء وهنا يرغب الله بأن يعزّي. وبالتالي يمكننا أن نسأل أنفسنا: أنا الذي في الكنيسة هل أحمل عزاء الله للآخرين؟ هل أعرف كيف أستقبل الآخر كضيف وأعزي من أراه تعبًا وخائبًا؟ كثيرون يتألّمون ويختبرون المحن والظلم ويعيشون القلق، هناك حاجة لمسحة القلب، لتعزية الرب تلك التي لا تزيل المشاكل ولكنها تعطي قوّة الحب التي تعرف كيف تتحمل الألم بسلام. أن ننال ونحمل عزاء الله: إن رسالة الكنيسة هذه لملحّة جدًّا، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء لنشعر بأننا مدعوون إلى هذا الأمر!

أضاف الحبر الأعظم يقول ولكن هناك شرط أساسي لنوال تعزية الله وتذكّرنا به اليوم كلمته: أن نصبح كالأطفال وأن نكون "مِثلَ مَفطومِ في حِضْنِ أُمِّهِ". إن صغر القلب هذا ضروري كي نقبل محبة الله. فمَن وضَعَ نفسَه وصارَ مِثلَ الطِّفل – يقول لنا يسوع – فذاك هو الأَكبرُ في مَلَكوتِ السَّموات. إن عظمة الإنسان الحقيقيّة تقوم في التصاغر أمام الله، لأننا لا نتعرّف على الله من خلال الأفكار البليغة وكثرة الدراسة وإنما من خلال صغر قلب متواضع وواثق. إن الأطفال لا يعانون من مشاكل لفهم الله وبإمكانهم أن يعلموننا الكثير: يخبروننا بأنه يصنع العظائم في الذين لا يقاومونه وفي البسطاء والصادقين الذين لا يعرفون الرياء. وهذا الأمر يُظهره لنا الإنجيل أيضًا حيث تتم العظائم بواسطة أمور صغيرة: ببعض الأرغفة وسمكتين، بواسطة حبّة خردل، من خلال حبة الحنطة التي تقع في الأرض وتموت، بواسطة كأس ماء نسقيه لعطشان، من خلال فلسي الأرملة الفقيرة، ومن خلال تواضع مريم أمة الرب. هذه هي العظمة المدهشة لإله مليء بالمفاجآت ويحب المفاجآت: فلا نفقدنَّ إذًا الرغبة والثقة بمفاجآت الله!

تابع الأب الأقدس يقول طوبى للجماعات المسيحية التي تعيش هذه البساطة الإنجيلية الأصيلة! فقيرة من حيث الوسائل ولكنها غنيّة بالله. طوبى للرعاة الذين لا يتبنّون منطق النجاح الدنيوي بل يتبعون شريعة المحبّة: الاستقبال والإصغاء والخدمة. طوبى للكنيسة التي لا تتكل على معايير الفعاليّة ولا تكترث بالمظاهر.

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول أريد أن ألخّص هذه الأفكار ببعض من كلمات القديسة تريزيا الطفل يسوع التي نحتفل اليوم بعيدها. هي تدلنا إلى دربها الصغيرة نحو الله: "استسلام الطفل الصغير الذي ينام بلا خوف بين ذراعي أبيه" لأن "يسوع لا يطلب منا أعمالاً كبيرة وإنما استسلام وامتنان وحسب". لقد كانت هذه القديسة الشابة وملفانة الكنيسة خبيرة أيضًا بـ "علم الحب" وتعلّمنا أن المحبة الكاملة تقوم على احتمال نواقص الآخرين وعدم التوقف عند ضعفهم وأن نسمح لهم بأن يعلموننا وينشئوننا من خلال أصغر أعمال الفضيلة التي يقومون بها؛ وتذكّرنا أيضًا بأن المحبة لا يمكنها أن تبقى سجينة في قلوبنا. لنطلب اليوم جميعًا نعمة قلب بسيط يؤمن ويعيش في قوة المحبة المتواضعة؛ ولنطلب أن نعيش بثقة كاملة ومطلقة برحمة الله.   








All the contents on this site are copyrighted ©.