2016-04-01 13:37:00

الإنجيل وقفة تأمل عند كلمة الحياة


وفي مَساءِ ذلك اليَومِ، يومِ الأحد، كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفًا مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ وقامَ بَينَهم وقالَ لَهم: "السَّلامُ علَيكم!" قالَ ذلك، وأَراهم يَدَيهِ وجَنبَه ففَرِحَ التَّلاميذُ لِمُشاهَدَتِهمِ الرَّبّ. فقالَ لَهم ثانِيَةً: "السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضًا". قالَ هذا ونَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: "خُذوا الرُّوحَ القُدُس. مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم". عَلى أَنَّ توما أَحَدَ الاثَنْي عَشَر، ويُقالُ له التَّوأَم، لم يَكُنْ مَعَهم حِينَ جاءَ يسوع. فقالَ لَه سائِرُ التَّلاميذ: "رأَينا الرَّبّ". فقالَ لَهم: "إِذا لم أُبصِرْ أَثَرَ المِسمارَينِ في يَدَيهِ، وأَضَعْ إِصبَعي في مَكانِ المِسمارَين، ويدي في جَنْبِه، لا أُومِن". وبَعدَ ثَمانِيةِ أَيَّامٍ كانَ التَّلاميذُ في البَيتِ مَرَّةً أُخْرى، وكانَ توما معَهم. فجاءَ يسوعُ والأبوابُ مُغلَقَة، فقامَ بَينَهم وقال: "السَّلامُ علَيكم!" ثُمَّ قالَ لِتوما: "هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل مُؤمِنًا". فَأَجابَه توما: "رَبِّي وإِلهي!" فقالَ له يسوع: "آمَنْتَ لأنَّكَ رَأَيتَني، طوبى لِلَّذينَ يؤمِنونَ ولَم يَرَوا". وأتى يسوعُ أَمامَ التَّلاميذ بِآياتٍ أُخرى كثيرة لم تُكتَبْ في هذا الكِتاب، وإِنَّما كُتِبَت هذه لِتُؤمِنوا بِأَنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولِتَكونَ لَكم إِذا آمَنتُمُ الحياةُ بِاسمِه (يوحنا 20، 19- 31).

للتأمّل

افتتحنا أسبوع الآلام بأحد الشعانين، ثمّ احتفلنا بالفصح على مدى أسبوع وكأنّه يوم واحد، "اليوم الّذي صنعه الربّ"، واليوم نحتفل بالأحد الجديد، اليوم الأوّل من الأسبوع. لمَ هذا التركيز على الأسبوع؟ يأتينا هذا التركيز من إنجيل يوحنّا، الّذي في بدايته يذكر بشارة يوحنّا المعمدان، ثمّ في اليوم الثاني يروي عِماد يسوع، وفي الثالث والرابع دعوة يسوع التلاميذ الأوّلين، ويختم "في اليوم الثالث" بعد تلك الأحداث إذ يروي تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا، فتكون تلك الأحداث قد جرت في سبعة أيّام وقد أشار الإنجيليّ إلى ذلك بدقّة تعني أنّه يريدنا أن نفهم شيئًا. في عرس قانا، يقول يسوع: "لم تأتِ ساعتي بعد". وحين يصل الإنجيل إلى رواية الآلام، حين يقول يسوع "أتت الساعة"، يبدأ بعدّ الأيّام من جديد، فيقول: "قبل الفصح بستّة أيّام جاء يسوع إلى بيت عنيا..." (يو 12: 1). في إنجيل يوحنّا يموت يسوع في يوم تهيئة الفصح، أي في اليوم الّذي فيه يُذبح الحمل، وهو اليوم السادس مِن الأسبوع. فما معنى هذه الإشارات؟

هي بكلّ بساطة إشارة إلى الأيّام السبعة الّتي فيها خلق الله العالم. كثيرة هي الإشارات إلى الخلق في رواية الآلام، من جنب يسوع المفتوح الّذي يشبه جنب آدم، إلى البستان الّذي فيه دُفن يسوع وهو إشارة إلى بستان عدَن حيث وضع الله آدم. بكلمة واحدة، فصح يسوع هو خلق جديد! في قيامة يسوع يخلق الله العالم من جديد. لهذا، فالأيّام السبعة تنفتح على اليوم الثامن، اليوم الجديد الّذي لا ليل له، وهو يوم الفصح. ولكن بما أنّ الكنيسة تكمل مسيرتها في داخل الزمن، فالأحد الجديد هو الأحد الأوّل من زمن خلقه الله من جديد، زمن الكنيسة. مع الأحد الجديد يبدأ الزمن من جديد، لأنّه لم يبقَ الزمن دورة متكرّرة كما في السابق، بل أصبح مسيرة المؤمنين إلى اليوم الثامن، يوم قيامة الربّ الّذي لا ليل له. مع الأحد الجديد نحتفل بتحوّل إنسانيّتنا من إنسانيّة سجينة، سجينة الخوف والعبوديّة، إلى إنسانيّة مُتحرّرة مُرسلة، "كما أرسلني الآب أرسِلكم أنا"، تَحمل روح يسوع وتُبشّر بغفران الخطايا.

وهذه الإنسانيّة الجديدة الّتي نسمّيها الكنيسة، قائمة على إيمان الرسل. لا نزال نستعيد الذكرى في كلّ سنة، لكَيما مِن خلال هذه الذكرى يأتي القائم من بين الأموات في قلوبنا المغلقة من الخوف، ويقول لنا ما قاله لتوما: لا تكن غير مؤمن، بل كُن مؤمنًا. المسيح نفسه يوقظ كنيسته، يدعوها إلى الوجود وإلى الإيمان، حين يلمُس قلوب الناس بحقيقة حياته، لينفتح زمانهم المُغلق على زمن جديد، زمن القيامة. إن كانت الأيّام تتوالى بعد الفصح كما قَبله، فذلك لأجل إيماننا، لكي نَعي أنّ المسيح مات لأجلنا لكي نَحيا منذ الآن لأجله، وأنّ منذ الآن الحياة الأبديّة تعمل فينا، وهي الحياة الّتي لا يُبطلها الموت ولا يحتويها الزمان ولا تنال منها الخطيئة، "فتكون لكم إذا آمنتم الحياة باسمه".

لا نكن غير مؤمنين بل مؤمنين... هذه كلمة المسيح لنا اليوم. ما الّذي يتغيّر في حياتنا إن آمنّا؟ سمعنا في القراءة الأولى كيف قام الرسل بالبشارة في وسط الشعب، بالتعليم وبالحياة الأخويّة وبالمعجزات. ثمّ قرأنا في بداية الإنجيل كيف أنّ الرسل أنفسهم كانوا في دار أغلِقت أبوابها خوفًا من اليهود. ما الّذي يدفع جماعة خائفة على مصيرها، خائفة على كيانها ووجودها، إلى فتح الأبواب والخروج نحو الآخرين بلا خوف؟ هذا السرّ هو سرّ قيامة الربّ. نقول إنّنا نؤمن أنّ الربّ قام، حقًّا قام! فإن آمنّا، لِمَ تبقَ أبوابنا موصدة؟ لِمَ نخاف على المصير، والكيان، والهويّة، والوجود؟ أليس المسيح حياتنا؟ من يقدر أن يعيد المسيح إلى القبر الّذي تركه فارغًا؟ نحتاج اليوم أن نكون مؤمنين، لا غير مؤمنين، وإلاّ فما زلنا في الزمن القديم ولم يُشرق علينا بعد نور القيامة.

لنا الطوبى أنّنا آمنّا ولم نرَ، بل رأينا، لا بعيون اللحم بل بعيون الإيمان. لنا الطوبى إن نحن فَتحنا أبوابنا وسمحنا لِروح يسوع أن يقودنا. الأيّام تتوالى وأجسادنا اللحميّة تفنى، وليس ما يقينا موت الجسد، لا العلم ولا السلاح ولا المال... لنا الطوبى إن صار موت أجسادنا المحتوم شهادة لحياةٍ لا موت فيها، ليومٍ جديدٍ لا ليلَ له. طوبى لنا اليوم إن سمِعنا صوته ينادي: "لا تكُن غير مؤمن، بل كُن مؤمنًا".

 








All the contents on this site are copyrighted ©.