2016-05-02 13:37:00

عظة الكردينال الراعي في عيد سيدة لبنان


بمناسبة افتتاح الشهر المريمي وعيد سيّدة لبنان ترأس البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الراعي صباح أمس الأحد القداس الإلهي في مزار حريصا في لبنان وألقى عظة استهلّها بالقول: "ارتفعتُ كالأرز في لبنان"، هذه الآية التي كتبها يشوع بن سيراخ، أحد وجهاء أورشليم وكتّابها، حوالي السنة 200 قبل المسيح، ممتدحًا بها الحكمة الإلهية، تطبِّقها الكنيسة على أمِّنا وسيّدتنا مريم العذراء، عرش الحكمة. وها نحن اليوم، في هذا الأحد الأوّل من شهر أيار نحتفل بعيدها، ونكرّمها في هذا المكان المقدّس طيلة هذا الشهر باحتفالات مميّزة، كما في جميع كنائس الأرض ومزاراتها العالميّة، وفي أيادي جميع المؤمنين والمؤمنات مسبحتها الوردية، العزيزة على قلبها.

ونقلاً عن الموقع الإلكتروني للبطريركيّة المارونيّة تابع البطريرك الراعي يقول لقد اجتذبت أمُّنا مريم العذراء، سيّدةُ لبنان، وتجتذب كلَّ يوم ألوف الزوّار المصلّين، من مسيحيّين ومسلمين ومن أتباع أديان آسيوية وأفريقية وهندية أخرى. تجتذبهم إليها بيدَيها المنبسطَتَين نحو العاصمة بيروت لتباركهم، ولتفيض عليهم وعلى المدينة والوطن النعم السماوية. إنها تشعّ أمامهم وأمامنا ببياضها الذي يرمز إلى سموّ قداستها. تشعّ مثالاً في الفضائل الإلهيّة، الإيمان والرجاء والمحبة، وفي فضائلها الإنسانيّة التي جمّلت أمومتها ليسوع وللبشر أجمعين، بالحنان والسخاء والتواضع والتفاني. إن الكنيسة تجد في مريم الكلّية القداسة ملء الكمال الإلهي في الإنسان. فتكرّمها وتدعو كلّ المؤمنين، من أبنائها وبناتها، للاقتداء بها. على مثال القديسين الذين رُفعوا من أرضنا إلى مجد السماء. ونحن اللبنانيين مدعوون لنرتفع، على مثالها ومثالهم، مثل الأرز، بالقيم التي جمّلت الإنسان اللبناني عبر تاريخه. فلا يمكن البقاء في حالة الانحطاط الأخلاقي إلي يُفسد كل قطاعات الحياة العامة والخاصة.

أضاف الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقول "ارتفعتُ كالأرز في لبنان". هكذا امتدح يشوع بن سيراخ الحكمة الإلهيّة التي أوجدت الكون والإنسان والجمالات. وبالعبارة نفسها تمتدح الكنيسة أمَّنا مريم العذراء الشامخة كالأرز بقداستها المنزَّهة عن كلّ عيب وخطيئة. وفي يوبيل سنة الرحمة، نرفع إليها أنظارنا وقلوبنا، وهي أم الرحمة التي أعطتها جسدًا بشخص يسوع، ملتمسين أن نعبر وكل إنسان، من خلال الباب المقدس، إلى عالم رحمة الله. فننعم برحمة غفرانه وسلامه، ونشهد لرحمته في عالم أصبح بأمسّ الحاجة إلى رحمة تُعيد إلى القلوب المشاعر الإنسانية التي يُبيدها الحقد والبغض والمصالح الشخصية.

وتابع غبطته قائلاً مريم مرتفعة كالأرز بتواضعها، وقد نظر إليها الله بعظم حكمته، كما أنشدت، يوم زيارتها لأليصابات: "نظر إلى تواضع أمته... بدَّد المتكبِّرين بأفكار قلوبهم؛ أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتواضعين" (لو1: 48 و51-52). نصلّي إليها اليوم كي تزيِّن كلّ واحد وواحدة منّا بفضيلة التواضع الناصعة التي تُرينا وجه الله وحقيقة وجه الإنسان. نصلّي كي تحرِّر كلَّ إنسان، وبخاصّة كلَّ مسؤول في الكنيسة والمجتمع والدولة، من الكبرياء التي هي أمّ الرذائل. فالمتكبّر لا يستطيع أن يبني علاقة سليمة مع الله والناس، ولا يعرف كيف يقارب، بروح المسؤولية، الأحداث والوقائع. المتكبِّرون يسقطون عاجلاً عن عرش كبريائهم وتجبّرهم، أمّا المتواضعون فيصمدون. فكم يكتنز التاريخ في طيّاته من أمثولات!

أضاف البطريرك الراعي يقول وفيما نقف الآن وقفة إيمانية أمام تمثال سيدة لبنان نرفع أفكارنا وعقولنا وقلوبنا إليها، من معاناة الأزمة السياسية والاقتصادية والمعيشية في لبنان، ومن معاناة النزاعات والحروب وويلاتها في سوريا والعراق وفلسطين والأرضي المقدّسة وسواها من البلدان المشرقية. نصلّي ورديتها التي أرادتها لتكون قوّة الكنيسة في الانتصار على قوى الشّر والهدم، والوسيلة لتوبة الخطأة وإنهاء الحروب وإحلال السلام. بهذا الرجاء نصلّي مسبحتها اليوم وكلّ يوم: من أجل خروج لبنان من أزمة فراغ سدّة الرئاسة الأولى، والدخول في خط النهوض من معاناته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، هي التي تحميه بيدها الخفيّة. ومن أجل إيقاف ويلات الحرب على مدينة حلب الشهيدة وشعبها البريء الذي يقع ضحية المطامع والأحقاد. ومعهم نستصرخ الضمير العالمي كي تتحمل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمم مسؤولياتهما عن رفع ظلم الحرب والقتل والدمار. إننا نؤكد لهم تضامننا الكامل معهم وقربنا من مأساتهم وصلاتنا. ونصلّي من أجل إيقاف الحروب الأخرى الدائرة في بلدان المنطقة بإيجاد حلول سياسية لها، كفيلة بإحلال سلام عادل وشامل ودائم. ومن أجل العودة الآمنة لجميع اللاجئين والنازحين والمخطوفين إلى بيوتهم وممتلكاتهم وأوطانهم، وضمانة حقوقهم كمواطنين على اختلاف مذاهبهم.

 








All the contents on this site are copyrighted ©.